رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تسعيرة مقاتلى داعش فى صفوف الجيش التركى


فى ديسمبر من عام ٢٠١٧، رفعت مجموعة تقارير استخباراتية حررت بمعرفة ضباط أتراك إلى قيادة الجيش بالعاصمة أنقرة، تناولت بالتقييم الوضع فى الشمال السورى بعد شهور من عملية «درع الفرات». خاصة بعد أن تمدد الوجود التركى ليشمل العديد من البلدات، فضلًا عن بدء تشكيل إدارات محلية لتلك المناطق، انخرطت فى التعاطى مع مشكلات الوضع الأمنى والاجتماعى اليومى بتلك المنطقة.
عملية «درع الفرات» التى استغرقت ما يقارب الـ«٧ شهور»، ساهم فيها بجوار الجيش التركى بجهد رئيسى فصيل «الجيش السورى الحر»، بقوات عاملة على الأرض وبعناصر مدنية محلية، أوكل لها عملية السيطرة والإدارة للمناطق التى تم الاستحواذ عليها. تُقدر تلك المساحة بنحو ٢٠٠٠ كم مربع، تضم (٢٣٠ مدينة وقرية) يقطنها بعض سكانها الأصليين وبعض من نازحى المناطق الأخرى، وهى التى كانت تدار-وتحت سيطرة- قبل هذه العملية العسكرية بمعرفة الفصائل الكردية الرئيسية، كل من «قوات سوريا الديمقراطية» و«وحدات حماية الشعب». فى عملية «إحلال سكانى» سريع نفذته تركيا، لضمان عدم عودة الأكراد، الذين اضطروا تحت الضغط العسكرى إلى الانسحاب شرق الفرات، دفع الجيش التركى بما يقارب (٥٠٠٠٠ لاجئ) سورى من الموجودين بتركيا، ليستوطنوا تلك المناطق بداية من فبراير ٢٠١٧، حيث اكتمل العدد فى نهاية العام نفسه.
شاركت مع الجيش التركى فى تلك العملية، ووجدت بهذه المناطق مجموعة من الفصائل التى تديرها أنقرة بشكل مباشر منذ بداية الأزمة السورية ٢٠١١، وهى: «جبهة ثوار سوريا»، «لواء الفتح»، «لواء أحرار الشرقية»، «لواء صقور الجبل»، «جيش إدلب الحر»، «لواء صقور الشمال»، «حركة نور الدين الزنكى»، «فرقة الحمزة»، «فيلق الشام»، «تجمع فاستقم»، «لواء المعتصم»، «لواء محمد الفاتح»، «فرقة السلطان مراد»، «غرفة عمليات كلس»، «لواء أحفاد صلاح الدين». خمسة عشر فصيلًا مسلحًا أوصت التقارير الاستخباراتية التركية بضرورة توحيدها تحت اسم «الجيش الوطنى». ومسألة دعم وتشغيل تلك الميليشيات لم تكن سرًا فى أى وقت، فقد استخدمتهم أنقرة فى كل مباحثاتها مع الأطراف الدولية، ومع روسيا وإيران على وجه الخصوص، باعتبارهم الأذرع المسلحة القادرة على نقلهم وتوجيههم إلى أى من المناطق السورية. فضلًا بالطبع عن الفصيل الرئيسى الأكبر «الجيش السورى الحر»، الذى يمتلك كوادر سياسية مقيمة فى اسطنبول غير العسكرية الموجودة على الأرض. وكما تبدو العلانية فى استخدام هؤلاء، أيضًا المشهد معلوم دوليًا منذ وقت مبكر بقدر متخم من التفاصيل. فعلى سبيل المثال، قدم النائب التركى الكردى «أحمد تورك» الذى شغل منصب رئيس بلدية ماردين، إلى سفير الاتحاد الأوروبى فى تركيا فى عام ٢٠١٤، تقريرًا مفصلًا مدعومًا بالأدلة الدامغة من صور وأشرطة فيديو، عن أشكال وآلية الدعم الرسمى الذى تقدمه تركيا للميليشيات المسلحة.
لاحقًا ومع التمدد الإضافى التركى داخل الأراضى السورية، أوصت التقارير الاستخباراتية المشار إليها إلى ضرورة الاستعانة بعناصر مسلحة إضافية، لتظل السيطرة التركية على تلك المناطق غير قابلة للاختراق، من قبل الجيش الرسمى السورى أو حلفائه الروس أو الإيرانيين. وهذا ما دفع الجيش التركى إلى الاستعانة بعناصر من «تنظيم داعش»، للعمل داخل صفوفه فى مهام السيطرة على تلك المناطق، خاصة بعد انحسار التنظيم عن المحافظات التى سيطر عليها لمدة تقارب ثلاثة أعوام. وهذه الفترة أكسبت عناصر داعش، فضلًا عن المهارات العسكرية التى تفوق قدرات التنظيمات الأخرى، خبرات السيطرة وإدارة تلك المناطق ومثيلتها داخل الأراضى السورية.
استطاعت عناصر الاستخبارات الكردية، الحصول على وثيقة سرية فى أوائل عام ٢٠١٨، تكشف عن جانب من الاتفاق الذى جرى بين تنظيم «داعش» و«المجلس العسكرى التركى»، يقضى بإمكانية انضمام عناصر التنظيم للجنود الأتراك المشاركين فى عملية «درع الفرات» التركية التى شنت فى شمال سورية وعلى حدود العراق بين ٢٤ أغسطس ٢٠١٦ و٢٩ مارس ٢٠١٧. أوضحت الوثيقة أن أنقرة قررت الاستفادة من عناصر داعش، وإلحاقهم بجنودها ضمن عملية درع الفرات. نص الاتفاق على أن يدفع كل عنصر إرهابى من داعش (٥٠٠٠ دولار) إلى أنقرة مقابل الانضمام إلى قواتها، مع ضمان الحفاظ على حياته وتلقيه للمبالغ الشهرية التى تصرف للمقاتلين، وانضم وقتها إلى العملية أكثر من (٥٠٠ داعشى)، أما الذين لا يريدون الانضمام لصفوف عملية «درع الفرات»، فيتم السماح لهم بالدخول إلى أنقرة تحت رعاية الاستخبارات التركية.
كان هناك عمل ميدانى يجرى على الأرض بالتزامن مع هذا التعاون، تمثل فى تأسيس أنقرة إبريل ٢٠١٦ لما يسمى «فرقة الحمزة»، تشكلت من (٥ ألوية) بريف حلب الشمالى، (الحمزة-ذى قار-رعد الشمال-مارع الصمود-المهام الخاصة). بينما زعمت «فرقة الحمزة» فى بيانها التأسيسى، أن هدفها الرئيسى مواجهة داعش وقوات اﻷسد، إلا أنه سرعان ما تكشف أن عناصر الإخوان هم المكون الأساسى للفرقة، الذين يتفقون فى الرؤى والمخططات مع رجب أردوغان، ما يجعل العلاقة بينه ومؤسسى «فرقة الحمزة» تسبق تكوينها واللواءات المنضوية تحتها، وربما تسبق الأزمة السورية نفسها.
معركة «عفرين» أهم المعارك التى خاضتها «فرقة الحمزة»، ودخلت حرب الشهور نجحت بعدها فى إحكام قبضتها على المدينة، بدعم من القوات التركية، تمثل فى ٥٠ دبابة و١٠٠ مجموعة عسكرية، بسبب أهمية موقع المدينة المتاخمة للحدود. بينما مثلت المعارك التى دارت بالقرب من الشريط الحدودى مع تركيا، الوجود الرئيسى للفرقة لتحقيق أهداف العمليات العسكرية فى شمال سورية. ومهمة أخرى لا تقل أهمية عن السابق أن الفرقة أوكل إليها مهمة التواصل والتنسيق مع تنظيم «داعش»، أسفرت فى بعض فصولها عن نجاحها بالفعل فى تسليم أنقرة جثتين لجنديين تركيين، كانت داعش قد احتجزتهما بعد أن أحرقتهما، مقابل ٦ إرهابيين لدى تركيا، وأعلن حينها أن «فرقة الحمزة» هى المخول لها عملية التفاوض بين الطرفين.