رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مشاهد الربع الأخير من عامنا الحالى


-تركيا ستظل فى حالة ارتباك مقنعة فى هذا الربع من العام حيث تسير فى الاتجاه الأوسع للدفع ضد أحادية الولايات المتحدة فى مجال السياسة التجارية والعقوبات

مركز ستراتفور «Strategic Forecastin Inc» الذى يُعرف اختصارًا بـ«Stratfor»، هو مركز دراسات استراتيجى وأمنى أمريكى، ويعد إحدى أهم المؤسسات الخاصة التى تعنى بقطاع الاستخبارات- ويعلن صراحة طبيعة عمله المعلوماتى، ويجسد أبرز وجوه خصخصة القطاعات الأمريكية الحكومية، لذلك تطلق عليها الصحافة الأمريكية اسم «وكالة المخابرات المركزية فى الظل»، أو الوجه المخصخص لـ«سى آى إيه». ولضمان جودة ودقة ما يقدمه من منتجات بحثية، يتشكل معظم خبراء المركز من ضباط وموظفين سابقين فى الاستخبارات الأمريكية.
هناك ما يستحق الاهتمام حول ما نشره مؤخرًا كتوقعات لتطورات الأحداث العالمية واتجاهاتها خلال ما تبقى من عام ٢٠١٨م. ففى الربع الأخير من هذا العام، سوف تواصل الولايات المتحدة تطبيق استراتيجيتها المتشددة لمعاقبة إيران، وهو مسار يهدف فى جزء منه إلى زعزعة الاستقرار المحلى فى الداخل الإيرانى. الغالب أن تنتشر الاحتجاجات المدفوعة اقتصاديًا، لكن إيران ستتمكن فى الوقت الحالى من التعامل معها. وسوف يقوم المحافظون فى الحكومة الإيرانية بتصعيد هجماتهم السياسية، ضد حلفاء الرئيس روحانى المعتدلين، لكن الحماية من المرشد الأعلى «آية الله على خامنئى»، سوف تضمن بقاء روحانى السياسى. ويرجّح أن تمتثل الشركات الأجنبية، باستثناء تلك التى فى الصين وروسيا إلى العقوبات الأمريكية، وأن تقلص معاملاتها مع إيران بدلًا من الاحتفاظ بعقودها معها.
ستتمسك إيران أيضًا، بنشاطها المتشدد فى صراع الوكالة بخارج حدودها. وسوف تنخرط فى هجمات سيبرانية، وستتحرش بسفن الولايات المتحدة وحلفائها وربما تصل للبنية التحتية النفطية فى الخليج، كما ستعاود التهديد بإغلاق مضيق هرمز. وهى كلها وسائل ضغط ضد الولايات المتحدة، بينما تسعى فى الحقيقة إلى تجنب اندلاع صراع أكبر. فهى ترقب عن كثب إمكانية حدوث احتكاك بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى إذا حاولت واشنطن فصل البنوك الإيرانية عن شبكة «سويفت»، وهى الشبكة الرئيسية للمعاملات والتحويلات النقدية الدولية.
تركيا ستظل فى حالة ارتباك مقنعة، فى هذا الربع من العام. حيث تسير فى الاتجاه الأوسع للدفع، ضد أحادية الولايات المتحدة فى مجال السياسة التجارية والعقوبات. بينما تجد نفسها عالقة فى تنافس القوى العظمى بين الولايات المتحدة والمحور الأوراسى للصين وروسيا، سوف تبقى تركيا إحدى قدميها فى حلف الناتو، بينما تقوم أيضًا ببناء وتعزيز علاقاتها الاستراتيجية مع الشرق. لكن أنقرة ستجنح أكثر نحو القوى غير الغربية فى وقت حاجتها. أما الضغوط الأمريكية الاقتصادية على تركيا، فالمرجح أنها قد تجعل الوضع أسوأ.
لذلك سوف يفضل الرئيس التركى رجب أردوغان المخاطرة بتضخيم أزمة تركيا الاقتصادية، على تطبيق سياسات مالية ونقدية أكثر تقييدًا. وحتى مع إعلان الحكومة التركية، عن خطط لتقليص الإنفاق الوطنى ووقف التضخم، فإن قبضة أردوغان المحكمة داخل الحكومة، ستُحد من قدرة المؤسسات الاقتصادية على إحداث التغييرات المرغوبة. ولتجنب التعرض للضغط من الاتحاد الأوروبى، الذى يطالب بإجراء تغييرات جوهرية فى السياسات لمعالجة أوضاع حقوق الإنسان، سوف يتطلع أردوغان إلى المساعدة، بشكل أساسى من الحلفاء الأجانب الودودين له، مثل قطر وروسيا والصين أكثر من الاتجاه إلى صندوق النقد الدولى. وفى هذا الربع من العام، سوف يستخدم أردوغان الأزمة الاقتصادية والاحتكاكات المتصاعدة مع الولايات المتحدة، لتعبئة الدعم القومى.
سيشهد هذا الربع المقبل أيضًا نزوع المملكة العربية السعودية إلى إبطاء وتيرة كل من الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية. مدفوعة فى ذلك بزيادة فى العوائد النفطية، التى ستستخدمها لصياغة ميزانية توسعية أخرى فى ديسمبر المقبل. ويبقى صندوق «استثمار الرياض العام» هو المصدر الرئيسى للأموال، لخطط التحديث فى المملكة. لكن، بدلًا من استخدام الاكتتاب العام الأولى، الذى لا يزال معلقًا لأسهم «أرامكو» لتوليد رأس المال. تسعى الحكومة السعودية إلى استخدام وسائل أقل إثارة للجدل السياسى، حيث يمكن أن يشمل ذلك السماح لـ«أرامكو» بإصدار سندات دين، وهو يعادل نحو ٧٠ مليار دولار تقريبًا.
وعلى الرغم من الجهود التى تبذلها الولايات المتحدة، لبناء تحالف استراتيجى مع حلفائها العرب، فإن الواقع هو أن شركاءها الشرق أوسطيين منقسمون بين أنفسهم، وهم غير قادرين ولا مهتمين بتحمل عبء واشنطن الإقليمى. حيث تسعى الولايات المتحدة منذ بداية العام الماضى، لتطبيق استراتيجيتها بإضعاف إيران من خلال حلفائها. ولكن، لن تلتزم أى من هذه القوى بنوع التحالف الرسمى، الذى يشمل المنطقة كلها الذى تريده الولايات المتحدة.
فى الشرق الأوسط، سوف تستخدم روسيا موقفها فى سوريا لتعظيم دورها كمحاور إقليمى. وسوف تعمل موسكو على الحد من وجود إيران بالقرب من الجولان، وهو ترتيب يمكن أن تقبله طهران على المدى القصير. ومع ذلك، فإن روسيا غير قادرة ولا راغبة، فى قبول المطالب الأمريكية بطرد إيران من سوريا. وسوف تحاول روسيا التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة، حول إعادة الإعمار واللاجئين فى سوريا، الذى سيضفى الشرعية على النظام السورى، ويؤمن موقف موسكو. لكن مثل هذا الموقف سيواجه على الأرجح مقاومة فى الولايات المتحدة، خاصة بين المتشككين فى الكونجرس.
فى الحرب التجارية، سوف تراكم الولايات المتحدة المزيد من التعريفات الجمركية على الصين، مستهدفة ما يعادل ٢٠٠ مليار دولار من الواردات. وربما تزيد الضغط أكثر، بعد انتخابات التجديد النصفية فى نوفمبر مع توقف المفاوضات التجارية. وسيعقب استكمال المرحلة الأولى من هجوم التعريفة الجمركية، التى تستهدف بالأساس حملة بكين «صنع فى الصين ٢٠٢٥»، سوف يتابع البيت الأبيض تهديده بفرض تعريفات إضافية بنسبة ٢٥٪. تستعد الصين مسبقًا للمزيد من الضغط الاقتصادى الأمريكى، بينما تتوقف المحادثات التجارية بين العملاقين. ومع ذلك، سوف تبقى بكين باب الحوار مفتوحًا، وتتمسك بعرضها شراء المزيد من البضائع الأمريكية، لتحرير قطاعات مختارة، لكنها لن تخضع لمطالب الولايات المتحدة بإجراء إصلاح هيكلى أعمق. ويعنى ذلك؛ أن هناك المزيد من التعريفات الجمركية القادمة على الطريق.