رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«أونروا» تحت الحصار الأمريكى


ثمة رابط لا يخطئه عاقل، بين ما تعمل الإدارة الأمريكية على طرحه باسم «الصفقة»، لتصفية القضية الفلسطينية وليس حلها، وقرارها الأخير بوقف تمويلها لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئى فلسطين، المعروفة باسم «أونروا»، وهى وكالة تأسست من أجل دعم وتشغيل لاجئى فلسطين نتيجة الصراع العربى- الإسرائيلى ١٩٤٨م، وبدأت عملها بشكل فعلى عام ١٩٥٠م، وتسهم فى تمويلها الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة، وتقدم أونروا المساعدة لنحو ٥ ملايين لاجئ فلسطينى مسجل لديها.
الرابط بين قرار الإدارة الأمريكية وقف تمويلها للوكالة، وبين العمل فى شكل «صفقة» لتصفية القضية الفلسطينية واضح، فمنذ اتفاق أوسلو ١٩٩٣م بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والدخول فى مفاوضات طويلة لما أطلق عليه «عملية السلام»، كان الهدف تحويل الأمر لمجرد «عملية» بلا سلام، فقد جرى تأجيل كل القضايا المهمة، والتى تمثل صلب القضية الفلسطينية، لما أطلق عليه قضايا مفاوضات الوضع النهائى، وهى قضايا: «القدس، عودة اللاجئين، المياه، والمستوطنات».
وليس خافيًا أن كل تلك القضايا فرضت إسرائيل بدعم أمريكى واضح، واقعًا على الأرض يقضى على الحق الفلسطينى تمامًا، فأمريكا تعترف مؤخرًا بالقدس- بشقيها الشرقى والغربى- عاصمة لإسرائيل، وتستمر إسرائيل فى السيطرة على المياه، وبناء المستوطنات مغتصبة الأراضى الفلسطينية، ثم تسحب أمريكا اعترافها وتمويلها لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين، لإنهاء حق العودة.
ما تفعله الإدارة الأمريكية الحالية، يجعلها غير قادرة على الاحتفاظ حتى بالشكل الذى اتخذته لنفسها، باعتبارها الراعى والوسيط لعملية السلام، فكل المواقف الأمريكية مؤخرًا تقضى على حل الدولتين، الذى طالما نادت به الدولة الأمريكية، رغم أن هذا القرار أدانته فرنسا وألمانيا وروسيا ودول كبرى كثيرة، حتى إن ألمانيا أعلنت أنها ستزيد دعمها المالى لـ«أونروا» محاولة تعويض بعض ما ستفقده الوكالة من وقف الدعم الأمريكى، لكن الإدارة الأمريكية ماضية فى طريقها وبترحيب إسرائيلى طبعًا، فالرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، الذى يعانى مشاكل داخلية كبرى، وصلت لاتهامات قضائية لمحاميه وقيادات بارزة فى حملته الانتخابية، يراهن فيما يبدو على كسب دعم وتأييد اللوبى الإسرائيلى فى أمريكا، صحيح أن موقف مصر كان واضحًا، فقد أعلنت الخارجية المصرية أن «موقف مصر راسخ تجاه دعم القضية الفلسطينية، واللاجئ الفلسطينى بالخصوص، وأكد المتحدث باسم الوزارة، أن مصر حريصة على التواصل مع كل الأطراف لمحاولة حل الأزمة»، وتشاور مستمر بين الرئيسين، الرئيس السيسى والرئيس أبومازن، والهدف توحيد المواقف قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، فبعد انسحاب أمريكا من اليونسكو لأنها اعترفت بدولة فلسطين، ثم الهجوم الأمريكى على المجلس الدولى لحقوق الإنسان، لأنه أدان اغتصاب الحق الفلسطينى من قبل الاستيطان الإسرائيلى، وسياسة فرض الأمر الواقع الإسرائيلية الشهيرة، ثم القرار الأخير بوقف الدعم الأمريكى المالى لـ«أونروا»، فقد ظهر بوضوح فشل أى صيغة تعتبر أمريكا وسيطًا حقيقيًا فى أى سلام، فعلى الجانب الشعبى، يزداد التساؤل عربيًا وفلسطينيًا هل بقى من مسار أوسلو شىء يمكننا التمسك به؟!، فلا حصل الفلسطينيون على السلام، ولا على الأرض، هل تستمر الإدارة الأمريكية بهذه السياسة الحمقاء، التى قد تضطر الفلسطينيين للانسحاب من كل الحلول السلمية، والانسحاب حتى من اتفاق أوسلو نفسه؟!.