رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أويس القرنى رضى الله عنه


أخرج مسلم فى صحيحه فى كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل أويس القرنى رضى الله عنه: (أَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ وَفَدُوا إِلَى عُمَرَ وَفِيهِمْ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ يَسْخَرُ بِأُوَيْسٍ، فَقَالَ عُمَرُ: هَلْ هَاهُنَا أَحَدٌ مِنْ الْقَرَنِيِّينَ ؟ فَجَاءَ ذَلِكَ ‏الرَّجُلُ فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ: إِنَّ رَجُلًا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ لَا يَدَعُ بِالْيَمَنِ غَيْرَ أُمٍّ لَهُ قَدْ كَانَ بِهِ بَيَاضٌ فَدَعَا اللَّهَ فَأَذْهَبَهُ عَنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ الدِّينَارِ أَوْ الدِّرْهَمِ فَمَنْ لَقِيَهُ مِنْكُمْ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ) ‏‏[رواه مسلم عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ]. وحديث آخر، (إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ وَلَهُ وَالِدَةٌ وَكَانَ بِهِ بَيَاضٌ فَمُرُوهُ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ) [رواه مسلم عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ].‏
ورد فى العديد من كتب السيرة أنَّ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال لعمر بن الخطاب وعلى بن أبى طالب: «إذا لقيتما أويسًا القرنى فاسألاه أن يستغفر لكما فإنه مجاب الدعوة». ومنذ ذلك التاريخ كان عمر بن ‏الخطاب وعلى بن أبى طالب، رضى الله عنهما، يترصدان مقابلة سيدنا أويس القرنى حتى يستغفر لهما، كما أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم. وهذه من كرامات المصطفى، صلى الله عليه وسلم. ‏
‏«ترصد الصحابيان الجليلان، رضى الله تعالى عنهما، كما جاء فى كتب السيرة والتاريخ، موسم الحج عشر سنين يدعوان أهل الموسم من اليمن على طعام فما ظفرا بضالّتهما، ثم جاء العام الذى يليه فقال عمر لرئيس ‏وفد اليمن: أبقى أحد لم يحضر وليمتنا، قال: لا، إلا فتى خامل الذكر يرعى إبلًا لنا، فقال له سيدنا عمر: أهو آدم أشهل ذو صهوبة؟ فقال: كأنك تعرفه يا أمير المؤمنين، فذهب عمر وعلى إليه، فلما أتياه قالا: من الرجل؟ قال: ‏راعى إبل وأجير قوم، قالا: لسنا نسألك عن ذلك. ما اسمك؟ قال: عبدالله، قال له على رضى الله عنه: قد علمنا أن كل من فى السماوات والأرض عبيد لله، ما اسمك الذى سمتك به أمك؟ قال: يا هذان من أنتما وما تريدان ‏منى؟ فقال عمر: أنا عمر بن الخطاب، وهذا على بن أبى طالب، فانتفض واقفًا، وقال: جزاكما الله عن الإسلام خيرًا يا أمير المؤمنين، ويا صهر رسول الله، أما أنتما فقد كان لكما شرف الصحبة، وأما أنا فقد حرمت هذا ‏الشرف، فقال له سيدنا عمر: كيف تتصور النبى يا أويس؟ قال: أتصوره نورًا يملأ الأفق، فبكى عمر شوقًا إلى النبى صلى الله عليه وسلم، قال عمر: يا أويس إن النبى أمرنا أن تستغفر لنا، وأن تدعو لنا، قال: ما أخص ‏بالدعاء أحدًا، ولكن أعمم. ‏
قال عمر: يا أويس عظنى، قال: يا أمير المؤمنين، اطلب رحمة الله عند طاعته، واحذر نِقمته عند معصيته، ولا تقطع رجاءك منه، قال سيدنا عمر: أفلا نأمر لك بصلة؟ قال: يا أمير المؤمنين أخذت على عملى أربعة ‏دراهم، ولى على القوم ذمة، متى ترانى أنفقها؟ وعلىّ رداء وإزار، متى ترانى أخرقهما؟ يا أمير المؤمنين إن بين يدى ويديك عقبة كؤودًا لا يقطعها إلا كل مخفّ مهزول، فبكى عمر، وقال: ليت أم عمر لم تلد عمر، قال: يا ‏أويس ألا تقيم عندنا؟ قال: أريد الكوفة، قال: أفلا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أحب أن أكون فى دهماء الناس، ومضى إلى سبيله، ومات فى غمار خيمة من خيام المسلمين خاملًا فى الأرض علمًا فى السماء».‏
وفى عهد أمير المؤمنين الإمام على بن أبى طالب- رضى الله عنه- خرج أويس القرنى مع سيدنا على، كرم الله وجهه، فى موقعة صفين سنة ٣٧ هجرية، وتمنى الشهادة ودعا الله قائلًا: «اللهم ارزقنى شهادة توجب لى ‏الحياة والرزق»، وظل يقاتل بين يدى سيدنا على بن أبى طالب حتى استشهد، وعندما تفقدوه وجدوا فى جسده أكثر من أربعين جرحًا. وصلى عليه أمير المؤمنين الإمام على ودفنه فى مدينة «الرقة» فى الشام، على أصح ‏الروايات.‏
وهنا أقول: إذا نافسك الناس على الدنيا فاتركها لهم، وإن نافسوك على الآخرة، فكن أنت أسبقهم؛ فإن الله يعطى الدنيا لمن يحب ومن لا يحب، ولا يعطى الآخرة إلا لمن يحب. يقول بعض العلماء: كم من مشهور فى ‏الأرض، مجهول فى السماء، وكم من مجهول فى الأرض، معروف فى السماء.‏
لقد كانت لأويس القرنى مكانة عظيمة ومنزلة رفيعة يعرفها الصحابة، رضوان الله عليهم، أكثر من غيرهم وذلك لـمَا سمعوه من النبى، صلى الله عليه وسلم، عن فضله ومنزلته ومقامه. وقد شهد له النبى، صلى الله عليه ‏وآله وسلم، وبشر به، على الرغم من أنه لم يره، لأن بره بأمه ورعايته لها، أعاقه عن السفر لرؤية النبى، بل طلب النبى من الصحابة الكرام إن قابلوه أن يسألوه الدعاء والاستغفار لهم.‏
هكذا أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة، أن يطلبوا الدعاء من أويس القرنى عندما يقابلونه، وقد قابله الصحابيان الجليلان عمر بن الخطاب وعلى بن أبى طالب، رضى الله تعالى عنهما، فى الحج. نعم ‏هذا الدين العظيم، ونعم الله تعالى كثيرة وفى المقدمة بعد الإيمان نعمة الرضا. ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس. وما أجمل قول الله تعالى «رضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ»، وقوله تعالى «وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ ‏فَتَرْضَىٰ». لعلنا جميعًا نفهم هذه النعمة العظيمة ونقدرها حق قدرها ونلتزم بها حتى ينتهى الطمع والجشع والحسد والفساد، وتتحسن الأحوال والأمور والأوضاع، وبالله التوفيق.‏