رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قصة قطرية ملكية مع ترامب وأعوانه


عادة فى مثل هذه النوعية من القضايا، تظل تحقيقاتها وجمع المعلومات عن الوقائع والمعاملات التى تخص أطرافها، تسير فى اتجاه جرائم بعينها، إلى أن ينزاح الستار بشكل مفاجئ، عما هو أخطر، أو أكثر ارتباطًا بوقائع أخرى. هذا بالضبط ما جرى؛ فى طيات التحقيق الذى يجرى منذ شهور مع «مايكل كوهين»، المحامى السابق لدونالد ترامب.
مكتب التحقيقات الفيدرالى الأمريكى «FBI» كان قد نفذ مداهمة على العقارات المملوكة لـ«كوهين»، على خلفية اتهامه بانتهاك قوانين تمويل الحملات الانتخابية، إبان فترة عمله ضمن طاقم فريق ترامب الانتخابى، كما كان هو أحد المحامين الشخصيين لرجل الأعمال والمرشح الرئاسى حينها، قبل أن ينقلب عليه ترامب ويكتب فى إحدى تغريداته الشهيرة، «إذا كان أحدكم يبحث عن محامٍ جيد، أوصى بشدة بألا تلجأوا إلى مايكل كوهين». هذا الانقلاب الترامبى على محاميه وعلى «ممثله» فى عقد الصفقات السرية، جاء بعد أن انقلب كوهين وأبدى استعداده أمام المحكمة، لفتح خزينة أسرار «موكله». فيما وصف بأنه «صفقة» قد جرت ما بين كوهين والمدعى العام الأمريكى، عللها ترامب بأنه يبحث بمقتضاها عن حكم مخفف، للكثير من اتهامات التلاعب الضريبى التى يواجهها كوهين، مما دفعه إلى الذهاب ليدلى بكافة المعلومات التى يرى الجميع اليوم أن الجزء القليل منها، فى حال إثباتها، كفيل بوضع الرئيس الأمريكى فى مأزق حاد خلال الشهور القادمة.
فوفق ما أدلى به «لانى ديفيز»، محامى «مايكل كوهين»، للصحافة الأمريكية، يتمحور ما يملكه «كوهين» حول نقطتين، تشكلان إدانة خانقة لترامب تضعه فى مربع ضيق للغاية مستقبلًا. الأولى تتعلق بمزاعم التدخل الروسى فى الانتخابات الأمريكية، وعمليات القرصنة الإلكترونية تحديدًا التى تسببت فى إضعاف موقف منافسته فى الانتخابات «هيلارى كلينتون». وعن هذا أكد محامى كوهين أن موكله على علم باجتماع جرى فى «برج ترامب» بنيويورك، فى يونيو ٢٠١٦ بين مسئولى حملة ترامب الانتخابية ووفد روسى. الثانية لها علاقة بقيام كوهين شخصيًا، كما يزعم، بناء على أوامر ترامب المرشح الرئاسى، بدفع أموال لامرأة تقول إنها كانت على علاقة جنسية بترامب، لشراء صمتها وهو أمر مخالف للقانون. وفى تلك النقطة أذاعت شبكة «CNN» الأمريكية تسجيلًا ناقش فيه ترامب وكوهين، دفع أموال نظير عدم نشر معلومات عن علاقة جنسية مزعومة، مع العارضة السابقة فى مجلة «بلاى بوى» كارين ماكدوجال. هذا الشريط الصوتى سُجل فى سبتمبر عام ٢٠١٦، أى قبيل الانتخابات الرئاسية بشهرين، حيث تعود تلك العلاقة المزعومة إلى عام ٢٠٠٦، وحصلت، وفق ما جاء به، العارضة ماكدوجال على مبلغ ١٥٠ ألف دولار، مقابل الصمت عن قصتها، وقدمت جهات التحقيق الفيدرالى هذا الشريط وغيره إلى هيئة المحكمة كحزمة أحراز للقضية المنظورة.
فى كل ما سبق تدور معارك قانونية وسياسية عنيفة، وأصوات تكسير العظام وسن السكاكين تخرج من واشنطن ونيويورك، ليصل دويها إلى أركان العالم قاطبة. لكن أين تقاطعت «العائلة الملكية القطرية» مع تلك الأحداث، وكيف؟. هذا جرى بمحض المصادفة، فجزئية التهرب والتلاعب الضريبى التى يواجهها «مايكل كوهين»، تبين من الأوراق التى بحوزة الـ«FBI» تورطه فى صفقة سمسرة عقارية مع أحد أعضاء العائلة المالكة فى قطر، عندما حصل كوهين على رسوم «سمسرة» بقيمة «١٠٠.٠٠٠ دولار» نظير صفقة عقارية فى فلوريدا، والتى شارك فيها ممثلًا لشركة يملكها «الشيخ عبدالعزيز بن جاسم بن حمد آل ثانى» أحد أعضاء العائلة المالكة فى قطر. وإن كانت تلك الصفقة قد جرت فى تاريخ حديث نسبيًا ٢٠١٤، إلا أن جهات التحقيق الضرائبى أثبتت أن العلاقة بين «العائلة الملكية القطرية» ومايكل كوهين، تمتد تاريخيًا لأبعد وأعمق من ذلك. ففى عام ٢٠٠٥، ووفقًا للسجلات العقارية لمدينة نيويورك، دفعت «شركة عبدالعزيز آل ثانى القابضة» مبلغ «٦.٢ مليون دولار» لشركة ترامب العقارية، نظير شراء شقة خاصة فى الطابق الرابع فى مجمع عمارات Trump Park Avenue فى نيويورك. حصل كوهين حينها كأتعاب و«جائزة» مقابل النجاح فى نسج العلاقة، ما بين شركة ترامب العقارية والشركة القطرية المذكورة، على شقة فى الطابق العاشر من نفس هذا المبنى، وتخضع تلك الملكية للفحص باعتبارها ملاذًا ضريبيًا لـ«كوهين» لم يتمكن حتى الآن من إثبات مصدرها، باعتبارها أيضًا تخرق قوانين وقيمة السمسرة القانونية المعترف بها فى المعاملات العادية.
صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، أثارت أيضًا منذ أيام أبعاد العلاقة الغامضة التى تعود إلى العام ٢٠٠٥، ما بين «العائلة الملكية القطرية» ومايكل كوهين، رجل ترامب فى عقد الصفقات السرية، قبل أن ينقلب بعضهما على بعض. ويبدو أنها نجحت فى الوصول إلى العديد من المعلومات والوثائق، فيما يخص تلك العلاقة التى امتدت فى الظل إلى وقتنا الحالى، حيث نشرت أن «كوهين» ساعد أحد المانحين الرئيسيين فى تنصيب الرئيس ترامب، على طرح استثمارات فى الطاقة النووية لصالح «صندوق الثروة السيادية القطرى». وجاءت تلك الصفقة «المغطاة» بشخصيات أمريكية قريبة الصلة فى أوائل أبريل، قبل وقت قصير من قيام السلطات الفيدرالية بمداهمة مكتب «كوهين» ومنزله.
لم يقصر الصندوق السيادى القطرى، استثماراته على الجانب العقارى والاستفادة من الصلة ما بين «كوهين» ورجال ترامب، بل كانت هناك رغبة قطرية فى الفترة التى أعقبت المقاطعة العربية، لإتمام صفقة شراء حصة مؤثرة من شبكة «نيوز ماكس»، المحسوبة على الرئيس الأمريكى والمملوكة لصديقه «كريس رودى»، الشقيق الأصغر لأمير قطر «محمد بن خليفة آل ثانى»، التقى مؤخرًا أصحاب وإدارة الشبكة عدة مرات لهذا الغرض، بعرض تتجاوز قيمته «١٠٠ مليون دولار» كجزء فقط من الشبكة، بغرض توسعة خدمات القنوات التليفزيونية التى تشكل أهم المنصات الإعلامية، التى تقوم بمهمة الدفاع عن سياسات وشخص الرئيس الأمريكى فى مواجهة شراسة أعدائه، التى تعج بهم أروقة واشنطن ونيويورك.