رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصير الوطن


«ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين» قفزت إلى ذهنى هذه الآية الكريمة من سورة يوسف بينما كنت أستعد لكتابة مقالى فى أيام عصيبة يمر بها الوطن، فوجدتنى أبدأ بها مقالى يا عزيزى القارئ، حيث إن هذه الآية الكريمة بما تعكسه من معان تبث فى القوة والقدرة على تجاوز الذات إلى صوب آفاق أعلى وأرفع مكانة وهى مصلحة الوطن.

إن مصلحة الوطن فى هذه اللحظات تستوجب على كل وطنى محب لتراب هذه الأرض الطاهرة المباركة أن يتحرك بها نحو الحرية ونحو أن تصبح بلدًا آمنًا لكل من يعيش فيه.

إن مصلحة الوطن تقتضى منا أن نقف صفاً واحداً أمام من يحاولون تقسيم أرض الكنانة، ويدعو إلى الفتنة الطائفية وإلى الاقتتال والتكفير لمن ليس من الفصيل الحاكم.

إن هذه الآية الكريمة تشعرنى بأن الله مع هذه الأرض الطيبة الحاضنة للأنبياء والرسل، والتى كرمتها السماء واختصها الله فى كتابه الكريم وباركها بعبارة واضحة كاشفة.

إننا إذا ما عدنا نتذكر مغزى هذه الآية الكريمة، فإننا سنجد أن من واجبنا كمسلمين أن نتحرك لتكون أرض الأمان لكل من يعيش فيها، وألا نترك مصيرنا لمن يعبثون بمقدرات شعبها آملين فى استعباده رجالا ونساء.

إننا إذا ما عدنا لتذكر هذه الآية الكريمة، فإننا سنتذكر أن مصر هى أرض الأنبياء والرسل، فمنهم من ولد بها ومنهم من مر بها ومنهم من دفن بها، ولكنها فى كل الأحوال احتضنتهم جميعاً، فلقد كان بمصر إبراهيم الخليل وإسماعيل ويعقوب ويوسف، وولد بها موسى ويوشع بن نون ودانيال وأرميا ولقمان، ونتذكر رحلة العائلة المقدسة السيدة العذراء والسيد المسيح، وكان بها من الصديقين والصديقات، مؤمن آل فرعون الذى ذكره القرآن فى مواضع كثيرة وآسيا امرأة فرعون، وأم إسحق، ومريم ابنة عمران، وماشطة بنت فرعون.

ومن مصر تزوج إبراهيم الخليل هاجر أم إسماعيل، وتزوج يوسف من زليخا، ومنها أهدى المقوقس الرسول عليه السلام ماريا القبطية فتزوج منها وأنجب إبراهيم.

إن مصر هى التى قال عنها أيضاً رسول الله «صلى الله عليه وسلم»: «إن أهلها فى رباط إلى يوم القيامة»، ومغزى هذه العبارة أن ما يحدث الآن من محاولات تقسيم مصر هو حدث عارض، لأن أهلها فى رباط إلى يوم القيامة، ولكن من ناحية أخرى فإن هذا الرباط يعنى أن يترابط شعبها العظيم العريق وأن يتوحد، وألا تطفو الآن أى اختلافات فى الرأى، وأن تعمل القوى السياسية والشبابية والثورية والنسائية المحبة لترابط هذا الوطن للحفاظ على هذا الرباط، والتصدى لأى محاولات لتقسيم مصر أو خطط لإحداث فتن قد تؤدى إلى حرب أهلية، تودى بالوطن إلى هاوية سحيقة.

إن الحفاظ على مصر وحمايتها هو الآن واجب وطنى، يستلزم الخروج بسلمية تامة للمطالبة بالتغيير، وللتصدى لمحاولات التقسيم، والمناداة بمصر حرة وآمنة لكل من يعيش فيها.

إننا يمكننا أن ننقذ مصر جميعاً إذا ما خلصت نوايانا، واتجهنا بقلب رجل واحد للمطالبة بأن يكون مصيرنا بأيدينا وألا نتركه لمن يريدون أن يتلاعبوا به أو من يضمرون لبلدنا السوء والأذى، إننا إذا ما نظرنا من حولنا سنجد أن ما يحدث هو مشهد رهيب ودموى ومسىء للإسلام الوسطى الذى تربيتنا عليه وعرفناه وأحببناه، وعشنا فى ظلاله سنوات عمرنا مسلمين ومسيحيين، أصدقاء وجيراناً، وإخوة يجمعنا وطن يحتضننا معاً.

إن ما تشهده مصر الآن من إشعال للفتن الطائفية وتحريض وبلطجة وإجرام وترويع، وتهديد وتخريب، يجعلنى أتذكر «خير أجناد الأرض» الذين ننتظر حمايتهم لمصر، وضرورة أن يتحركوا لإنقاذ أرواح المصريين المخلصين للوطن، والذين يدعون إلى السلمية، والذين سيخرجون للمطالبة بالحرية.

إن هذه الظواهر المروعة التى اجتاحت حياتنا خلال عامين ونصف تبث فتاوى إجرامية شاهدناها فى الفضائيات، كلها انتقام وتكفير ودعوة للاعتداء وللقتل، هى إن شاء الله عوارض وقتية ستختفى ما إن يقول الشعب المصرى كلمته، اليوم أو غداً أو بعد غد، إلى أن يحدث التغيير المنشود، ويتولى أمر الوطن قادة مخلصون يبدأون فى بنائه على أسس سليمة ووطنية، إن التحريض والدعوات لقتل الناس، والعدوان على المواطنين، ليست من صفات الإسلام الصحيح.

فلقد قال رسول الله «عليه الصلاة والسلام»: «المسلم من سلم المسلمين من لسانه ويده، والمؤمن من آمنه الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم».

إننا نطالب بالإسلام الصحيح الوسطى الذى نحبه، وكفانا دعاوى الفتن والتطرف والترويع، نريد وطناً يتولى إدارته من يمكن للناس أن يأمنوهم على أعراضهم وأموالهم وأرواحهم، نريد وطناً يعيش فيه المسلم والمسيحى آمنين، نريد وطناً تكون فيه المرأة شريكاً للرجل، نريد وطناً يشب فيه أطفالنا على تعاليم المودة والرحمة وسماحة الإسلام، إن حركة الشعب الآن ومطالبه بانتخابات رئاسية مبكرة، هى من أجل وطن آمن لكل مصرى.

إننى فى هذه اللحظات العصيبة أدعو الله تعالى أن يحفظ مصر الغالية من كل أذى، وأن يحرس الله نساءها ورجالها، وأن يثلج صدر أمهات الشهداء اللاتى قدمن للوطن أغلى ما لديهن.

لقد سقطت دموعى بالأمس حين التقيت بأحد أمهات الشهداء أمس تقسم أنها تشارك فى ٣٠ يونيو، ولا يهمها ما يحدث لها، لأنها تطلب الشهادة لنفسها. إن الثورة الشعبية ستنتصر لا محالة، وإننا مطالبون بأن نضع مصر نصب أعيننا، وأن يكون أمنها هو هدفنا، وأتمنى مثلى مثل الملايين من المصريين الوطنيين أن تعود لنا مصرنا آمنة متعافية صامدة، حرة كريمة قوية ومتقدمة، ولن يتحقق ذلك إلا بصمود الشعب المصرى وإصراره على إعادة بناء الوطن على أسس سليمة تحتضن كل المصريين، وبقيادات مستنيرة تحترم حقوق كل المصريين رجالاً ونساء وأطفالاً، ومستعينة بآليات العصر الحديث.

وستحيا مصر حرة مستقلة شعباً وجيشاً، إن شاء الله، ولنرجع للآية الكريمة لأن فيها كل المعانى الجميلة التى تبارك أرضها الطاهرة.