رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ماذا بعد تمرد؟


تمرد باختصار نجحت فى أن تصل إلى جميع ربوع الجمهورية من الريف والحضر ولكل فئات الشعب المصرى وهو ما فشلت فيه المعارضة حتى الآن والتى تحاول أن تنقض على ثمار حركة «تمرد». ولهذا لا مفر من العمل والانتظار لانتهاء فترة الرئيس.

قبل قرابة شهر انطلقت حملة شبابية تحمل اسم «تمرد» فى الشارع المصرى تسعى لجمع توقيعات من المواطنين لسحب الثقة من النظام السياسى القائم. الحملة فى فكرتها العامة تشبه كثيراً ما فعلته الجبهة الوطنية للتغيير بقيادة الدكتور محمد البرادعى- رئيس حزب الدستور الحالى- قبل ثورة يناير من جمع توقيعات للمواطنين ضد مبارك ونظامه. و«التمرد» هو شكل من أشكال التعبير السلمى، عما يجرى فى البلاد من أحداث، ورفض سياسات تقود إلى المجهول، وهى نتيجة حتمية لتجاهل النظام لمطالب الشارع للتغيير، واتخاذ خطوات فى اتجاه تحسين مستوى المعيشة وتحقيق الأمن المفقود. «تمرد» المصريون، لأن الجماعة لم تدرك أن الانتخابات والصناديق تفرز «فقط» من يدير المرحلة فى إطار السياسة العامة للدولة، وأن إعادة هيكلة المؤسسات ومراجعة أسس النظام السياسى والقانونى، يكون بمشاركة جميع القوى السياسية والاجتماعية والثقافية، أى جميع شرائح المجتمع ممثلة فى النقابات والأحزاب. «تمرد» المصريون، لأن النظام انحرف عن أهداف الثورة من «عيش وحرية وكرامة إنسانية وعدالة اجتماعية»، ووعد لم يف بوعوده، وكانت حصيلة العام الأول لحكم الرئيس محمد مرسى- القيادى فى جماعة الإخوان المسلمين- المزيد من الصدام مع السلطة القضائية والإعلام، والعجز عن فتح حوار حقيقى مع قوى المعارضة، واحتقان وانقسام داخل المجتمع، الذى كان يتطلع بأمل لمستقبل أفضل بعد 25 يناير.

«تمرد» المصريون، ليؤكدوا أن مصر أكبر من أى فصيل سياسى أو دينى، وأنهم قادرون على صنع مستقبل أفضل، وأنهم وجدوا فى النظام الحالى استمرارا لاستبداد السابق، ولا يسعى سوى لتحقيق مصالحه، وتنفيذ مشروع التنظيم الدولى للجماعة. «تمرد» المصريون، لأن الجماعات الإرهابية بدأت تنسج خيوطها من جديد فى المجتمع المصرى تحت ستار الدين والعقيدة، وأن تأمين النظام أهم من تأمين حياة المواطن، فانتشرت ظاهرة الانفلات الأمنى وانعكاساتها بارتفاع معدل الجريمة من خطف وقتل وسرقة وعنف. «تمرد» المصريون، لأن السياسة الخارجية ترتبك يوما بعد يوم، ولم يعد لمصر أى ثقل لا إقليمى ولا دولى، وإن النظام لم يعد قادرا على ترتيب أولويات سياسته الخارجية، التى انحصرت الزيارات المتكررة للمسئولين فى الجماعة أو لحزب والرئاسة إلى الباب العالى للإخوان فى تركيا. «تمرد» المصريون، لأن النظام عجز عن احتواء غضب دول حوض «نهر النيل» فلم تلتف إثيوبيا حولها وشرعت فى بناء «سد النهضة» وتحويل مسار مجرى النهر، له تأثيره فى انخفاض حصة مصر فى مياه النيل. اللافت فى حملة «تمرد» أنها لقيت تعاونا من شرائح مختلفة فى المجتمع، متأثرة بالوضع الراهن، ويستمر تمرد المصريين تمهيدا لمظاهرات حاشدة 30 يونيو القادم لإسقاط حكم الإخوان وسحب الثقة من الرئيس محمد مرسى بعد عام من توليه الحكم، إدراكا بأن سياسته والجماعة لم ترق لطموحات المصريين لو لم تحقق أهدف ثورتهم.

«إن الحملة لا تعتبر حملة منظمة «بل هى تقوم أكثر على إسهامات شبابية قد تأخذ فى بعض الأحيان شكلاً عشوائياً» تجد دائماً فى النهاية شخصاً مسئولاً من الحملة فى كل منطقة يحملها إلى مقر الحملة المركزية. لكن إذا كانت جبهة المعارضة المتمثلة فى «تمرد» هى الغالبة، فهذا يعنى إمكانية رضوخ الرئيس لطلبات المعارضة، وعلى العكس لو كان الفوز من نصيب «تجرد» فعلى المعارضة المثول لصوت الشارع والبعد عن الانقسام. وعلينا التوجه لمرحلة البناء والتعمير والتنمية والتخلص من تلك الحركات». «لأننا لو افترضنا إجراء انتخابات رئاسية مبكرة وعزل الرئيس، فمن المتوقع أن يتمرد الإسلاميون أيضا ويطالبون بعزل الرئيس القادم». ومما تقدم، يتبين أن سحب الثقة آلية معمول بها فى دساتير العديد من الولايات الأمريكية التى تستخدم آلية سحب الثقة على جميع مسئولى الولاية المنتخبين، ومسئولى المقاطعة والمسئولين المحليين صعودا إلى مكتب حاكم الولاية. وقد يخضع القضاة أيضا إلى حملات سحب الثقة.

وفى بعض الولايات قد يخضع أيضا المسئولون من غير الخاضعين للانتخابات إلى سحب الثقة، مثل الموظفين الإداريين، وقد استخدمت هذه الآلية فى ولاية كاليفورنيا فى العام 2003، حيث كانت الأسس لسحب الثقــة هى التقصير والمخالفات الخطيرة. وقد كان مطلوباً من المؤيدين جمع توقيعات 12% من الأصوات فى الانتخابات الأخيرة. فى حين تطلبت العديد من الولايات الأمريكية 25% من الناخبين لدعم سحب الثقة ؛ كما أن نسبة الـــ 12% فى كاليفورنيا هى الأدنى فيما بين الولايات. كما تطبق آلية سحب الثقة فى فنزويلا على رئيس الدولة المنتخب. وجدير بالذكر أن فكرة حملة «تمرد» قد بدأت بفكرة أخرى تم طرحها على الفيس بوك لسحب الثقة من أعضاء مجلس الشورى الذى يسن قوانين لا تعبر عن مصالح الشعب وتحول دون تحقيق أهداف الثورة فضلا عن عدم كفاءة أعضائه والتشكيك فى الدور التشريعى الذى يقوم به والذى كفله له الدستور الباطل والذى جاء باستفتاء مزور، وقد لاقت هذه الفكرة استحسان قطاع من الشباب الذى طور الفكرة إلى سحب الثقة من رئيس الجمهورية، وهنا يجب لفت النظر إلى ملاحظتين:

الأولى: إن سحب الثقة يجب أن يتوازى معه طرح بديل للمسئول الذى تهدف المبادرة إلى سحب الثقة منه، ومن ثم اقترح أن تقوم كل محافظة من المحافظات السبع وعشرين بترشيح خمسة من أبنائها وأن يتم إجراء انتخابات لاختيار واحد منهم للترشح لمنصب الرئيس ثم يتم إجراء انتخابات على مرحلتين بين السبعة وعشرين مرشحاً على أن تكون المرحلة الثانية بين المرشحين الحاصلين على أعلى الأصوات، ومن ثم حتى تأخذ الحركة طابعا جدليا وذا رؤية للمستقبل حتى لا نكرر مشهد «شفيق ومرسى» مرة ثانية.

الثانى: ضرورة التحقق من صحة التوقيع، خاصة فى ضوء التشكيك فى صحتها من قبل المعارضين لها، ولذا وجب الدعوة لتشكيل لجنة قانونية محايدة للتحقق من صحة التوقيعات والرقم القومى، وقد أوضح المتحدث باسم حركة تمرد أنهم بعد جمع 17 مليون توقيع سوف تتوجه الحركة إلى المحكمة الدستورية العليا، كما طالب بأن ترسل مؤسسة الرئاسة مندوباً لمراجعة التوقيعات، أو حتى إرسال مندوب من الأمم المتحدة لمراجعتها إن أرادت مما لاشك فيه أن حركة تمرد ليست معياراً لسحب الثقة من الرئيس المصرى ولكنها لسحب الثقة من جماعة الإخوان وتيار الإسلام السياسى، كما أنها سوف تحول دون أى محاولة لتزوير أى انتخابات مستقبلية سواء كانت رئاسية أو تشريعية فهى ستكون بمثابة مقياس لوجود وشعبية هذا التيار على الأرض وبمنتهى النزاهة.

■ أستاذ القانون العام - جامعة طنط