ملحمة الهند الخالدة "المَهْابَهارَتْا" فى نسختها العربية
ضمن سلسلة "دراسات فكرية" والتي تصدرها جامعة الكوفة، صدر مؤخرا للكاتب حسن ناصر، القاصّ والمترجم البارع، يقدّم لنا بالعربية عمل جان كلود كارييه وﭘيتر بروك: (المَهْابَهارَتْا) ملحمة الهند الخالدة.
من مقدمة المترجم: يُقالُ إن هوميروس هو مهندسُ الروحِ الإغريقيةِ لأنه من رسمَ أيقوناتِ الإغريق الفكرية والروحية والاجتماعية في ملحمتيْه العظيمتين الإلياذة والأوذيسة. فالملحمةُ بحسب ما يكشفُ لنا تاريخنا البشريّ هي العمودُ الفقري لأيّ أمّة، ففيها تتجلى مُثُلُها وفواجعُها ومسرّاتُها. الأمرُ مع المهابهارتا يختلفُ عمّا هو عليه مع ملحمتيْ الإغريق، إذ ليس هناك شاعرٌ وراءها يمكنُ أن ننسبَ إليه هندسةَ الروحِ الهندية، بل هناك في الواقع، فضلًا عن ڤياسا، سلالاتٌ من المؤلفين ممّن عدّلوا وحوّروا وزادوا. ثمة ميزاتٌ جليةٌ تتمتعُ بها المهابهاراتا مقارنة بالملاحم المعروفة؛ أولها هو عدم انتمائها إلى حقلِ التاريخ والأدب القديم مثل بقية الملاحم، ولم تتضاءلْ أمام هيمنةِ الدين، بل هي ملحمةٌ حيّةٌ. وهي في واقع الأمر منبعُ الدين في الهند، فالكتاب الهندوسي المقدس (البهاﮔﺎﭬﺎد- ﮔيتا) إنما يردُ في سياق الملحمة، وهو في مجمله التعاليم والأسرار التي يفضي بها كريشنا الى المقاتل العظيم أرجونا، ولا يمكن فهمُهُ إلا بفهم سياقه التاريخي والروحي الذي يردُ في الملحمة. لذا يمكنُ القولُ إن المهابهاراتا حيّة متنامية، وهي، بوصفٍ شاعريٍ، معبدُ الهند السرّاني المشيّد من زخارفَ وطلاسمَ ومنظومةٍ من الشخصيات والأحداث والملابسات والأخطاء والخطايا والحبّ والبغضاء والعقاب والانتقام والرحمة والغفران، معبدُ الهند الذي استودعت فيه ذاكرتَها وانفعالاتِها عبر آلاف السنين، وفيها تتجلى هندسةُ روحها السحرية وفهمها لهذا الكون وحركته.
تسمّى المهابهارتا في الهند "الملحمة"، وهي عينُ الأدب السنسكريتي الثريّ العريق، وهي الأساس والأصل لكثير من المعتقدات والأساطير والتعاليم والشخصيات التي ما تزالُ جزءًا من الحياة في الهند حتى اليوم. هي حكايةُ صراعٍ دمويٍّ بين أبناء پاندوا، وهم من نسل الآلهة، وأبناء عمِّهم الأعمى دريتاراشترا، وهم من نسل شيطانيّ. لكن هذا الصراعَ الدمويَّ العنيفَ على المُلك يجتذبُ الأربابَ جميعًا للدخول في المعركة أو اتخاذ موقف منها. الأربابُ والمفاهيمُ الهندوسية الفلسفية والأخلاقية كلُّها تدخلُ في نسيج الحكاية. ثمة قولٌ شائعٌ في الهند مفاده: "كلُّ شيءٍ في المهابهارتا موجودٌ في مكان ما، وما لا يوجدُ فيها لن يوجدَ في أيّ مكانٍ".