رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفدائي.. أيام المجد والمرض في حياة شريف إسماعيل

 المهندس شريف إسماعيل
المهندس شريف إسماعيل

العمل والعمل والعمل.. هو ما يميز المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء السابق، مساعد رئيس الجمهورية للمشروعات القومية والاستراتيجية. العمل بلا أى استعراض أو صخب أو توتر، إنه رجل قليل الكلام لكنه موفور الطاقة. من قطاع البترول الذى بدأ فيه تميزه منذ نهاية السبعينيات، تولى رئاسة الحكومة فى وقت ترفع فيه الدولة شعار «العمل أولًا وأخيرًا»، وكان على قدر المهمة حتى لو بدا صامتًا لا يستعرض ولا يظهر إعلاميًا بكثرة. شريف إسماعيل، الرجل الذى قال عنه الرئيس عبدالفتاح السيسى إنه «من أفضل من عمل معهم» خاض رحلة صعبة مع المرض استغرقت شهورًا ولما عاد كانت وجهته مكتبه.. إنها قيمة العمل بالنسبة للرجل الذى يعمل بقلب وهمة الحفّار. «الدستور» تكشف عن الجوانب الخاصة فى حياة رئيس الحكومة السابق، بداية بسجله الوظيفى الذى أهله لمنصب الرجل الثانى فى السلطة التنفيذية، قبل انتقاله إلى مهمة أخرى، مرورًا بعلاقته برفيقة رحلته، وانتهاءً بحكاياته مع الموظفين والجيران وأعماله الخيرية التى لا يعلن عنها.


خريج جامعة عين شمس.. والهدوء أبرز صفاته
فى كلية الهندسة قسم الميكانيكا جامعة عين شمس تخرج شريف إسماعيل عام ١٩٧٨، وعلى الفور عمل مهندسًا فى البحث والاستكشاف بشركة موبيل لمدة عام، ثم مهندسًا بشركة إنبى حتى وصل إلى منصب مدير عام الشئون الفنية وعضو مجلس إدارة.
تولى إسماعيل منصب وكيل وزارة البترول لمتابعة عمليات البترول وشئون الغاز من عام ٢٠٠٠ حتى ٢٠٠٥، ثم عين رئيسًا للشركة القابضة للغازات «إيجاس» حتى عام ٢٠٠٧ بعدها ترأس شركة جنوب الوادى القابضة للبترول من عام ٢٠٠٧ حتى ٢٠١٣.
فى ١٦ يوليو من العام ٢٠١٣، قرر حازم الببلاوى، رئيس الوزراء الأسبق، تعيين شريف إسماعيل وزيرًا للبترول والثروة المعدنية خلفًا لشريف هدار، وظل فى منصبه مع حكومة الببلاوى وحكومتى المهندس إبراهيم محلب الأولى والثانية.
ورغم أن اسمه لم يكن مطروحًا بقوة لتشكيل الحكومة الجديد خلفًا للمهندس إبراهيم محلب، إلا أن الرئيس عبدالفتاح السيسى اختاره بترشيح من الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس، الذى اقترح على الرئيس اسم شريف إسماعيل لرئاسة الحكومة، حسبما قالت مصادر حينها.
هو «وش السعد» على الرئيس وعلى مصر، فهو الرجل الذى دخل على الرئيس ومعه رئيس شركة إينى الإيطالية كلاوديو سكاليزى ليقول له البشرى الكبرى الخاصة بالاكتشاف الضخم للغاز الطبيعى فى حقل ظُهر، وذلك حسبما قال الرئيس خلال افتتاح مرحلة الإنتاج المبكر من حقل ظُهر للغاز الطبيعى.
وقال «السيسى» عنه: «شريف إسماعيل من أفضل الناس اللى شوفتهم فى حياتى، صدقونى أنا مش بجامل حد، دى طبيعتى»، مضيفًا: «الناس متعودة تحترم اللى بيزعق وبيقول أى كلام، لكن الناس المحترمة اللى بتعمل فى صمت ملهاش حظ»، متابعًا: «لو مقدرناش المهندس شريف ربنا هيقدره».
وصفه عدد من العاملين بمجلس الوزراء، فى حديثهم، لـ«الدستور»، بالشخص الهادئ، فطوال فترة توليه المنصب لم يسمع أحد صوته مرتفعًا داخل مقر الحكومة بالكامل، كما أنه من النوع الذى يفضل العمل فى المكتب أكثر من النزول إلى الشارع، يسعى دائمًا إلى إنجاز كل الأعمال، ولا يكل ولا يمل من الاجتماعات التى كان يعقدها منذ وصوله المجلس فى الـ٩ صباحًا حتى الثامنة مساء.
«لم نسمع أنه زعل موظف واحد».. هذه العبارة كررها أكثر من موظف بالمجلس فجميعهم يعرفون إسماعيل عن قرب، «فهو شخص اجتماعى جدًا ولم نسمع أحدًا يتحدث عن تعرضه للظلم أو الافتراء من قبل إسماعيل، لم يتسبب فى إيذاء موظف لأنه يتعامل بهدوء فى أى مواقف تُعرض عليه».
«الكل هنا بيدعى للمهندس شريف إسماعيل».. هذه الكلمات أيضًا تسمعها حينما تتجول داخل مقر الحكومة بقصر العينى، فهناك حالة من التعاطف الكبيرة بين العاملين فى المجلس مع إسماعيل الذى كان شعلة نشاط فى هذا المبنى قبل أشهر قليلة.

زوجته ابنة أول رئيس لقناة السويس بعد التأميم
أبعد المهندس شريف إسماعيل عائلته عن وسائل الإعلام خلال السنوات الماضية، فقلما تجد أى معلومات عن زوجته ألفت عزت نجلة عزت عادل أول رئيس لقناة السويس المصرية بعد تأميمها، التى شغلت مناصب مهمة فى قطاع البترول آخرها نائب رئيس شركة إنبى للموارد البشرية قبل أن تُحال للمعاش بعد انتهاء المدة القانونية لخدمتها بالشركة. يقول شريف إسماعيل عنها إنها كانت تعمل من قبله فى الشركة، نافيًا تعيينها بوساطات كما نفى أيضًا تعيين أبنائه فى مناصب بشركات بترول.
لم تظهر ألفت خلال سنوات رئاسة إسماعيل مجلس وزراء مصر سوى مرات معدودة، ولم يُلتقط لها أى صور، خاصة مع محاولات رئيس الوزراء السابق المستميتة إبعادها عن الحياة العامة، غير أنّ التواجد الرسمى لها كان فى البرلمان فى جلسة التنصيب بشكل بروتوكولى، لتختفى بعدها عن الأنظار. عدسات الكاميرات التقطتها مرة واحدة بعد ذلك، عندما كانت فى احتفال أقامته السفارة السعودية، برعاية السفير أحمد قطان سفير خادم الحرمين الشريفين لدى جمهورية مصر العربية ومندوب المملكة الدائم لدى جامعة الدول العربية حينها، لـزوجات السفراء العرب ورؤساء البعثات الدبلوماسية، ليُسجل هذا الظهور بالأول لزوجة رئيس الوزراء السابق بجانب عدد من السفيرات والشخصيات العامة، وزوجات المسئولين. عُرف عن ألفت عزت وجودها الدائم مع زوجها فى جميع رحلاته العلاجية فى مصر وخارجها، فلم تتركه فى أى وقت احتاجها فيه إلا وكانت السند، فكلما توجه إسماعيل إلى ألمانيا لرحلة علاجية كانت حاضرة.
أصيب قلب ألفت خلال وجود إسماعيل فى منصب رئاسة الوزراء، وسافر الاثنان إلى ألمانيا لإجراء الفحوصات الطبية للاطمئنان على حالتها الصحية، بعد علاجها بمستشفى دار الفؤاد المتخصص فى علاج أمراض القلب.
سافر رئيس الوزراء وزوجته على نفقتهما الخاصة، وهناك أكد الأطباء فى مستشفى مدينة ليبزج الألمانية المتخصص فى علاج أمراض القلب الذى كان قد استقبل رئيس الوزراء السابق قبلها بعدة أشهر لإجراء عملية جراحية قبل توليه منصبه كرئيس للحكومة- أنّ الحالة من الممكن أن تتطور بالعلاج الدوائى دون الحاجة إلى إجراء أى عمليات جراحية، وتم الاتفاق على العودة بعد شهرين.
وعن ابنى شريف إسماعيل، فهما بعيدان تمامًا عن الحياة العامة، لديه «أحمد» ويعمل فى إحدى شركات البترول، وابنة لا تتوافر أى معلومات عنها.
أما المدينة المفضلة داخليًا لإسماعيل وعائلته فهى «الجونة»، إذ يسافرون إليها فى الإجازات للبُعد عن صخب العاصمة وللاستمتاع بهدوء الحياة قبل العودة إلى العمل مرة أخرى، وكان خلال سفرياته يطالب بعدم تحمل أى جهة مصاريف الإقامة أو الطيران له ولأفراد أسرته.

يحتفظ بقلم رصاص بشكل دائم.. وسدد مديونيات 300 مريض
يُعرف عن شريف إسماعيل الاحتفاظ الدائم بقلم رصاص به ممحاة وبعض الأوراق صغيرة الحجم، لكتابة رءوس الموضوعات المهمة التى تُطرح عليه فى الاجتماعات الخاصة، ثم يمسح بعض النقاط ويكتبها من جديد بشكل عملى لطرحها على الجهات المسئولة عن ذلك.
ويحكى الكاتب الكبير صلاح منتصر: «عرفت المهندس شريف إسماعيل لأول مرة وهو وزير بترول فى ندوة استضافته فيها إحدى الجمعيات، وفوجئت بأننى أمام وزير يحفظ عن ظهر قلب خريطة عمله البترولية ويستطيع أن يتحدث عنها بأسلوب يفهمه الرجل البسيط قبل المثقف».
ويضيف: «أعجبنى ترتيبه وتنظيمه وهو ما لاحظته بعد ذلك عن قرب عندما التقيته بعد ذلك رئيسًا للوزراء. يُخرج أمامه مفكرة (يومها كانت هذه المفكرة رقم ٤ التى ملأها) يسجل فيها بالقلم الرصاص ما يسمعه من نقاط وما يرد على خاطره من ملاحظات».
بجانب ذلك فهو منظم للغاية فى حياته الخاصة وفى حديثه، أفكاره مرتّبة جيدًا، لا يتحدث كثيرًا ويترك مساحات واسعة لغيره فى الحديث ينصت خلالها قبل أن يطلب الرد أو يشير بالتدخل دون قطع حديث من أمامه.
شريف إسماعيل أيضًا معروف ببساطته الشديدة، فكان يصر على عدم حمل أى شخص لحقيبته الخاصة، بجانب علاقته الطيبة بجميع العاملين فى المجلس وبالصحفيين المسئولين عن تغطية أخبار مجلس الوزراء، وكان دائم الود والترحاب بهم.
من مواقفه الإنسانية النبيلة التى لا يعرفها الكثيرون أنّه تواصل مع رئيس جامعة القاهرة ووزير التعليم العالى، عندما علم أن هناك مديونيات على المرضى أقيمت على إثرها دعاوى قضائية ضدهم، مطالبًا إياهم بإسقاط القضايا وسداد المديونيات عن أكثر من ٣٠٠ مريض، مؤكدًا حينها أنه سيدفع المزيد الفترات المقبلة لتخفيف الأعباء عن المرضى الذين لا يستطيعون الدفع. جيرانه أشادوا بحسن تعامله معهم حتى بعد توليه مجلس الوزراء وبعدما ترك منصبه، منوهين بأنه رفض تغيير مكان سكنه إلى القاهرة الجديدة ليظل بين جيرانه المرتبط بهم منذ زمن بعيد، حتى إن حارس الفيلا المجاورة للفيلا التى يقطن بها هو وعائلته، قال إن إسماعيل عندما كان رئيسًا للوزراء طالب الحراسة الأمنية له بعدم مضايقة الجيران أو التعسف فى تفتيشهم كلما هموا بالدخول أو الخروج، ليشعروا أنهم على راحتهم. أجمع كل معارضيه ومنتقدى سياساته خلال تواجده فى الحكومة، على وصف شخصه بالمتميز والمحترم بعيدًا عن الصراعات السياسية، والتى كشفت عن شخصية تخفى الكثير من أعماله الخيرية وتقبله كل الآراء بلا عجرفة أو تصادم.