رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

البنوك التركية.. تغسل الأموال والعقوبات وأشياء أخرى




لجأت «‏FBI‏» إلى إخراج «رضا ضراب»، التركى الجنسية، ذى الأصول الإيرانية، من السجن، لحمايته من التهديدات وحراسته وأسرته ضمن برنامج حماية الشهود بعد أن أقر أمام المحكمة ‏الفيدرالية فى نيويورك بأنه مذنب، وعرض وطاقم دفاعه، المكون من ١٦ محاميًا من أكثر الشركات القانونية نخبة فى الولايات المتحدة، بأن يتعاون مع هيئة المحكمة فى كشف أكبر شبكة فساد ‏وتهريب تشكلت ما بين تركيا وإيران، من أجل الالتفاف حول العقوبات الأمريكية على الأخيرة فى مقابل تحقيق شخصيات تركية رفيعة المستوى، أرباحًا مذهلة، جراء سنوات من العمل المظلم الذى ‏نفذه «ضراب» بنفسه لصالحهم.‏
التفاصيل أقرب إلى سيناريو فيلم سينمائى، لكن الصدمة التى تلقتها المحكمة الأمريكية أنها بمجرد تقديم «‏FBI‏» لها متهمًا مقبوضًا عليه فى مارس ٢٠١٦، فور وصوله إلى ميامى صحبة أسرته ‏لقضاء عطلة فى ديزنى وورلد. وجدت الهيئة القضائية نفسها أمام شلال ضخم من الوقائع صعب عليها فى البداية تصديق ما جاء بها، لولا أن مكتب التحقيقات الفيدرالى وضع أمامها العديد من ‏القرائن التى استدعت إحالة تاجر الذهب التركى ضراب «٣٤ عامًا»، والمحاصر بمجموعة من الأدلة الثبوتية التى جعلته أقرب إلى قرار التعاون، ما كان سببًا فى انطلاق الشلال الهادر أمام ‏المحكمة طوال «١٨ شهرًا» مضت منذ تاريخ جلسة المحاكمة الأولى.‏
واجه «ضراب» اتهامًا أوليًا مباشرًا، كونه المتهم الرئيس فى قضية تجمعه وآخرين بتهمة التآمر من أجل غسل قرابة «مليار دولار»، من خلال بنوك فى الولايات المتحدة، من أجل مساعدة إيران ‏على تجنب العقوبات المفروضة عليها بسبب برنامجها النووى. ثم اختفى «ضراب» فى سبتمبر الماضى، وبقى مكان وجوده مجهولًا لعدة أسابيع. قبل أن يشير سجل السجن إلى أنه أطلق سراحه، ‏وأشارت وثائق المحكمة فيما بعد إلى أنه لم يعد جزءًا من المتهمين فى القضية.‏
الذى حصلت عليه المحكمة، وقبلها مكتب التحقيقات الفيدرالية «‏FBI‏» كى يوافقا على نقله إلى مرتبة المتعاون مع الحكومة الأمريكية، بل يتكفلا بحمايته، هى تفاصيل وأسماء المتورطين ‏الرئيسيين فى العملية الكبرى. اتهم ٩ أشخاص، من بينهم وزير الاقتصاد التركى السابق محمد ظافر شاغليان، والرئيس التنفيذى السابق لبنك «خلق» سليمان أصلان، ونائب الرئيس السابق لبنك ‏‏«خلق» محمد هاكان عطا الله، ويعد «خلق» من البنوك الرئيسة فى تركيا والمملوك للحكومة. وقدم «ضراب» الدلائل على أن شاغليان وأصلان وفرا لإيران إمكانية الوصول إلى مليارات ‏الدولارات، من مدفوعات النفط المجمدة بسبب العقوبات الأمريكية، حيث حولت العملية التركية الأموال إلى ذهب الذى تم تهريبه إلى طهران فى حقائب. وادعى «ضراب» أيضًا أن شاغليان، وزير ‏الاقتصاد آنذاك، قبل رشاوى تتجاوز قيمتها ٣٧ مليون دولار سنويًا، للسماح له بتطوير اتفاق غسل الأموال مع إيران. بالرغم أن رجب أردوغان نفسه وجّه المصارف التركية فى عام ٢٠١٢، ‏للمشاركة فى مخطط غسل الأموال.‏
ولأن فعليًا التفاصيل أقرب إلى الفيلم السينمائى، فبعض من مشاهد «الفلاش باك» قد تسهم فى إيضاح الصورة الكاملة لما جرى. فـ«رضا ضراب» هو ابن رجل أعمال إيرانى ثرى اشتهر ‏بصناعة الفولاذ، سافر «رضا» إلى تركيا، وهو طفل صغير، وبدأ مشاريع مختلفة فى سن المراهقة. ليصبح مجال عمله الرئيسى هو الحوالات المالية وصرف العملات وتجارة الذهب. فى عام ‏‏٢٠٠٥ أصبح «ضراب» مواطنًا تركيًا، فى ذلك الوقت كان والده جزءًا من «فريق» شكّله الرئيس الإيرانى آنذاك «أحمدى نجاد»، للمساعدة فى العمل حول العقوبات الأمريكية المفروضة على ‏إيران، ردًا على سعى «نجاد» إلى تطوير برنامج إيران النووى. رغم أن إيران واصلت بيع النفط، استمرت العائدات بالتراكم فى بنوك خارج متناولها، فبحلول عام ٢٠١٢ كانت إيران تملك المليارات ‏من الدولارات واليورو، محتجزة فى بنوك تركيا والصين والهند وإيطاليا واليابان.‏
شهد «ضراب» أمام المحكمة الأمريكية، بأنه مع تزايد شدة العقوبات علم أن البنك المركزى الإيرانى وشركة النفط الوطنية، قاما بالبحث عن سبل للحصول على أموالهما. وطبقًا لما ذكره؛ وضع ‏ابتداءً من عام ٢٠١٢ مخططًا معقدًا لنقل أموال إيران فى تركيا، إلى حسابات شركته الخاصة هناك، ومن ثم تصديرها على شكل ذهب محسوس إلى دبى. ومن هناك، كان يتم تحويله إلى النظام ‏المالى الدولى، ويستخدم لتسديد دفعات لكيانات تحددها إيران، وذلك أحيانًا من خلال حسابات بنوك فى نيويورك. ومن ثم قام بتطوير خطط مشابهة، من أجل الحصول على قدرة الوصول إلى أموال ‏إيران فى دول أخرى، بدرجات متفاوتة من النجاح.‏
قدّم «ضراب» لمكتب التحقيقات تفاصيل بالأرقام عن كيفية قيامه بتلك المهمة، حيث كان فى ذروة عملياته يستخدم قرابة ١٥ مهربًا فى اليوم، لنقل أكثر من «١٠٠٠ رطل» من الذهب فى المرة ‏الواحدة. وفى وقت لاحق؛ عندما صدرت عقوبات تلغى الذهب من كونه خيارًا، صمم «ضراب» نظامًا ينقل التدفقات المالية، على هيئة شحنات غذائية إنسانية، بيد أنه لم يكن يتم واقعيًا إرسال أى ‏طعام. وذكر أنه كان قادرًا على الحصول على جميع المليارات من الأموال الإيرانية من تركيا، والمزيد من الهند والصين وإيطاليا، على مدى أربع سنوات. وشهد أنه كان يتقاضى من ٤ إلى ٥ ‏دولارات، مقابل كل ألف دولار يقوم بنقلها، حيث أدر ذلك عليه إيرادات بلغت ١٥٠ مليون دولار، ذهب بعضها كرشاوى ورسوم مصرفية. ‏
رغم وصف وزير خارجية تركيا «رضا ضراب»، بـ«الرهينة» الذى أُجبر على الإدلاء بشهادته ضد الحكومة التركية فإن مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكية لديه تسجيلات، تحدث فيها ‏‏«ضراب» مع مسئولى بنك «خلق» التركى، فى مرحلة حثه للمصرفيين الكبار على التعاون، أكد لهم فيها أنه عرض الخطة التى يعمل عليها كاملة على رئيس الوزراء آنذاك رجب أردوغان، بعد ‏ذلك انفتح تدفق الشلال من الأموال.. وبعد سنوات محدودة جاء ما سبق ذكره من المعلومات!‏