رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مشروع البنية المعلوماتية.. 4 سنوات أخرى ضائعة


 

الموروث الحضاري للأمة، يتشكل بإنتاج وتنظيم المعلومات وتوثيقها للاستفادة بخبرات الأجيال المتعاقبة. كثير من العناصر المطلوبة لإعداد البنية المعلوماتية وأهدافها هي نفسها عناصر وأهداف العديد من المشروعات الحضارية الأخرى. وعليه، فإن «المشروع القومي للبنية المعلوماتية للدولة المصرية»، سيوفر المناخ الملائم والتربة الصالحة لبقية المشروعات الحضارية التي لا يمكن أن تتقدم الدولة أو ينهض المجتمع إلا بها.

من هذه الزاوية، تابعت الجلسة التي تناولت المشروع ضمن فعاليات اليوم الثاني والأخير للمؤتمر الوطني الدوري السادس للشباب، الذي انعقد بجامعة القاهرة. ولم أجد الرئيس عبدالفتاح السيسي مبالغًا حين قال إن «المشروع القومي للبنية المعلوماتية للدولة المصرية» سيضع مصر في مصاف الدول المتقدمة. وتمنيت أن نكتفي بالسنوات الطويلة الضائعة، التي تزيد على ربع القرن، وأن يتم الانتهاء من ذلك المشروع قبل سنة أو سنتين، على الأكثر، وليس بعد ٦ سنوات، كما كان مقررًا، أو خلال أربع كما طالب الرئيس.

ليس معقولًا، وما عاد مقبولًا، أن تعاني مصر نقصًا حادًا في المعلومات عن مواطنيها. وأن تكون إحدى أبرز المشكلات المزمنة التي عانت منها ولا تزال، هي ضعف البنية التحتية المعلوماتية، وعدم توافر المعلومات الصحيحة لمتخذ القرار. وفوق ذلك، فإن عدم وجود بنية معلوماتية للدولة المصرية، يعني أننا لن نتمكن من ربط الصناعة والتجارة الخارجية، بالتعليم والبحث العلمي. ولن يستطيع المواطن الحصول على الخدمات بصورة ميسرة. كما لن يصل الدعم إلى مستحقيه الفعليين. كما أننا نخسر كثيرًا بمرور كل يوم، بل كل ساعة، دون ربط قواعد بيانات الضرائب والتأمينات والجمارك والاقتصاد الموازي، الذي بات دمجه في الاقتصاد الرسمي مسألة حياة أو موت.

أوجه عديدة للاستفادة المباشرة من «المشروع القومي للبنية المعلوماتية للدولة المصرية»، بينها دعم متخذ القرار بتوفير المعلومات الضرورية الدقيقة والمترابطة، لمتخذي القرار، حتى يتمكنوا من اتخاذ القرار السليم في الوقت المناسب. وتوفير العمالة الإدارية وتوجيهها إلى أعمال إنتاجية بالتدريب التحويلي. وبين أوجه الاستفادة المباشرة من المشروع، أيضًا، ما ذكره اللواء محمد عرفان، رئيس هيئة الرقابة الإدارية، خلال الجلسة، بأن لدينا ١٠٤ ملايين مواطن و٤ ملايين منشأة، يتعاملون مع ٦٥ جهة تابعة للدولة، وأن هناك قاعدة بيانات يجري العمل عليها لتشمل كل هؤلاء. وأننا حال نجاحنا في ذلك سنتمكن من تحصيل كل متأخرات الضرائب المستحقة على الممولين ضمن النزاعات الضريبية القائمة، التي تبلغ ٩٠٠ مليار جنيه. وسنتجاوز عدم كفاءة تحصيل الضرائب العقارية، بميكنة هذه العقارات وشمولها ضمن قاعدة البيانات الجاري تنفيذها، للتخلص من روتين التحصيل والطوابير وما إلى ذلك. وسنتغلب أيضًا على تأخر تحصيل ضريبة القيمة المضافة، وعدم كفاءة نسب تحصيل مستحقات الدولة، وبطء إجراءات تقنين وضع اليد على أراضي الدولة. كما سنتغلب أيضًا على عدم كفاءة منظومة الدعم، بتحسين سياسات الاستهداف وتصحيح البيانات.

العودة هنا مهمة إلى مؤتمر الشباب الرابع، الذي استضافته مكتبة الإسكندرية، في ٢٥ يوليو الماضي، الذي شارك خلاله الرئيس في جلسة تحت عنوان «المشروع القومي لمنظومة المعلومات المتكاملة». ويومها قدّم رئيس هيئة الرقابة الإدارية مشروعًا عنوانه «إعادة بناء ذاكرة الدولة»، وأعلن أن هذا المشروع اعتمد على تكاتف كل وزارات الدولة، وأنه «وضعنا على الطريق الصحيح، ونحن الآن في منتصف الطريق». وكان مطمئنًا أن يؤكد أن كل الوزارات وضعت بياناتها في جهة واحدة، لإخراج منتج يفيد الدولة المصرية. ومع الرئيس ورئيس هيئة الرقابة الإدارية شاهدنا عرضًا توضيحيًا قدمه شباب من عدة جهات عن قواعد البيانات بالمؤسسات الحكومية، كيف كانت وكيف أصبحت. وعرفنا أن المشروع القومي لمنظومة المعلومات المتكاملة للدولة المصرية، بدأ بالفعل بتكوين قاعدة بيانات للأسرة المصرية، وتم تقسيمه إلى ثلاثة مستويات: المواطن.. الاقتصاد والإدارة.

حكومات سابقة، طوال ربع قرن على الأقل، حاولت وفشلت. مع أنها بدأت بالفعل في تنفيذ مشروعات قومية كانت نواة للبنية الأساسية المعلوماتية، أهمها مشروع الرقم القومي الذي يعكس الصورة المعلوماتية للمجتمع من خلال بيانات المواطنين، ومشروع السجل العيني الذي يحدد صورة الملكية للأراضي الزراعية ومشروعات المعلومات بالوزارات والمحافظات. غير أن هذه المشروعات لم تكتمل الاستفادة منها، بسبب البيروقراطية وتعدد وتضارب التشريعات المنظمة لروتين العمل. ومركزية اتخاذ القرار في كل القطاعات وعلى جميع المستويات الإدارية وصعوبة إنتاج وتداول البيانات والمعلومات من حيث البعد الزمني والمكاني، وضعف التنسيق بين مراكز المعلومات بالقطاعات الإدارية للدولة وما ينتج عنها من تكرار إنتاج المعلومات واختلاف معامل دقة المعلومات الناتجة عن كل جهة. مع أن تلك الحكومات أنشأت صناديق خاصة، كان يمكن أن تسهم في مشروعات البنية المعلوماتية، كما كان يمكن تخصيص جزء من استثماراتها لتحسين الخدمات ورفع كفاءة النظام الإداري!.

الموروث الحضاري للأمة، كما قلنا، يتشكل بإنتاج وتنظيم المعلومات وتوثيقها للاستفادة بخبرات الأجيال المتعاقبة. ونكرر ذلك، لنوضح أن الارتباط وثيق بين المعلومات والمعرفة. الأولى نتاج الثانية، لكنها تضيف إليها وتطورها من خلال ابتكار أشكال مختلفة للتعامل مع المعرفة والاستفادة منها وتطويرها. وعليه، يمكننا الخروج من ذلك بأن المعلومات هي تطبيق وتوثيق للمعرفة التي لن تتطور أو ستفتقد أحد أبرز عناصر تطورها دون توفير المعلومات القابلة للاستيعاب. وفوق ذلك فإن تطور المجتمعات يعتمد على توفر المعلومة ووسائل إنتاجها وتشغيلها والحصول عليها، وبغير تلك العناصر، ما كان يمكن للمجتمعات الحديثة أو المتقدمة، أن تكون حديثة أو متقدمة. ولن تستطيع دول أخرى اللحاق بها إلا ببذل جهد أكبر، وبتكاليف مضاعفة. ولا يصلح هنا أن تقول «ملحوقة»، إلا بعد بذل الجهد ودفع التكاليف.

في حقول أو سياقات مختلفة، يكفي أن تتمكن من اللحاق بآخر عربة في القطار، حتى تصل مع من سبقك وركب الأولى. لكن، في هذا الحقل أو السياق، اختلف الوضع، وبينما نحن نحاول أن نلحق بآخر عربة في القطار، تخطت تلك الدول مرحلة التعامل مع المعلومات إلى مرحلة تشغيل المعرفة. إذ إن المعلوماتية هي النشاط العلمي والتطبيقي الذي يهتم بدراسة مفاهيم ووسائل تشغيل وإنتاج المعلومات، بما يتضمنه ذلك من وسائل الحصول على المعلومة وتخزينها والتعامل معها وفرزها وخلق أشكال جديدة قائمة على ما تم التوصل إليه من المعرفة، التي هي نتاج الخبرة والتجربة والتفكير البشري. وبالتالي فإن المعلومات هي أحد العناصر المؤدية إلى المعرفة ولذلك صارت المعرفة بمفهومها الواسع تشمل جميع الأنشطة البشرية.

المعرفة هي القوة، وليس أمامنا إلا امتلاك المعلومات الدقيقة الكاملة، قبل أن ننتقل سريعًا إلى مرحلة تشغيل المعرفة. وعليه، كان ينبغي أن يوّجه الرئيس عبدالفتاح السيسي، بضرورة الانتهاء من المشروع القومي للبنية المعلوماتية للدولة، قبل سنتين على الأكثر، وليس خلال ٤ سنوات كما طالب، أو ستة كما كان مقررًا. وبعد تعديل التوقيت، نتفق تمامًا مع ما قاله الرئيس، ونقوله معه: «عايزين نحط توقيتات مُلزمة ويكون لنا لقاء تاني. ست سنوات كتير، أنا ما أقدرش أستنى أكتر من أربع سنوات لإنهاء المنظومة للدولة المصرية كلها. لو الموضوع تمويل أنا مستعد، لأن كل بيان شفاف وقوي يمكن من خلاله اتخاذ إجراء لصالح المواطن المصري».