رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

آل حسن.. ما الذى ينتظرك في بيت حسام وإبراهيم؟

جريدة الدستور

موقف: قال عن والدته: «هى كل شىء.. كل ما أحققه بفضل الله ودعائها ورضاها عنى»‏

«لما تتنرفز تفكيرك يختل.. اضحك دايمًا علشان متتنرفزش».. كانت هذه واحدة من الثوابت التى اعتاد الأسطورة صالح سليم نقلها للاعبى الأهلى، ضمن رسائله التى ‏كانت منهجًا للنجاح، تحدد الطريق إلى الإنجازات، ولا يستطيع أحد مهما كان السير بمنأى عنها. لكن، حسام حسن كان أول المتمردين على قواعد رب البيت، الذى يدين ‏له الجميع بالولاء والطاعة، وأصر على أن الحماسة والشغف الدائم، ولو صاحبهما بعض التعصب، هما السلاح الحقيقى لصناعة العجائب، فلم يعد له مكان فى «حارة ‏الأهلاوية» وكُتب عليه أن يشد الرحال.‏

وفاة الأم أثرت على شخصية العميد وجعلته أكثر هدوءًا ونضجًا فى التعامل مع الحياة

ربما نجح الخصوم فى هزيمة العميد عندما أوقعوا بينه والجماهير الحمراء التى تعشقه، بمغادرته الأهلى مطلع الألفية الجديدة، لكنه عاد وحقق نجاحات عظيمة بعد ذلك، تؤكد أن نظريته التى ترفض ‏الالتزام بخطوط حمراء قادرة على صناعة مجد يقوم فقط على الإيمان والاجتهاد، ولا مانع إن صاحب ذلك بعض الخروج عن النص، فنحن بشر، ولسنا ملائكة. ‏
سنوات كثيرة قضاها حسام وهو مؤمن بأن ما يفعله الصواب، يتعرض لانتقادات هنا وهناك، وتُحيط به الحرب من كل الاتجاهات، ويخسر كثيرًا من المكاسب والغنائم التى يُمكنه تجنبها إذا تخلى فقط عن ‏عصبيته التى ترفض الخضوع لأى شخص أو فقط مجرد الالتزام بما يريده الكبار.‏
عاشت الجماهير المصرية مع العميد داخل المستطيل الأخضر وخارجه مشاهد درامية ومعارك دامية كان دائمًا بطلها، لكن فى سنواته الأخيرة هدأ وقلت معاركه، ورغم أنه يواجه تعنتًا غير مفهوم من ‏مسئولى «الجبلاية» الذين يرفضون الأخذ بنصيحة المصريين، جمهورًا وخبراء، بتعيينه مديرًا فنيًا، فإن نجم الأهلى والزمالك الأسبق التزم على غير عادته الهدوء والحكمة فى صدامه معهم.‏
عندما تبحث عن سر هدوء العميد، وابتعاده عن المعارك والخروج عن الخطوط العريضة، تجد حالة تغيير كبيرة شهدتها شخصية هذا الرجل العنيد منذ وفاة والدته، التى أثرت بشكل غير عادى على ‏مفهوم ونظرة حسام للحياة، فلم تعد تشغله معاركها وتفاصيلها كما كان من قبل.‏
مؤكد أنه لم يفقد حماسه ولم يتخلَ عن شغفه، وما زال حالمًا بأن يكون المدير الفنى للفراعنة، لكن التباين الملموس فى طباعه، كما بدا فى مرات ظهوره القليلة مؤخرًا، يعود إلى تأثره بالعلاقة الفريدة ‏التى جمعته مع والدته والتى كان جزءًا لم ينفصل أبدًا عن العميد حتى وفاتها. ‏
عندما سُئل حسام حسن عن دور والدته فى حياته قال بوجه يؤمن تمامًا بصدق ما ينطق به: «هى كل شىء، كل ما أحققه بفضل الله ودعائها ورضاها عنى»، ولما حكى عن العلاقة كشف بعفوية شديدة ‏كيف كانت والدته شيئًا استثنائيًا، وليست مجرد أم عادية ترعى ابنها وتتعامل معه بحنان.‏
حينما كان صغيرًا كان عشق العميد أن يظل جالسًا بين قدميها، ولما كبر وفق ما يقوله ظل يبيت فى حضنها حتى كان لاعبًا ونجمًا كبيرًا فى صفوف منتخب مصر، ولما غادر للاحتراف فى اليونان ‏وبعدها سويسرا كانت مرافقة له ترعى خطواته، وتعمل على راحته وتشاركه فى كل التفاصيل الصغيرة.‏
كانت الأم هى السبيل الذى يُنير الطريق للعميد، ورغم ذلك لم تُجبره يومًا على اختيار خطوة غير مقتنع بها، يحكى دائمًا أنه ربما اختلفت معه، وربما لم تكن مقتنعة ببعض قراراته وخطواته، لكن عاطفتها ‏الجياشة لم تسعفها يومًا على عناده أو حتى محاولة بذل جهد لإقناعه بالعدول عن رأيه، كل ما يُعنيها فى الحياة أن يكون نجلها سعيدًا وراضيًا، ويفعل ما يحلو له. لما غادرت الحياة قبل أربع سنوات مثلت تلك ‏النقطة فاصلًا مهمًا للغاية، وتبدلت نظرته إلى الحياة، ورأى أن الفاجعة الكبرى هى أن يحيا دونها، ونجح ذلك الفراق الصعب فى أن يخمد تلك الثورة الكبيرة بكامنه، وتخفض حجم الحماسة التى انتصر بها ‏على أساطير كرة القدم فى مصر، ليهزم الموت ما فشل فيه صالح سليم وغيره من الرموز الكبار.‏

القناص لم يتحمل الهزيمة من ابنه فى الـ«بلاى ستيشن».. يتفادى مواجهة إبراهيم فى ‏الطاولة.. ويتحول لطفل مع بناته

على الجانب الآخر، وبعيدًا عن الملعب، لم يكن حسام حسن مختلفًا عن ذلك اللاعب والمدرب الذى يكره السقوط والانتصار، بل يعمل دائمًا على نقل تلك الروح لجميع أفراد أسرته.‏
يحكى إبراهيم حسن، النصف الآخر لحسام بعض تفاصيل حياة شقيقه مع أولاده، فيقول: «حسام يكره الخسارة حتى قدام ابنه، لما خسر من عمر ابنه فى البلاى ستيشن قعد يتعلم لحد ما كسبه».‏
مشهد بسيط لكنه يعكس ويلخص من هو الأسطورة حسام حسن، عاشق الانتصارات، فكيف لهذا النجم الكبير صاحب هذا الكم الضخم من الإنجازات، أن يتوقف عند هذا الموقف البسيط وأن يصر على ‏العودة لتحقيق الانتصار.‏
يقول العميد عن تلك الواقعة بضحكات صافية يستعيد فيها مشاهد مناوشاته مع نجله عمر: «كان بيكايدنى كتير لما بيكسب، قعد يكسبنى كتير، لكن لما اتعلمت ورجعت كسبته، ما رحمتوش، وفضلت أكايد ‏فيه أكتر».‏
هكذا هى علاقة أهم هدافى الكرة المصرية وربما الإفريقية مع ابنه عمر، والذى يحرص دائمًا أن ينقل إليه روح الإصرار وحب الانتصار، وإغلاق الباب دائمًا أمام أى هزيمة محتملة، ولو كانت تلك ‏الهزيمة على سبيل اللعب.‏
مع بناته، يارا وزينة وجنا، يكون حسام على استعداد للتخلى عن شخصيته العصبية وعناده الشديد ليستسلم أمام ضحكاتهن وشقاوتهن، فهن بالنسبة له الجنة الحقيقية والتى تسقط أمامها أى مشكلات وأزمات.‏
العميد الذى يكره أن يتخلى أحد لاعبيه عن تطبيق تعليماته نصًا، يكون شخصًا آخر أمام جميلاته الصغيرات، يكون هادئًا فقط من أجلهن، ويرى أن أسعد أوقاته دائمًا تكون برفقتهن. ‏
الجزء الآخر والأهم فى الحياة الشخصية لحسام حسن، هو شقيقه ورفيق رحلته، توأمه إبراهيم، منذ شدا رحالهما من شوارع حلوان إلى النادى الأهلى مرورًا بمسيرة طويلة داخل وخارج مصر، يرى ‏حسام أن أصعب شىء فى حياته أن يتخلى عن وجود إبراهيم.‏
يقول إبراهيم عن تلك العلاقة عاكسًا الجوانب الشخصية بينهما خارج الملعب: «عندما احترف حسام لمدة ٣ شهور فى العين الإماراتى، وهى المرة الوحيدة التى لعب فى مكان بدونى، كان حزينًا لابتعادى ‏عنه، وطلب منى أن أعيش معه هناك، فى هذه الفترة ذهبت للحج للمرة الأولى بدونه، وكنت حزينًا أيضًا».‏
أما حسام حسن فيقول: «كل رحلاتى وسفرياتى مع أطفالى وأسرتى لا بد أن يكون إبراهيم حاضرًا فيها، خاصة السفر خارج مصر، مستحيل أن أترك مصر بدون إبراهيم، حتى لو كانت أسرتى جميعها ‏برفقتى».‏
إنها ليست مجرد علاقة توأم عادى، إنما تربطهما صفات شخصية ومشوار واحد وهيئة وعقلية واحدة، لدرجة أن حبهما للانتصار يدفعهما لعدم الدخول فى أى منافسة، حتى لعب الطاولة، يقول إبراهيم: ‏‏«أنا غير مستعد أن أخسر من حسام، وهو أيضًا، لذلك يستحيل أن نلاعب بعضنا البعض فى أى لعبة».‏
الآن أصبح الثنائى مرشحين بقوة لتولى قيادة المنتخب، لكن العجيب أن مجلس «الجبلاية» وحده يكره ذلك، ولا أعلم كملايين المصريين لماذا، هل لأن هناك فرصًا للفشل معهما؟
الكثير من المدربين والأصدقاء المقربين لـ«الجبلاية» تولوا المهمة على مستوى منتخبات الناشئين والأوليمبى والأول وفشلوا، ماذا لو فشلنا مرة أخرى، ألا يستحق التوأم مكافأة على ما قدماه؟ هذا إذا سلمنا ‏بأن الخسارة قد تحضر مع ثنائى لا يرضيان بها، حتى فى لعبة الطاولة والبلاى ستيشن من الأساس، مؤكد أن النجاح بانتظارهما مهما طال الزمن.‏