رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قضايا الأمن القومى فى صالة ألعاب


ادعى الدكتور محمد مرسى أنه يقف مع الشعب السورى فى حين أنه يقف مع أعداء هذا الشعب وكل شعب عربى، فالذين يتحدث عنهم الدكتور على أنهم هم الشعب السورى الذى يتعرض للإبادة هم الذين أقاموا علاقة مع إسرائيل على نحو ما قام هو بالعلاقة مع بيريز.

بدأ خلال هذا الأسبوع مدى إدراك السلطة المصرية ممثلة فى رئيس الجمهورية لقضايا الأمن القومى وقدرتها على التعامل مع قضايا الأمن القومى ومدى إدراكهم لأولوياتهم. فقد تورط رئيس الجمهورية فى حديث وإجراءات حول قضايا الأمن القومى، ولكن بالأسلوب الذى عهدناه منهم خلال عام مضى تقريباً، ويبدو أن مصادر التهديد التقليدية والرئيسية للأمن القومى المصرى ليست بهذه الأهمية ولا الأولوية.

حاول الرئيس الدكتور محمد مرسى فى مؤتمر أعد بواسطة أهله وعشيرته وبواسطة علماء مستوردين من الخليج فى صالة الألعاب المغطاة فى استاد القاهرة، ويا له من مكان مناسب لتناول موضوعات تخص الأمن القومى أنه يحفظ للقضية الفلسطينية مكانها، متناسيا أن تقدير القضية الفلسطينية إنما يكون بوضعها فى مكانها الصحيح على رأس قائمة أولويات الأمن القومى، وكان من الواجب أن تكون الدعوة للجهاد فى فلسطين وضد العدو الصهيونى قبل الجهاد فى أى مكان آخر، وأن يكون الجهاد فى سوريا، إذا كان يمكن أن يسمى جهاداً فى آخر القائمة. خاصة أن هناك قائمة طويلة لتهديد الأمن القومى تبدأ بفلسطين ولكنها تمر بشدة بإثيوبيا، ليس لتجاوزها على حصة مصر المائية، وإنما لرفضها الاعتراف بحقوق مصر التاريخية فى الماء، وبحقها فى الإخطار المسبق قبل أى إنشاءات على النيل، وأخيراً لاستهانتها بمنزلة وهيبة مصر من خلال تصريحات بعض مسئوليها.

وإذا كانت قضية المياه وحصة مصر تمثل أهمية حيوية لمصر حيث يمكن أن تعيدها إلى قرون سحيقة قبل أن يمر بها نهر النيل، فإن ما يتهدد الأمن القومى نتيجة لحركات التمرد فى السودان سواء فى دارفور، أو فى جنوب كردفان، أو فى المنطقة الشرقية، أو منطقة أبيى هى تهديدات خطيرة خاصة بعد انفصال جنوب السودان. وياليت قضايا الأمن تتوقف عند السودان، لكن القضايا المتعلقة بالأمن فى سيناء تهدد وحدة الأراضى المصرية كما تهدد التنمية التى يتحدث عنها الكثيرون بدءا من رئيس الجمهورية إلى كل الكتاب والخبراء مرورا برئاسة الوزارة ومجلس الوزراء. أما على الحدود الغربية فالصراع محتدم بين الذين انتصروا بمساعدة حلف الأطلسى، وأصبح الصراع هناك يثير المخاطر وينقلها إلى مصر، وكان قد بدأ بتهريب الأسلحة إلى مصر، وهى التى يستخدمها الإرهابيون حاليا فى مصر عموما وفى سيناء بصفة خاصة، كما أنهم أصبحوا مدينين لحلف شمال الأطلسى بحيث أصبح موجوداً هناك، وأصبحت الدولة الليبية، إذا كانت لا تزال هناك دولة، تحت وصاية الحلف، وأعضاؤه يقتسمون الغنائم خاصة فى مجال البترول.

تحدث الرئيس عن حرمة الدم الإنسانى، فى حين أنه وجماعته والمؤتمر الذى حضره إنما عملوا منذ سنتين وعلى امتدادهما على نزيف الدم السورى بالإصرار على استمرار القتال والتخريب، ورفض الحوار وتقديم شروط مسبقة لأى حوار تفرغ الحوار مسبقا من فحواه. وبدلا من الإصلاح بين الأطراف المتنازعة تنفيذا لقول الله تعالى «وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما».. نجد الرئيس وجماعته يصبون الزيت على النار ويفرضون نتيجة الحوار قبل أن يبدأ.

ادعى الدكتور محمد مرسى أنه يقف مع الشعب السورى فى حين أنه يقف مع أعداء هذا الشعب وكل شعب عربى، فالذين يتحدث عنهم الدكتور على أنهم هم الشعب السورى الذى يتعرض للإبادة هم الذين أقاموا علاقة مع إسرائيل على نحو ما قام هو بالعلاقة مع بيريز، وقد ظهر بعضهم على الشاشات وهم يعالجون فى فلسطين المحتلة فى مستشفيات إسرائيلية وقالوا إنهم ليست بينهم وبين إسرائيل عداوة.

تناقض الرئيس مع نفسه على نحو يدفع المرء للتساؤل عما إذا كان مدركا لحقيقة مايقوله: كيف يتحدث الدكتور مرسى عن رفض التدخل الأجنبى فى سوريا والدعوة فى نفس الوقت إلى فرض منطقة حظر جوى على سوريا، وهل هو مدرك لكيفية تحقيق مثل هذه المنطقة، ونحن نرى أن الولايات المتحدة الأمريكية قد رأت أن إقامة مثل هذه المنطقة شديدة التكاليف بحيث لا تستطيع أن تتحملها بل وتخلت عن الفكرة. لكن يبدو أن هناك من قال له عليها، فنطقها وإن لم يدرك خطورتها. لكن يبدو أنه أراد أن يغمز حزب الله وإيران، وقد كانت جماعته من الذين أقاموا علاقات قوية معهما منذ زمن طويل، ولكن الدكتور مرسى وجماعته قد اكتشفوا مؤخرا أن إيران وحزب الله من الشيعة، أو أن إيران وحزب الله كانوا قد أوهموهم أنهم من السنة ثم اكتشفت الجماعة أنهم من الشيعة، ولا أدرى كيف سمح الدكتور مرسى لنفسه أن ينخرط وجماعته فى حديث طائفى وتحويل الصراع إلى صراع طائفى. طبعا المقصود هنا أن تدخل حزب الله تدخل أجنبى، فى حين أن تدخل الغرب كله فى سوريا بالسلاح والأفراد وهو موثق ليس تدخلا أجنبيا.

كذلك فقد اكتشفت الجماعة أن الصراع فى سوريا طائفى وقائم على الطائفة العلوية، فى حين أنه لم يذكر لأحد المسئولين السوريين أنه تحدث عن الطائفية وعن العلويين، وأن كثيرا من كبار المسئولين السوريين، بل أغلبهم، لا ينتمون إلى الطائفة العلوية، وخطورة هذه الدعوة أنها تشعل الفتنة الطائفية بين المسلمين فى كل العالم، وهو ما يحقق أهداف أعداء الأمة، ويهدد وحدتها.

مما يضحك، وربما يبكى، ما قاله الدكتور مرسى فى نقده للذين يمدون سوريا بالسلاح، وقد سبق أن ذهب إليهم طالبا معونتهم، فى حين اعترف حلفاؤه فى الخليج، بل وفى مصر، بأنهم يمدون المعارضة المسلحة الإرهابية بالأسلحة والأفراد، فالمعروف أن السلطات فى سوريا مسئولة عن الدفاع عن سوريا، وبالتالى هى فى حاجة إلى السلاح للدفاع عن سوريا، فهل المعارضة المسلحة مسئولة أصلا حتى تحمل السلاح؟ طبعا نحن نؤيد المعارضة السلمية فى المطالبة بالحقوق المشروعة للشعب، وحسب معلوماتى فإن الحكومة تقبل بالحوار ولكن جماعة الدكتور مرسى وأهله وعشيرته يرفضون ذلك.

مما يؤسف له أن رئيس الجمهورية قد قلب العلاقات مع سوريا مما كان من تحالف فى الحرب عام 1973 إلى عداوة عام 2013 أى بعد أربعين عاما، وهو لم يكلف نفسه مشقة الاتصال بالرئيس السورى، بينما كتب خطابا حميما إلى رئيس إسرائيل شيمون بيريز، بل إنه لم يحاول مجرد الاتصال، وتحدث عن الوساطة دون أن يحاول إيجاد علاقة، ولا أدرى كيف يمكن لمصر أن تكون وسيطا دون أن تكون لها علاقة مع أحد الأطراف، فالطرف الثالث بلغة العلوم السياسية، لا بد أن تكون له علاقة بأطراف النزاع، وقادر على أن يقدم للأطراف ما يشكل مصلحة لهم، وفى نفس الوقت يستطيع أن يضغط عليهم، وهذا بدوره يتطلب وجود علاقة معهم، لكن يبدو أن الأمر كله لا يتعدى أنه حديث عن الأمن القومى فى صالة ألعاب!

■ خبير سياسى واستراتيجى