رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العالم الإفتراضي الأكثر حرصًا على تداول أفكار "نصر حامد"


ينهض الوطن بقامته ليتمدد في كل شرايين الليل بأحلامه وكوابيسه، الموتى الذين لم يغادروا دورة زماننا، والأحياء الذين فقدوا صلاحيتهم منذ عقود، يلتقون جميعًا في أحلامي وكوابيسي كأننا على موعد، لا أتحدث بالضرورة عن أعلام، فأحلامي وكوابيسي يجتمع فيها الأعلام والعامة، والأساتذة والطلاب، الأعداء والأحباء، الخصوم والأنصار، الرجال والنساء، الكبار والصغار، إنه الوطن بكامله يصر على أن يحتل ليلي كاملا، ربما لأنني أحاول أن أقصيه عن نهاري .

هذه كانت كلمات المفكر الإسلامي والدكتور نصر حامد أبو زيد من منفاه بهولندا، كلمات يصف بها حاله، ونصر حامد أبو زيد من الذين لم يغادروا دورة زماننا، وتمر اليوم الخميس 5 يويلو الذكرى الثانية لرحيله.

وعبر مواقع الأنترنت المختلفة تنتشر السيرة العطرة للمفكر والمناضل، لعل من أهم هذه المواقع مدونة رواق نصر أبو زيد ، ومما يزيد من أهمية هذه المدونة هي أنها تعيد إحياء التراث الفكري والثقافي لأبي زيد، وتهتم كذلك بتجميع كل ما نشر عنه، ومن أهم ما تداولته المدونة اعترافات الدكتور حسن حنفي عن تلميذه نصر حامد، وذلك عبر مقال الكاتب وائل عبد الفتاح بمجلة التحرير والذي تم نشره بالمدونة، وجاء فيه أن نصر بالنسبة لحنفي ليس مجرد موضوع، بل هى مسألة شخصية فهو تلميذ تعلم منه، وأن الاختلاف بين حنفي ونصر في المنهج وليس القول، حيث اعتمد نصر على العلانية ولكنه فضل أن يعتمد على السرية، ومن وجهة نظر حنفي أنه ربما لو تعرضنا لما تعرض له نصر لما تعرض له، ولهذا يعتبر حنفى أن نصر هو حنفي كما ينبغي أن يكون، الفرق بيني وبينه أن نصر يواجه الفكر المسيطر، بينما هو اعتمد أنا على أسلوب حرب العصابات ، وكانت هذه الاعترافات صادمة بعض الشيء، وتم تسجيلها فى محاضرة قام حنفي بالقائها.

واهتمت المدونة كذلك بعرض حالة مشابه لحالة نصر أبو زيد هو محمد أبو زيد،حيث رفعت ضده دعوى بسبب اجتهاده في تفسير القرآن، ولكن في المحكمة بدمنهور رفض القاضي الذي نظر الدعوى أن يتهم مفكرًا على اجتهاده ودعا رافعي الدعوى لما هو أجدى للإسلام.

وعلى مستوى آخر، فقد اهتمت زوجة المفكر الراحل _الدكتورة ابتهال يوسف_ أستاذة الأدب الفرنسي بجامعة القاهرة، بإطلاق مؤسسة نصر حامد أبو زيد للدراسات الإسلامية ، والتي ستفتتح رسميًا يوم الاثنين القادم، ويحتوي الموقع الإلكتروني للمؤسسة على مكتبة بها مجموعة ضخمة من الكتب والمصنفات المختصة بمجالات العلوم والدراسات الإسلامية، وستفتح أبوابها للباحثين والمهتمين، وقد تمت إتاحة فهرس المكتبة بشكل إلكترونى يمكن المهتمين من التعرف على مقتنيات المكتبة من خلال موقع المؤسسة.

ومن النص الديني للنص الإفتراضي، حيث مازالت أفكار وآراء الدكتور تجوب المواقع الإلكترونية لتثبت صحة بعض ما تعرض للهجوم عليه من قبل، فمن وجهة نظر أبو زيد أن النص الديني واحد ولكن التفكير الديني وهو ما يختلف من جيل لاخر ومن بيئة لأخرى، فقد أتاحت المواقع الإلكترونية المزيد من الاجتهادات لتفسير النص الديني العامل الثابت ، فكثير من القضايا قد أثارت اختلافات وفقًا للرؤية الخاصة بكل فصيل.

ويؤكد كذلك أبو زيد أن أهم أسباب فشل الخطابات النهضوية هو العجز عن إحداث وعي علمي حقيقي بالتراث الديني خصوصاً، وعي ينقل الثقافة، كما ينقل المواطن الفرد، من حالة إلى أخرى، ومن مرحلة الوعي الديني الغيبي الأسطوري، إلى مرحلة الوعي العلمي بالظواهر الطبيعية والاجتماعية والإنسانية على حدّ سواء.

ولعل المواقع الكترونية من العوامل التي ساهمت في زيادة الوعى الديني فساهمت في التحول من مجرد التسليم بصحة ما يقال، إلى الإقتناع بصحته، فالنص الافتراضي انتقل بالنص الديني إلى عالم أكثر سعة وأكثر قدرة على أن يطرح كل فرد رؤيته، دون أن يحجر أحد على رأيه، ولعل النص الافتراضي هو الذي استطاع أن ينقل أفكار الدكتور أبو زيد لجيل أكثر قدرة على استيعاب هذه الأفكار و الاستفادة منها.

وفي وقت أحس فيه المفكر والدكتور نصر أبو زيد أن جميع الأبواب قد أغلقت أمامه، فلم يجد أمامه سوى أن يوجه ندائه مباشرة للشعب، فكتب من ليدن في مجلة الطريق، قائلاً: “يا أهل مصر المعمورة، لا تصدقوا كلام القاضي أنني مرتد، ولو كان في النقض، لأن المرتد والعياذ بالله لا يتقدم بردته لينال لقب “الأستاذية” في جامعة في بلد مسلم إلا لو كان مجنوناً، وقد عشت بينكم طفلا وصبياً وشاباً وكهلاً، وخدمت وطني في كل مواقع العمل من “هيئة المواصلات اللاسلكية” إلى “الجامعة”، ولم تظهر عليّ أعراض جنون من أي نوع. منذ حوالي ربع قرن وأنا أدرّس لأبنائكم في القاهرة والخرطوم وبني سويف، فهل سمعتم أن أحداً من طلابي اتهمني بالكفر أو كفر بتأثير تدريسي له أو لها؟”