رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رمضان ومبادرة السلم الاجتماعى


عند نشر هذا المقال يكون قد انتصف شهر رمضان المبارك، أعاده الله تعالى علينا وعليكم وعلى الأمة والإنسانية جميعًا بالخير والبركة والتغيير إلى الأحسن. مرت علينا رمضانات كثيرة، لم نتغير فيها ‏كثيرًا كما يدعونا القرآن والكتب المقدسة، والمنهج الإسلامى أو الدينى عمومًا.‏
من مميزات شهر رمضان، أنه وقفة مع النفس، والجزاء عند الله تعالى ولذلك جاء فى الحديث القدسى «قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: إنَّ الصَّوْم لِى وَأَنَا أَجْزِى بِهِ، إنَّ ‏لِلصائِمِ فَرْحَتَيْنِ: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ اللهَ فَجَزاهُ فَرِحَ، وَالَذِى نَفْسُ مُحَمَد بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ». رواه مسلم وهذا لفظه، وروى نحوه أحمد والنسائى. الأجر عند الله ‏تعالى، لا يعرفه الإنسان، مثل أجر الصابرين وأجر العافين عن الناس.‏
الوقفة مع النفس تدعونا إلى النظر فيما مضى، فنرفض ما كان فيه من سلبيات وأخطاء وآثام، ونعزم صادقين على أن نخرج من كل ذلك ولا نعود إليه أبدًا. هنا يبدأ التغيير فى النفس أولًا ثم فى الواقع ‏ثانيًا. للأسف كثير من الناس يصلون ولا يتغيرون، يصومون ولا يتغيرون، يتصدقون ولا يتغيرون، يحجون ولا يتغيرون. لعل هذا الشهر الكريم يكون بداية للتغيير والخروج من نمطية السلبيات. ‏
تأتينى أسئلة واستفسارات عن مبادرة السلم الاجتماعى فى الأمة، تلك التى أساء البعض فهمها واعتبروها محاولة للصلح أو المصالحة مع الإخوان المسلمين والنظام فى مصر فحسب. وهذا الفهم تبسيط ‏وتسطيح للأمور، ومن ثم الهجوم على المبادرة وصاحبها. وهنا أود أن أوضح فى هذا المقال ما لم يتسع له المجال سابقًا. وخصوصًا بعد تصريحات معالى الوزير المحترم سامح شكرى بشأن المبادرة ‏والمصالحة. وهى أول رد رسمى فى مصر على المبادرة.‏
أولًا: أؤكد أننى لم أعد إلى الإخوان المسلمين، ولم أجتمع مع أحد من قياداتهم على الإطلاق، ولن أعود إلى تنظيم الإخوان بعد كل ما حدث، ولا أتكلم باسم المجلس القومى لحقوق الإنسان. ولم أقل شيئًا ‏خارج مصر لم أقل به داخل مصر. ولكننى أحمل المشروع الإسلامى وأدافع عنه، كما يحمل غيرى مشروعًا ناصريًا أو قوميًا أو اشتراكيًا أو شيوعيًا أو ليبراليًا قل ما تشاء.‏
وهنا أؤكد كذلك أننى ألتقى مع أى مصرى يريد خيرًا لمصر، وكل عربى يريد خيرًا للأمة العربية كلها، وكل من ينتمى لهذه الأمة الإسلامية جميعًا.. كما أننى أوضح هنا فى هذا المقام، أننى عندما ‏استقلت من جماعة الإخوان المسلمين، كانوا فى صعود سياسى ولم يكونوا فى محنة أو محن كما هم اليوم، وقد شاركت عن إخلاص فى ثورة ٣٠ يونيو التى لا يزال بعضهم يسميها انقلابًا، كما شاركت من ‏قبل فى ثورة ٢٥ يناير العظيمة التى قامت ضد الدولة العميقة فى مصر. وقد شاركت فى لجنة الخمسين لوضع الدستور، وقبلت عضوية المجلس القومى لحقوق الإنسان، حبًا منى فى النهوض بمصر بعد ‏عقود من الفساد والتخلف والتشريد والمنافى. وأنا ضد عودة الدولة العميقة مرة أخرى.‏
ثانيًا: أقول إن الوزير سامح شكرى، قال كلامًا مهمًا جدًا وهذا يستلزم التعليق الجاد، حيث قال الوزير المحترم إن: مصر لكل المصريين طالما التزموا بالقانون.. لا مصالحة مع من استباح دماء ‏المصريين ورفع السلاح فى وجوههم وحاول سلب إرادة الشعب.. لا مصالحة مع جماعة أو تنظيم غير رسمى. وأنا معه فى كل هذا، ولا يخالف فى ذلك عاقل أبدًا وإن تعددت التفسيرات.‏
ثالثًا: مبادرتى لم تكن قصرًا على مشكلة الصراع بين الإخوان والسلطة فى مصر، ولكنها كانت مبادرة لإحلال السلم المجتمعى فى الأمة كلها، بدءًا بمصر باعتبارها أكبر الدول وباعتبار مكانتها. وتشير ‏المبادرة أيضًا إلى ضرورة اتباع منهجية الحوار بدلا من الصراع، وتحديد العدو الحقيقى للأمة وليس المتوهم، حتى نوجه كل الطاقات البشرية والمادية إلى ذلك العدو، وإلى بناء مستقبل يليق بهذه الأمة، ولا ‏يرفض ذلك عاقل.‏
رابعًا: أنا أتحدث فى المبادرة عن الذين لم يرتكبوا جريمة واحدة مما أشار إليها الوزير المحترم، ومنهم ملتزمون بالقانون ولم يرفعوا سلاحًا، ولم يحاولوا سلب إرادة الشعب، بل كانوا ضد دخول الإخوان ‏إلى السلطة فى سنة ٢٠١٢ وكانوا ضد رابعة والنهضة، وضد العنف بجميع أشكاله.‏