رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معبود الجماهير.. أيام الوعظ والسلطنة «16»

محمد الباز يكتب: السادات بين كشك وعدوية.. «خرج حبيبي ولم يعد»

محمد الباز
محمد الباز

عدوية لم يكن المطرب المفضل لدى السادات كما ذكر المغنى فى حوار له.. والرئيس ‏كان صاحب «ذوق رفيع»‏

الشيخ كشك لم يكن مغضوبًا عليه فى عهد السادات بل كان ضيفًا على لقاءات الرئيس ‏وشيخ الأزهر


لم أصدق أحمد عدوية عندما قال إنه كان المطرب المفضل للرئيس السادات. ‏

المغنى كان يدافع عن نفسه، يقول: كيف يقولون إننى صاحب ذوق هابط.. وأنا الذى غنيت فى عيد ميلاد الرئيس السادات، وكنت مطربه المفضل، فهل كان الرئيس الراحل صاحب ذوق هابط؟ أنا ‏غنيت أكثر من مرة فى بيته بقرية ميت أبوالكوم، وأحييت فرح ابنة شقيقته، فكيف يقولون إن ذوقى هابط؟ ‏

الكلام كان انفعاليا جدا، وربما لهذا لم أصدقه، فإن يغنى عدوية فى عيد ميلاد السادات، فليس معنى هذا أن يكون هو مطربه المفضل، خاصة أنه، ورغم حكايات السادات الكثيرة مع أهل الفن ‏والغناء، لم أجد حكاية خاصة تربطه بعدوية. ‏

كان معروفا عن الرئيس السادات أنه طلب بليغ حمدى أكثر من مرة لأن مزاجه رائق ويريده أن يدندن له بالعود شوية تقاسيم كما قال هو.‏

وعندما ذهب إلى كامب ديفيد حمل معه أفلام فريد الأطرش، وكان يعجبه غناء فريد وأسمهان جدا، بل كان فيلمهما «انتصار الشباب» فيلمه المفضل.‏

صافحته السيدة أم كلثوم فى واحدة من المناسبات العامة، وقالت له عاتبة: بيقولوا يا ريس إننا زعلانين من بعض؟ فرد عليها بخفة ظله المعهودة: خلى اللى يقول يقول يا ست. ‏

هذه حكايات أثبتها من الذاكرة الآن وغيرها الكثير الذى يجمع بين السادات ونجوم الفن والطرب، ولا أتذكر أن عدوية كان طرفا فى حكاية بطلها السادات أبدا، لا أستبعد أن يكون الرئيس المثقف، ‏صاحب المزاج الفنى الرائق دائما، قد أعجبه عدوية، استمع منه إلى أغنية أو أغنيتين فلفت انتباهه، لكنه أبدا لم يكن من بين نجومه المفضلين. ‏

لكن هذا لا يمنع أن السادات كان مهتما بظاهرة عدوية، كما كان مهتما بظاهرة كشك تماما. ‏

فكما كان الواعظ خادما مطيعا فى بلاط السادات، ومحققا له أهدافه الكبرى، فإن عدوية بهذا المنطق أيضا كان أحد مساعدى السادات فى إخضاع الناس، فقد شغلهم وملأ حياتهم، وكان مثار ‏أحاديثهم، وبمثل هذه الأشياء يستطيع من يحكمون أن يمسكوا بخيوط الرأى العام، بل ويمكنهم توجيه الناس إلى الوجهة التى يريدونها. ‏
الفارق بين كشك وعدوية، أن الواعظ استفاد من استخدام السادات له وأفاد جماعة الإخوان، حيث أصبح بوقا للترويج لها، أما عدوية فقد استفاد لنفسه فقط، حيث منحه المناخ الذى حرص السادات ‏على ترسيخه، فرصة للصعود، ناسبت ذوقه، وهو ما يجعلنى أقول إن اتهام عدوية بأنه صاحب ذوق هابط ظلم بيّن له، لأن السياق العام كان يسمح بحدوث هذا الهبوط، سواء فى الغناء أو الدعوة. ‏

قد يأخذك العجب من هذه المقارنة التى ترى أنها غير مناسبة، لكن لدىّ ما هو أكثر، وأعتقد أنه سيقودنا فى النهاية إلى الفكرة الأساسية التى أتبناها هنا، وهى أن كشك لم يكن واعظا مستقلا أبدًا، ‏ولم يكن صاحب موقف خاص أبدًا، ولم يكن كل ما يقوله لوجه الله فقط، ولكنه كان أداة من أدوات السياسة، التى استخدمها السادات مرة واستخدمتها جماعة الإخوان المسلمين مرات. ‏

كان كشك وحتى العام ١٩٨١ وهو العام الأخير فى حياة الرئيس السادات ضيفا مرحبا به فى المناسبات الرسمية، بل وكان يدعى إلى لقاءات الرئيس ولقاءات شيخ الأزهر، فلم يكن مبعدا ولا ‏مستبعدا ولا مغضوبا عليه، وحتى عندما غضب السادات منه، لم يكن الأمر بسبب ما قاله، ولكن بسبب أنه تخلف عن لقاء دعاه السادات إليه. ‏

كان الرئيس السادات قد قرر حضور ندوة الفكر الإسلامى التى ستعقد بالإسماعيلية فى رمضان ١٩٧٩، وتم توجيه الدعوة إلى عدد كبير من علماء الدين ورجال الدعوة وكان كشك من بينهم. ‏

يقول هو فى مذكراته عن ذلك: فى يوم من أيام شهر رمضان حمل البريد إلىّ خطابا كتب عليه «عاجل وهام» فوضعته فى مكتبى بالمسجد، وذلك لاشتغالى بشئون المسلمين الذين جاءوا يستفتون ‏فى مسائل تتعلق بالأحكام الشرعية، وأنسانى الله أن أفتح هذا الخطاب لأعرف ما فيه، وبعد أيام من تسلم الخطاب تذكرته، ولما قرئ علىّ عرفت أن فيه دعوة موجهة من وزير الإعلام إلى الدعاة ‏الإسلاميين لحضور اجتماع مع رئيس الجمهورية فى استراحته بمدينة الإسماعيلية، وأراد الله أن أفتح الخطاب بعد فوات الموعد، وكأن الحق سبحانه وتعالى أراد أن يكفينى مؤنة التفكير فى قبول ‏الذهاب أوالرفض. ‏

لم تكن الندوة التى حضرها السادات ندوة عابرة، ولكن جرت فيها مواجهة حادة يمكن اعتبارها من المواجهات المهمة والدالة فى تاريخ مصر الحديث، كان عمر التلمسانى مرشد الإخوان حاضرا، ‏استمع بنفسه إلى انتقادات السادات العنيفة لجماعة الإخوان المسلمين، فهى تقف - كما قال – وراء كل عمليات التخريب والعمالة وإشعال الفتنة الطائفية والطلبة. ‏

كان السادات يتحدث بمرارة، فهو الذى أخرج الإخوان من السجون، وأعادهم مرة أخرى إلى وظائفهم، بل وقام بتعويضهم عن سنوات سجنهم، وأصبحوا جلساءه بعد أن كانوا مبعدين، وبدلًا من أن ‏يردوا له الجميل، وقفوا ضده بعد اتفاقية كامب ديفيد، ولم يكن موقفهم حقيقيا، أخذوا من اعتراض فئات عديدة من الشعب على الاتفاقية والصلح مع إسرائيل حجة للانقلاب على السادات، وهو ‏الانقلاب الذى كان سيحدث حتما. ‏

على استحياء وقف عمر التلمسانى وقال للرئيس السادات: لو أن أحدا غيرك وجه إلىّ هذه الانتقادات لشكوته إليك، أما وأنت صاحبها فإننى ليس أمامى إلا أن أشكوك لله أحكم الحاكمين وأعدل ‏العادلين، لقد آذيتنى يا رجل. ‏

لعب التلمسانى مع السادات لعبة نفسية أجادها، كان يعرف أن الرئيس يخشى من الله، فوضعه وجهًا لوجه أمامه، ارتبك السادات، وقال على الفور ربما دون أن ينتبه إلى لعبة مرشد الإخوان: أنا لم ‏أقصد الإساءة إلى الشيخ عمر ولا للإخوان، اسحب شكواك يا شيخ عمر.‏

لم يكتف السادات بذلك، بل قيل إنه أرسل الدكتور عبدالمنعم النمر، وزير الأوقاف، ومنصور حسن، وزير الثقافة، لترضية عمر التلمسانى. ‏

كانت العلاقة بين السادات والإخوان معقدة ومتشابكة، ولا يمكن حسمها بكلمة، ولذلك تعالوا مرة أخرى نقابل كشك الذى لم يذهب إلى لقاء السادات لا لشىء، إلا لأنه لم يفتح الرسالة التى جاءته، فقد ‏حاول بعد ذلك أن يصنع لنفسه أهمية لم تكن موجودة أيضا. ‏

ولأننا نتحدث عن صناعة البطولة والأهمية، فلا بد أن نفتح مذكراته مرة أخرى، يقول كشك: بعد أيام من هذا اللقاء وجه شيخ الأزهر (كان وقتها محمد عبدالرحمن بيصار) إلى رجال الدعوة ‏الإسلامية للبحث فى طريق الدعوة ووضع منهج للدعاة، وكنت واحدا من الذين وجهت إليهم الدعوة، وكان مكان اللقاء فى إدارة الأزهر، وبعد أن انتهى الاجتماع وهممت بالانصراف أخذ شيخ ‏الأزهر بيدى إلى مكتبه، ليدور بينهما الحوار التالى: ‏

بيصار: لماذا أغضبت الرئيس منك؟ ‏
كشك: لا أدرى وأريد أن توضح لى الأمر ‏
بيصار: لماذا لم تذهب إلى الاجتماع الذى دعاك إليه فى الإسماعيلية فى رمضان؟
كشك: لأن الله أراد ألا أحضر، فأنسانى أن أفتح الخطاب حتى فاتنى الموعد المضروب، لكن ما الذى أعلم فضيلتكم أنه غاضب منى؟ ‏

بيصار: لقد كنت أجلس عن يمينه، وقد سأل وزير الإعلام وقال له: ألم يحضر؟ فقال له الوزير: نعم لم يحضر، فهز الرئيس رأسه غضبًا. ‏

كشك: يا فضيلة الشيخ ولماذا لم تحاول أن تقول كلمة تطفئ بها غضب القلوب ‏
بيصار: تستطيع أن تقدم الآن اعتذارًا عما حدث ‏
كشك: وهل أخطأت حتى أعتذر؟ ‏
بيصار: ألا تعلم أننا نعيش فى ظل الرئيس ورعايته؟ ‏
كشك: لا... إن ولىّ الله الذى نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ‏
الكلام هنا على لسان الشيخ كشك فى مذكراته، والرواية على مسئوليته وحده، ولأننى أتشكك فى كل ما قاله، فإننى أضع هذه الرواية على محمل الشك الكامل، فحتى لو سأل الرئيس وزير الإعلام ‏عن أحدهم، واستفسر منه هل حضر أم لم يحضر، فليس ضروريا أن يكون هو الشيخ كشك نفسه. ‏

سأضع شكى جانبًا، وسأتعامل مع الواقعة على أنها صحيحة، وهو ما لن يكون فى صالح الشيخ أيضا، فمعنى أن الرئيس السادات يغضب منه لأنه لم يأت إلى اللقاء ولم يحضره، فمعنى ذلك أن ‏هناك مساحة من الود، على قدرها كان الغضب والعتاب. ‏

قلت لكم إن كشك ظل خادما فى بلاط الرئيس السادات حتى وقعت واقعة كامب ديفيد، فسار فى مسارات جماعة الإخوان فى تأليب الرأى العام على الرئيس، وتغذية نار الفتنة الطائفية، وشحن ‏الشباب ضد النظام لن أبتعد كثيرا عما يقوله الشيخ كشك نفسه. ‏
كانت الدولة ترصد كل ما يقال ويكون من شأنه صب الزيت على نار الفتنة الطائفية، وكانت تغض الطرف عنها أحيانًا، لكن ليس معنى ذلك أنها لم تكن تراها. ‏

يحكى الشيخ كشك ما يمكن أن يكون دليلنا على ما نقول. ‏

يقول: فى سنة ١٩٨١ تلبدت السماء بالغيوم وغابت الشمس واكفهر الأفق، وذلك عندما وقع صدام بين المسلمين والنصارى على أرض مسجد النذير فى حى الزاوية الحمراء فى ١٧ يونيو ١٩٨١، ‏وسالت دماء وتحركت عواصف الفتن وأنذر الجو بأوخم العواقب. ‏
كان كشك وقتها فى إجازته السنوية، ولما سمع بما جرى وكما قال هو: قلت إن هذا لشىء يراد، وسألت ربى اللطف فيما جرت به المقادير، فقد كانت كل الأحداث تشير إلى أن هناك أمورًا ستقع، ‏وتحركت الأحداث، وبعد أن انقضى رمضان (كان الشيخ قد صال وجال فيه ضد المسيحيين والبابا شنودة) فوجئت بتحقيقات موجهة إلىّ لم يسبق لها مثيل. ‏

كان التحقيق مع كشك فى الغالب يدور حول خطبة واحدة، لكنه فى ١٩٨١ دار حول عشر خطب، كان قد صال وجال فيها فيما جرى فى الزاوية الحمراء، وكان خطابه تحريضيا بشكل كامل، ‏وبعد أن انتهت التحقيقات تم صرفه دون اتخاذ أى إجراء معه، وكأن التحقيق كان روتينيا ولا شىء أكثر من ذلك. ‏
بعد هذا التحقيق استدعاه وزير الداخلية النبوى إسماعيل، ودار بينهما هذا الحوار. ‏

النبوى: هل ذهبت منذ أيام إلى أسوان وألقيت محاضرة دينية هناك؟ ‏
كشك: إن كان ذلك حدث فقد علمته، إننى لم أذهب إلى هناك وبالتالى لم أحاضر؟ ‏
النبوى: ما المنهج الذى تسير عليه؟ ‏
كشك: أنا أستمد منهجى من كتاب الله وسنة رسوله. ‏

كان حديثا قصيرا مقتضبا، لكنه كان يشير إلى أن كشك لم يعد متعاونا مع نظام السادات، وأن ولاءه لجماعته هو الذى يحركه، ولذلك كان طبيعيا أن يستدعيه النبوى إسماعيل مرة أخرى، ويسأله فى ‏شكوى تقدم بها أحد الدعاة ضد كشك يتهمه فيها بأنه يحرض على المسيحيين فى خطبه المنبرية، ويسخر من دينهم فى دروسه. ‏
كانت الشكوى تعبيرًا عن رفض لمنهج كشك وطريقته وتحديدًا فيما يتعلق بالمسيحيين، لكنه اعتبرها شكوى كيدية وأن هناك من يحقد عليه ويريد له أن يصمت، رغم أنه وتطبيقا لشرع الله كان من ‏المفروض أن يصمت، فالله لا يحب من يشعلون نار الكراهية بين الناس، ولم يكن كشك يفعل أكثر من هذا. ‏

المفارقة أن السادات لم يذكر اسم كشك إلا مرة واحدة، فى خطابه الشهير فى ٥ سبتمبر، قال نصًا: الأخطر من كده إنهم استدعوا الشيخ كشك ولما لم يحضر قاموا بالمظاهرات، وانتم عارفين ‏الشيخ كشك بيعمل إيه. ‏

كان الرئيس السادات يقصد ما جرى فى جامعة المنيا، فقد أراد مجموعة من الطلبة أن يقيموا حفلا ساهرا يشارك فيه عدد من المطربين، لكن الطلبة الذين ينتمون إلى الجماعات المتشددة ومن بينها ‏الإخوان رفضوا إقامة الحفل، وقاموا بطبع إعلانات قالوا فيها إن الشيخ كشك سيحضر إلى الجامعة لإلقاء محاضرة دينية، توافد على الجامعة عدد كبير من الطلاب فى هذا اليوم، وقبل موعد لقاء ‏الشيخ بالطلاب بقليل، وجدوا طالبا من بينهم يقول إن رجال الأمن منعوا الشيخ وهو فى الطريق لإلقاء المحاضرة، فانفجرت المظاهرات. ‏

الغريب أن وزير الداخلية عندما واجه الشيخ كشك بهذه الواقعة التى وصلت إلى الرئيس، قال له إنه لم توجه له دعوة ولم يسافر ولم يمنع، فكيف تكتب عنه هذه التقارير، فوعده النبوى إسماعيل أن ‏يصحح الصورة بنفسه للرئيس حتى لا يبقى فى نفسه أثر تجاه الشيخ. ‏

ما قاله الشيخ كشك يمثل إدانة وليس صك براءة، فوزير الداخلية شخصيًا يتحدث معه ويحاوره، بل ويعده أنه سيتحدث مع الرئيس مصححًا له موقفًا غضب بسببه من الشيخ، وهو يشير للمرة الثانية ‏إلى أن كشك كان من أهل البيت السياسى فى هذه الفترة ولم يكن غريبا عنه أبدا. ‏

الصفقة كانت واضحة، وأعتقد أن كل الأطراف حققت أهدافها كاملة منها. ‏

الرئيس استخدم لسان كشك ليهدم الصورة الكبيرة التى رسمها الناس للرئيس جمال عبدالناصر فى قلوبهم، أطلقه على كل من كانوا يمثلون رموزا فى فترة عبدالناصر، فشوه صورتهم بشكل كامل ‏حتى لا تقوم لهم قائمة، وأطلقه أكثر على الفنانين والمثقفين والكتاب والمفكرين حتى يؤكد للجميع أنه حامى حمى الدين. ‏

وربح الشيخ فى هذه الصفقة بناء مجده الذى لم يكن يحلم به، ثم إنه وهذا هو الأهم ربح مساحات كبيرة جدا لجماعته، فلم يكن تشويه عبدالناصر يتم لصالح السادات فقط، ولكنه كان يتم أيضًا لصالح ‏جماعة الإخوان، التى اجتهد الواعظ فى تصوير المظلمة التى تعرضت لها، ولأن الساحة كانت خالية أمام كشك، فقد استخدم خياله بشكل جامح، فألف الحكايات ولفق الأكاذيب، فربحت الجماعة ‏تعاطفا كبيرا من جموع الشعب التى نجح كشك فى تصويرها على أنها جماعة الإسلام، وأن عبدالناصر كان يريد أن يقضى عليها، لأنه كان يريد أن يقضى على الإسلام. ‏

بالقرب من هذه الصفقة التى ربح فيها الرئيس والواعظ، كان عدوية موجودًا فى مساحة أخرى، ربح هو أيضا، لكن دون أن يكون فى حاجة إلى عقد صفقة مع الرئيس، فقد كان وجوده مهما فى ‏سياسة الإلهاء الكبيرة التى كان يريدها السادات. ‏

لم يشغل عدوية نفسه بالمهمة التى كانت مطلوبة منه، بل سأكون صادقا معكم، عندما أقول لكم إنه لم يكن يعرف أن شيئا مطلوبا منه أساسا، ولذلك لم نجده يتحدث كثيرا لا عن دور ولا قيمة خارج ‏فنه وما قدمه.‏

استطاع كشك أن يفلت من المصيدة، فلم يحمله أحد على رجال السادات، وقد تكون هذه هى المرة الأولى التى يجد رجال كشك شيخهم فى هذه المساحة، لكن عدوية لم يستطع أن يفلت منها أبدًا، ‏فقد دفع ثمن أنه ظهر فى عهد السادات، فلا تهاجم سياسات الانفتاح إلا ويذكر عدوية، ولا تأتى سيرة السفه الاستهلاكى إلا وكان عدوية علامة عليه، ولا يتحدث أحد عن الابتذال فى عهد السادات إلا ‏ويكون عدوية هو الدليل الكامل على ذلك.

هل تذكرون فيلم «خرج ولم يعد»؟
الفيلم الذى أخرجه محمد خان ولعب بطولته يحيى الفخرانى فى العام ١٩٨٤، كانت تيمته الأساسية هى التدليل على الابتذال بعدوية وصوته وأغنياته، بل إن بطل الفيلم كان يعتبر عدوية رمزًا ‏لتوحش المدينة وعشوائيتها، فعندما كان يغادر القرية بهدوئها وسلامها إلى المدينة كان يهتف: «جايلك يا مصر... جايلك يا أحمد يا عدوية». ‏

لم يلتزم عدوية الصمت فى مواجهة منتقديه، فالضربة كانت عنيفة هذه المرة، ولذلك رد بأغنية لحنها له فاروق سلامة وكتبها بهجت قمر، وغناها عدوية فى العام ١٩٨٦ بعد عامين تقريبا من ‏الفيلم. ‏

تقول الأغنية: حبيبى من بعد الوفا القلب على سهوة اختفى ده تقل ده ولا جفا حلوها يا أهل الفلسفة يا أهل الهوى يا أهل البلد محسوبكم فى الحب اتحسد يا منادى نادى فى البلد خرج حبيبى ‏ولم يعد أسمر وغاوى شكسبير وليه فى بيتهوفن كتير وعينوه من قسمتى فى الفن على درجة مدير من يومها على سهوة اختفى من بعد ما رسم الجفا خرج حبيبى يا خلق هو ولم يعد وفيه ‏سؤال لماذا هذا ما الذى كنا سوا فى أحلى حال هل منه ده قلة وفا ولا محبة أو جفا. ‏

لم يكن فى هذه الأغنية أى أثر لروح عدوية، لكنه غناها فيما يبدو حتى يرد حقه، وحتى يتخلص ولو قليلًا من تهمة لا تزال تلاحقه حتى الآن بأنه كان يترجم كل سوءات عصر السادات كلمات ‏وألحانًا وغناء، رغم أنه فعليًا لم يكن كذلك.