رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد الباز يكتب: كشك.. خادم السادات المطيع

محمد الباز يكتب
محمد الباز يكتب

- الشيخ كشك كان أداة السادات الدينية لطمس فترة عبدالناصر وسلاحه ضد المثقفين والفنانين
- السادات أمر باعتقاله بسبب تهديده للوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى وليس لمعارضته الرئيس
قد يكون مناسبًا هنا أن يتراجع أحمد عدوية قليلًا، رفيقه فى رحلة الكتابة الشيخ كشك يبدو أنه سيواجه الآن أزمة كبيرة واتهامات لم يرفعها أحد فى وجهه من قبل، وحتى يطمئن المغنى الشعبى على صديقه الواعظ، فإن ما سأتحدث به ليس اتهامات، ولكنه قراءة مختلفة لظاهرة الشيخ، أعتقد أنها لن تسعد مريديه، لأنها تكشف بهدوء كم الزيف الذى عاشوه فى ظلال الرجل الذى تم تصديره على أنه بطل ومناضل يقاوم كل الأنظمة ولا يعمل إلا لوجه الله فقط، رغم أنه لم يكن كذلك طول الوقت.
سألت: هل يمكن اعتبار الشيخ كشك عميلًا لجهاز أمن الدولة؟
هنا لا بد من تقسيم رحلة كشك الدعوية إلى مراحل، فقد بدأ وهو طالب فى جامعة الأزهر من خلال مساجد الجمعية الشرعية، وهى مرحلة لا يمكن القياس عليها بشىء، فلم يكن معروفًا، بل يمكن اعتباره وقتها مجرد خطيب مسجد يتنقل بين المساجد بحثًا عن رزقه.
المرحلة الثانية قضاها بين مسجد الطيبى وجامع الملك فى منطقة دير الملاك، وهى مرحلة أصبح فيها خطيبًا رسميًا فى الأوقاف، يخضع لتعليمات الوزارة ويعانى من رقابة مفتشيها.
انتهت هذه المرحلة فى العام ١٩٦٤ لتبدأ مرحلة انتشار معقولة فى القاهرة، قبل أن يتم القبض عليه فى العام ١٩٦٦، وقد روج هو بأنه اعتقل بسبب رفضه إهدار دم سيد قطب، رغم أن السبب الأساسى أن كشك كان يروج لجماعة الإخوان من فوق منبره، ويقنع الناس بشخصية حسن البنا، ومن بعده سيد قطب ولمشروع جماعة الإخوان.
خرج كشك من سجنه فى العام ١٩٦٨ ليعيش مرحلة يمكن اعتبارها مرحلة كمون وهدوء، ولا يستطيع أن يحتج علينا أحد بأنه خرج من سجنه مباشرة، معلنًا الحرب على عبدالناصر، لأن خطب الشيخ فى المراحل السابقة ليست مسجلة ولا موثقة، فقد بدأ الاهتمام بتوثيق خطبه بداية من السبعينيات، وكان لهذا غرض معلوم.
المرحلة الأهم والأكثر إثارة فى حياة كشك الدعوية، مرحلة السبعينيات، وقد يكون هذا ما جعلنا نزاوج بينه وبين المطرب الشعبى أحمد عدوية الذى انفجرت شعبيته بداية من السبعينيات من ناحية، ثم نلتفت إلى حقيقة علاقته بالرئيس السادات من ناحية أخرى.
ظل كشك نجمًا ساطعًا من نهايات العام ١٩٧٠ عندما توفى عبدالناصر إلى أغسطس ١٩٨١ عندما ألقى آخر خطبة من فوق منبره، حيث ألقى القبض عليه بعدها ضمن مجموعات أدخلها السادات السجن فيما عرف بعد ذلك باعتقالات سبتمبر.
ستقول لى: كيف يستقيم ما تقوله من أن كشك كان عميلًا لأمن الدولة، وفى نفس الوقت يتم اعتقاله من قبل أجهزة السادات الأمنية، ألا يعد هذا تناقضًا كبيرًا، وهدمًا للفرضية التى تبنى عليها ما تقوله من الأساس؟
لن أطلب منك أن تقتنع بما أقوله لك الآن، اصبر قليلًا، لأن القصة طويلة، ربما بأكثر مما تتخيل.
هل أعود بكم إلى هذا اليوم؟
٢١ أغسطس ١٩٨١، اليوم الذى يمكن التعامل معه على أنه شهر العسل الطويل الذى عاشه كشك فى كنف الرئيس السادات.
نحن الآن فى مسجد الشيخ كشك، هكذا كانوا يطلقون على مسجد «عين الحياة»، كل شىء كان على اسم الشيخ، حتى محطة الأتوبيس التى ينزل الناس فيها متجهين إلى المسجد أصبح اسمها محطة الشيخ كشك.
يخبرنا كشك نفسه فى مذكراته عما جرى فى هذا اليوم: «صعدت المنبر وكنت أشعر وأنا أصعد درجة بسخونة الأحداث وارتفاع درجة حرارتها، فقد كان كل شىء ينذر بوقوع أشياء جسيمة وخطيرة، ورأيتنى فى مقدمة الخطبة أصرخ بأعلى صوتى: اتق الله أيها الظالم، فالليل مهما طال فلا بد من طلوع الفجر، والعمر مهما طال فلا بد من دخول القبر، وإذا غرّتك قوتك فانظر إلى قوة العزيز الجبار من فوقك، اتق الله فالبر لا يبلى، اتق الله فالذنب لا ينسى، اتق الله فالديان لا يموت، اعمل ما شئت فكما تدين تدان».
دراويش الشيخ كشك عندما رفعوا هذه الخطبة على اليوتيوب، وضعوا لها عنوانًا دالًا جدَا، وهو «آخر خطب الشيخ كشك التى تحدى فيها السادات وأمر بعدها باعتقال الشيخ».
المفروض أن تجد تحديًا من الشيخ كشك للسادات فى هذه الخطبة، أن يأتى على ذكره بالاسم، كما كان يفعل مع الآخرين، أن يسبه ويلعنه كما كان يفعل مع الآخرين، أن يواجهه برأيه فيه ويطالبه بأن يتراجع عما فعله.
حاول أن تستمع إلى هذه الخطبة بنفسك، لن تجد فيها شيئًا من هذا، ولا العنوان الذى تحمله الخطبة على اليوتيوب، ولا تلتفت حتى إلى ما قاله الشيخ كشك فى مذكراته، من أنه ظل يردد كلمات فيها الوعيد للظالمين، وكأنه كان يلقى خطبة الوداع.
كانت الخطبة عادية، تحدث فيها عن العدالة الاجتماعية فى الإسلام، واستشهد بحياة الخليفة الزاهد عمر بن عبدالعزيز، وقال فيها «إن الإسلام بعدالته وسع الناس أجمعين، وألف برحمته بين قلوب المؤمنين، وأكد أن الله لو أكرمنا ما أهاننا أحد، ولو طبقنا شرعه لرفرفت راية الحبيب محمد على كل بلد، ولو اتبعنا الهدى لله، ما رأيت فى الطريق سائلًا ولا فى البيوت عاطلًا، ولا فى السجون قاتلًا».
ما الذى قاله كشك واعتبره هو ومن جاءوا بعده أنه كان تحديًا للرئيس السادات؟، أعتقد أنهم يقصدون جميعًا ختام خطبته التى قال فيها: «اعمل ما شئت فالموت يعمنا والقيامة تضمنا والقيامة تشفعنا وإلى الله مرجعنا يحكم بيننا وهو خير الحاكمين، اعمل ما شئت فما زالت الأيام شيمتها الغدر وبعد صفو الليالى يحدث الكدر، اعمل ما شئت وإذا غرتك قوتك على ظلم العباد، فانظر إلى قوة العزيز الجبار من فوقك، اعمل ما شئت فالموعد بيننا فى محكمة قاضيها هو الله، ليس فيها مستشارون ولا قضاة ولا عضو يمين ولا عضو يسار ولا ممثل ادعاء، ولا سكرتير نيابة، موعدنا فى محكمة يقول الله فيها للمظلوم تقدّم، ويقول فيها للظالم لا تتكلم».
هل يمكن أن نتعامل مع هذا الكلام على أنه كان موجهًا إلى الرئيس السادات؟
من ظاهر الكلام نستطيع أن نقول إنه يمكن أن يكون عامًا، فهو موجه لكل ظالم، ثم إن كشك لم يذكر كلمة واحدة فى خطبته على طولها، تجعلنا نميل إلى أنه كان يقصد السادات، لا توجد كلمة تمثل خصوصية ولو بالتلميح، ولا يمكن أن نكتفى بما قاله الشيخ عن مقصده، أولًا لأنه كان يتحدث بأثر رجعى، والأحاديث التى تأتى بأثر رجعى تغلب عليها المبالغة دائمًا، ثانيًا: لأن وقائع ما سبق كانت تكذب الشيخ.
حاول كشك أن يصنع لنفسه بطولة مطلقة بعد خطبته تلك، قال: «ختمت الخطبة وصليت الجمعة وألقيت الدرس بعد الصلاة وانصرفت، ولم أكن أدرى أن هذه آخر خطبة وأن هناك نيّات بيتها الحاكم، وأن الرياح تأتى بما لا تشتهى السفن، ولكن الإيمان يهون دونه كل شىء».
سيق الشيخ إلى السجن، لكن تجربة السجن هنا ليست موضوعنا، ذكرها سيأتى فى موضعه.
ما يهمنى الآن هو: لماذا تم القبض على الشيخ كشك ضمن من تم اعتقالهم فى سبتمبر ١٩٨١، وهل جرى عليه ذلك لأنه بالفعل كان يعارض الرئيس السادات؟
ما قاله الرئيس السادات فى خطاب ٥ سبتمبر الذى أعلن فيه إجراءات تحفظه على بعض الأشخاص، يمكن أن يضع يدنا على جريمة كشك.
يقول السادات الذى وقف يتحدث من على منصة مجلس الشعب: «قررنا أولًا حظر استغلال الدين لتحقيق أهداف سياسية أو حزبية، وحظر استغلال دور العبادة لهذا الغرض أو فى المساس بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعى أو سلامة الوطن، فلا سياسة فى الدين، ولا دين فى السياسة».
ثانيًا: التحفظ على بعض الأشخاص الذين توافرت قبلهم دلائل جدية على أنهم قد ارتكبوا أو شاركوا أو جندوا أو استغلوا على أى صورة كانت الأحداث التى هددت الوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعى أو سلامة الوطن.
تهمة كشك التى دخل بسببها سجن السادات، لم تكن معارضة الرئيس، أو الوقوف أمامه، ولكن لأنه كان واحدًا من الذين يهددون الوحدة الوطنية بما يردده من على منبره.
هل تريدون دليلًا على ذلك؟.
ادخل بنفسك إلى اليوتيوب، وابحث عن فيديو عنوانه: اهتزاز المسجد بعد إعلان الشيخ كشك ترحيبه بالإعدام من السادات، وقبل أن تسرح بخيالك وتتوقع أن حوارًا دار بين الرئيس والشيخ هدده خلاله بأنه سيعدمه، أقول لك ببساطة إن الأمر أقل من هذا بكثير.
اسمع معى أولًا، يقول كشك: ذهبت إلى الاجتماع أو الاستدعاء إلى ذلك المسئول بوزارة الأوقاف، ولكنى لم أجد ما كنت أتوقع، ذهبت والعرق يتصبب منى فى حر الظهيرة، ودخل المسئول قادمًا من الإسكندرية وهوائها المنعش، وعندما سُئلت وجدت أن الأسئلة غريبة: مالك ومال النصارى؟ وما هذا الذى تقوله عنهم؟ ثم بعد ذلك ازداد غضبه وعلا صوته وأخذ يضرب مكتبه بيده، وخرجت آسفًا بعد أن تابعت الوعد والوعيد، وسمعت التهديد بالاعتقال، ووجدته يقول لى: هناك حبل المشنقة أيضًا، فقلت له: مرحبًا بالمشنقة فى طاعة الله رب العالمين.
لست فى حاجة لأن أقول لك إن المسجد اهتز من أصوات المصلين، إعجابًا بالشيخ الذى يتحدى حبل المشنقة، دون أن ينتبه أحدهم أن من يهدده ليس رئيس الجمهورية، ولكنه موظف عادى فى وزارة الأوقاف، يحقق مع موظف لديه أقل منه شأنًا، لكن من يحاولون صناعة بطولة للشيخ يجعلون المواجهة بينه وبين رأس الدولة، وهو ما يمكن اعتباره تضليلًا كاملًا، يقع الناس ضحية له، ويخرج الشيخ منه منتصرًا.
يمكن أن تقول وما ذنب الشيخ؟ إن مريديه ومحبيه هم من يفعلون ذلك؟
سأقول لك: لم يكن كشك بريئًا أبدًا، كان يأتى بأشياء ليوحى لمن يستمعون إليه بأنه مستهدف وبأن الدولة المصرية كلها تقف فى مواجهته وحده.
فى واحدة من خطبه - وأرجوك أن تكتم ضحكاتك - قال: «أتدرون أين يوجد هذا المسجد؟ إنه فى دير الملاك، هناك عيون ترقبكم، وتعدكم فردًا فردًا، وعندما قطع الصوت فى المسجد الجمعة الماضية كان يصلى معنا شاب نصرانى، ولم يستطع أن يركع أو يسجد، وكلما ذكرت اسم المصطفى محمد كان يسخر، أمسكنا به وعرفناه، وأنا أقول لكم، إذا رأيتم أسراب الفاندوم تحلق فوق رءوسكم بقنابلها المدمرة، فاثبتوا فى أماكنكم، ولو قذف المسجد بالقنابل لما تحركنا خطوة... واعلموا أن هناك عناصر كافرة مندسة بين المصلين».
هنا صرخ المصلون السذج، فالشيخ كشك فيما يقوله كان يركب حصان خياله تمامًا، فحتى لو افترضنا أن هناك أجهزة أمنية فى الدولة تريد أن تدس عناصر داخل مسجده، فهل يمكن أن تبعث بعناصر مسيحية يمكن أن يكشف أى عابر أمرها؟
لم يكن أحد يفكر فيما يقوله كشك، كانوا يستقبلون ما يقوله بحالة هستيرية غريبة الشأن، الأغرب أنك يمكن أن تجد هذا المقطع الصوتى المتهافت على اليوتيوب بعنوان: «الشيخ كشك يهدد السادات: أقسم بالله لو قذفتم المسجد بالقنابل والطائرات ما تحركنا خطوة واحدة».
ستقول لى إن كشك كان عنيدًا ومعارضًا للسادات، وربما تكون فى ذلك معتمدًا على ما سمعته أو لا تزال تسمعه من دراويشه؟
سأقول لك إن الشيخ كشك كان خادمًا مطيعًا جدًا للرئيس السادات، ولا تتعجب عندما أقول لك إنه كان واحدًا من معاونيه ومساعديه فى تنفيذ أهدافه.
فى الجزء ٣٦ من سلسلة كتبه «هنا مدرسة محمد» كتب محمد عبدالله السمان تقديمًا للخطب التى جاءت به، ومن بين ما جاء فى مقدمته، قوله: «فى عهد الرئيس السادات أفاد الشيخ كشك من الغرض الأوفر فى مجال التعبير العام التى أتيحت للعناصر المتعاطفة مع الاتجاه الإسلامى».
تكشف هذه الفقرة من طرف خفى، ما كان يتمتع به الشيخ كشك من مساحة للتعبير عما يريده فى عصر الرئيس السادات، وإن كنت أخالف السمان الرأى، فلم يكن الشيخ كشك من العناصر المتعاطفة مع أصحاب الاتجاه الإسلامى، بل كان واحدًا من أصحاب هذا الاتجاه المؤثرين.
وحتى لا آخذك إلى تفاصيل كثيرة تجعل الفكرة تتوه منك، اسمح لى أن أضع أمامك أربع ملاحظات.
أولًا: كان الشيخ كشك خادمًا مطيعًا للرئيس السادات، لأنه كان أداة من أدواته الأساسية لطمس فترة الرئيس عبدالناصر تمامًا.
كان السادات يعانى أزمة شرعية فى حكمه، فقد جاء بعد رئيس قوى يمتلك كاريزما بلا حدود، سخر منه المصريون، واستخفوا به، أطلقوا عليه النكات، وحتى عندما قال السادات إنه يسير على طريق عبدالناصر، لاحقته النكتة، بأنه يسير على طريق عبدالناصر فعلًا ولكن بأستيكة.
دفع السادات بعدد من الكُتّاب والصحفيين والمؤرخين، لينالوا من عصر عبدالناصر، وكان كشك هو أداته الدينية، وأعتقد أن الواعظ وجد ما عرضه عليه الوسطاء مناسبًا له، فعبدالناصر خصم جماعته الإرهابية التاريخى، ثم إنه سجن وعذب فى عهده، فلا أقل من أن ينتقم منه، وهو ما جرى تمامًا.
كانت لكشك طريقته فى تسويق فكرته عن عبدالناصر، لم يتحدث عنه أمام المصلين كخصم سياسى، أو أنه لجأ إلى محاصرة خصومه، لأنهم دخلوا صراعًا معه على السلطة، ولكن كان يحلو له تصوير عبدالناصر على أنه خصم للإسلام نفسه، وأنه كان يحاول استئصال الإسلام كُلية من مصر، ولأن الواقع لم يكن يسعفه ليفعل ذلك، كان ينسب لناصر ما لم يفعله، ولم يكن غريبًا على كشك أن يلجأ إلى الخيال ليهيل التراب على كل ما يرتبط بعبدالناصر بصلة، وهو ما استفاد منه الرئيس السادات تمامًا.
ثانيًا: كان الرئيس السادات يروج لنفسه على أنه رئيس مؤمن لدولة مؤمنة، وأن دولته دولة العلم والإيمان، ولأنه كان من الصعب عليه محاربة الفن والثقافة التى يرى المجتمع أن فيها أو فيمن يقومون عليها مخالفة دينية، فكان طبيعيًا أن يوجه كشك للهجوم على الفن والفنانين، وسبحان الله لم يتعرض كشك لأى أذى، رغم أنه كان يتطاول على الناس بما يوقعه تحت مقصلة السب والقذف، لكن أحدًا لم يقترب منه، ولا تقل لى إن كثيرين هاجموه، فهذه قواعد اللعبة التى ارتضاها كشك.
ثالثًا: كان الشيخ كشك طائفيًا بشكل كامل، يعادى المسيحيين ربما من اليوم الأول الذى صعد فيه إلى المنبر، لكنه خلال السبعينيات، كان يهاجم المسيحيين ويحط من شأن البابا شنودة، لحساب السادات.
فى واحدة من خطبه قال كشك: «أقول له يا فضيلة الأنبا شنودة، انزع فكرة الزعامة من رأسك، لا تظنن فى يوم من الأيام أنك ستكون رئيس دولة، إن كان فى ذهنك أن تقيم دولة على أرض مصر تمتد من الإسكندرية إلى أسيوط ويربط بينهما خط حديدى، فاعلم أن التاريخ لن يعيد نفسه».
كانت هذه فكرة الرئيس السادات وكلامه عن الأنبا شنودة، ولم يكن غريبًا أن يردده كشك بنفس العبارات، فلم يكن سوى واحد من رجاله، حتى لو روّج بين مستمعيه أنه ليس كذلك.
رابعًا: ستقول إن كشك كان معارضًا شرسًا للسادات بعد معاهدة كامب ديفيد، سأقول لك: هذا ليس صحيحًا أيضًا.
وجه كشك هجومه إلى إسرائيل وإلى مناحم بيجين فقط، وحتى عندما كان يعيب على السادات شيئًا، لم يكن يذكر اسمه أبدًا، اسمعه وهو يقول فى واحدة من خطبه: «إن الذين قالوا إن ٩٩ بالمائة من أوراق اللعبة فى يد أمريكا قد ضلوا ضلالًا بعيدًا، إن أوراق القضية كلها فى يد من لا يغفل ولا ينام».
هكذا دون أن يذكر اسم السادات.
لقد حاول دراويش كشك، صناعة بطولة له فى مواجهة السادات، وهو ما لم يحدث، حتى إنهم نسبوا ما قاله السادات عن الشيخ المحلاوى لشيخهم رغم أنه لم يكن فى جرأة المحلاوى.
وقف السادات فى خطاب ٥ سبتمبر ذاته، وقال فيه: «شيخ جامع فى الإسكندرية بيتعرض لى أنا شخصيًا وعيلتى، يقولوا له قول ومتخافش، هنخليك على المنبر ولا توقفك الحكومة، والله ما هارحمه فى هذا بالذات والسابق واللى جى، ما هارحمه بالقانون».
كان حضور كشك أكثر تأثيرًا، ولذلك تاه المحلاوى فى سيرته، وأصبح أى موقف يأخذه أحد الدعاة ينسب لكشك وحده، وكأنه لم يكن فى مصر غيره.
لن أنكر عليك إعجابك بالشيخ كشك، رغم ما ذكرته لك، لكن من حقى أن أطالبك بالتفكير قليلا فيما جرى، لقد مارس الداعية الدّعِى أكبر عملية تضليل لمستمعيه استمرت لعقود طويلة، وأعتقد أنه آن الأوان لتنتهى.
كان كشك جزءًا من الصفقة الكبيرة التى عقدها السادات مع الجماعات الإسلامية ليكسروا له خصومه من الناصريين واليساريين والشيوعيين، ولأن كشك كان محامى الجماعات الإسلامية، فقد كان محامى السادات أيضًا.