رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المعارضة.. والنظم السياسية


المعارضة السياسية عادة تحمل معنى المضمون التنافسى بين جماعات سياسية لها تصورها الخاص فى كيفية سياسة المجتمع وإدارته للوصول إلى السلطة، وهى تعنى بالأساس مخالفة الرأى السائد سلطويا، فلها أجندتها النضالية الخاصة بها، وهى تستغل التناقضات

بين السلطة والشعب وحالة اللااستقرار والتذمر والاستياء، مما يحدو بالناس اتخاذ مواقف مناوئة للسلطة، ويكون المجتمع المدنى والأحزاب السياسية خارج السلطة تنشط للعمل لمجىء بديل عنه يحلّ محل الفئة الحاكمة، والمعارضة فى هذه الحال طالما تتكئ على الشعب فينبغى عليها أن تكون صادقة معه، لا تكون اللعبة فقط هى وسيلة للوصول إلى السلطة فحسب، وليس لتغيير النهج، ويغدو الفريق الحاكم كالفريق السابق أى «حكومة قيصرية برداء بلشفى» بتعبير بليخانوف فى حالة روسيا.

وأيضا بعد انفضاض الحرب العالمية الثانية، وما حصل من تغييرات كبيرة، حيث كان اختفاء نظم ولّى عهدها، وانبثاق نظم جديدة حلت مكانها.. إنّ الديمقراطية الحقيقيّة هى حراك اجتماعى وسياسى وثقافى مستمر من أجل تحقيق المصلحة العامّة، وصيانتها، والدّفاع عنها فى مواجهة المصالح الذّاتية الضيّقة للماسكين بالسّلطة. ويُعدّ الصّراع السّلمى بين القوى السّياسية من أجل الوصول إلى السّلطة - بحسب قواعد سلميّة عامّة ومثبتة- الآليّةَ الأنسبَ لتحقيق ذلك الهدف، ولُبَّ الحراك الاجتماعى والسّياسى والثّقافى، وجوهره. ممّا يعنى أنّ صراع الأحزاب والقوى السّياسية -فى الأنظمة الدّيمقراطية- من أجل الفوز بالسّلطة والبقاء فيها عن طريق كسب رضا المواطنين؛ هو مؤدٍّ فى النّهاية إلى تحقيق المصلحة العامّة وضمان استمراريّتها. وهذه العمليّة كلّها تفترض وجود قوّة قوى سياسيّة فى السّلطة، تحاول تحقيق برامجها؛ مع الحرص على تحقيق المصلحة العامّة خشية من فقدان رضا المواطنين عليها، وقبولهم بها.

ففى بريطانيا العظمى، يتيح التشريع الرسمى فى الدولة للمعارضة ممارسة نشاطها بملء حريتها. غير أن المعارضة قد ترفض أحيانا النظام السياسى القائم فتتمرد عليه مما يضفى عليها طابع التطرف. وخلاصة القول، تضم المعارضة الأشخاص والجماعات والأحزاب، التى تكون مناوئة، كليا أو جزئيا، لسياسة الحكومة. ثمة دول لا تسمح مطلقا بوجود أحزاب معارضة، مثل: المملكة العربية السعودية، قطر، عمان، الإمارات، وليبيا. فى السياسة مصطلح المعارضة مقترن بالأحزاب السياسية أو أى مجموعات أخرى تعارض حكومة، مجموعة سياسية أو حزب سواء فى منطقة أو مدينة أو دولة. تختلف درجة المعارضة من بلد إلى آخر ومن نظام سياسى إلى آخر، فى الأنظمة السلطوية أو الليبرالية قد تكون المعارضة مقموعة أو مرحباً بها. فى بعض البلدان خاصة فى العالم الثالث قد تتحول المعارضة السياسية إلى معارضة مسلحة وهذا ما قد يسمى تمرداً مسلحاً أو ثورة أو قد تتدهور الأمور لتصل إلى ما يسمى حرب أهلية جملة استبداد الأغلبية تستخدم فى النقاشات حول نظم الديمقراطية وحكم الأغلبية وفيها يتم انتقاد السيناريو الذى يتم من خلاله اتخاذ القرارات من قبل أغلبية ما تحت ذلك النظام ما يضع مصالح الأغلبية فوق مصلحة الأفراد المخالفين لهم. وما من شأنه أن يجعل الفرد فى الواقع مضطهدا تماما كما يتم من قبل طغاة أو مستبدين يساهم وضع حدود على القرارات التى يمكن أن تقدمها أى أغلبية مثل الحدود الدستورية لصلاحيات البرلمان أو استخدام وثيقة حقوق فى النظام البرلمانى بإمكانها عادة الحد من المشكلة، إن مشكلة الأنظمة السياسية الفردية تتركز فى خوفها من تأشير مكامن الخلل فى عملها السياسى وما سيتبعه من إخفاقات عدة تتركز فى الجانب الخدمى وتوزيع الثروات والمساواة فى المداخيل المالية وما شابه، بمعنى أن الخلل لن يصدر من المعارضة بل من ادارة الحكم الفردية التى تبدأ بحالة الاستحواذ على كل شىء وإلغاء نهج المساواة والعدالة فى توزيع الفرص والثروات وحصرها بأفراد الحزب أو الكتلة الحاكمة، من هنا تأتى أهمية أن يكون الحكم ديمقراطيا داعما للمعارضة التى تصوّب الأخطاء وتراقب الذلل لتشكل حماية دائمة لنظام الحكم وتؤدى دور الموجه والمنبه على الأخطاء والحث على تصحيحها، وفى أحيان كثيرة تشكل المعارضة حكومة ظل داعمة للحكومة الأصل، وبهذا تكون عنصر إدامة وتصحيح ومراقبة إيجابية تهدف الى قمع النفوس «الحاكمة» التى قد تحاول الاستئثار بالسلطة وامتيازاتها وتحصرها بحزبها أو الأفراد المقربين من قادتها كالبطانة والحاشية وما شابه، ناهيك عن إيماننا بأن الأنظمة السياسية التى تدعم المعارضة وترعاها وتنظر لها بعين الشراكة الايجابية لا بعين العدو المتربص بالحكم، هى الأنظمة الأكثر تطورا وقدرة على السموع بشعوبها وأممها إلى مصاف الدول الحكيمة المتطورة. فى حين يعنى غياب المعارضة تخلفا سياسيا مقيتا وخوفا من السقوط والطرد الحتمى من كرسى الحكم وما يتبعه من فوائد ومصالح متعددة، وهو أمر تنبذه التجارب الديمقراطية الناجحة، لذلك غالبا ما نلمس شيوع «حس المؤامرة» بين الأحزاب السياسية التى لا تؤمن بوجود الصوت المعارض لأنها ترى فيه مصدر خطر يهدد امتيازاتها، وبدلا من رعاية هذا الصوت كونه يمثل العين الصائبة التى تؤشر مكامن الخلل السياسى والإدارى الذى يحدث هنا أو هناك.

ولذلك سيظل مبدأ صنع المعارضة السياسية ودعمها ورعايتها من صفات وركائز الأمم المتطورة، فهى تبحث بصورة مؤسساتية دستورية متواصلة عن كيفية صنع أصوات وعيون معارضة تقف بالمرصاد للنظام السياسى كأفراد أو كمؤسسات وتراقب أنشطتها كافة وتمحّص قراراتها بدقة العارف المصيب وتؤشر الذلل وتطرح رؤى التصحيح ومنافذ الحلول وقد يصل الأمر بالدعوة والعمل على إزاحة النظام السياسى الذى لايمتلك القدرة على تلافى الاخطاء ولا يتحلى بإرادة التصحيح والعزوف عن القرارات التى قد تلحق ضررا جسيما بالبنى الحياتية للشعب.

■ أستاذ القانون العام - جامعة طنطا