رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اتهامات وحقائق


سألنى بعض الإعلاميين فى مصر، عن المبادرة التى أطلقتها من لندن، حيث أعالج حاليًا. وتناولت الأسئلة عددًا من النقاط المهمة، وإجاباتى الدقيقة على الأسئلة تؤكد خطأ بعض المعلومات التى ‏وصلت إليهم، وتؤكد أن بعض الحقائق قد زُيفت. ومن ذلك الزعم أو التأكيد أننى عدت إلى تنظيم الإخوان أو عقدت لقاءات مع قادتهم. وفيما يلى الحقائق كاملة.‏

إننى أسعى - من خلال المبادرة - إلى مصالحة وطنية شاملة وكاملة، مع المجتمع، ومع المعارضة بجميع أطيافها حتى نفرغ للبناء، ونقدم مصر للعالم فى صورة إيجابية ونخرص ألسنة ‏المنظمات الحقوقية والمدنية فى العالم التى تفترى على مصر، بما يعود فى النهاية بالخير على المصريين جميعًا.. وهذه المبادرة ليست للصلح بين الإخوان والنظام فى مصر، كما فهم بعضهم ‏بالخطأ، وقد تركت الإخوان فى أوائل ٢٠١٢، عندما كانوا فى صعود سياسى فى مصر ولم يكونوا وقتها فى محنة، ومنذ ذلك التاريخ لا علاقة لى بالإخوان، كما يتصور البعض من أصحاب العقول ‏المريضة، ومن أصحاب الكراهية والحقد فى المجتمع.
ولكننى من أصحاب المشروع الوطنى الإسلامى، كما أن هناك من يطرح مشروعات أخرى مثل الاشتراكية أو القومية أو الناصرية، لا بد ‏من الحوار حول كل هذه الأمور بالحسنى، وليس الصراع الذى يهدم الأمم، والشعوب لها أن تختار.‏
المبادرة تقوم على اقتراح مجلس حكماء من أصحاب الخبرة الكبيرة والروح الوطنية، وممن يحبون مصر ويحبون لها الخير، وعندما يلتقون، من يوافق منهم، يضعون بنود المبادرة ويتصلون ‏بأصحاب الشأن، وبالمناسبة جميع الأسماء المقترحة نُحسن الظن بهم وهم ليسوا من المحسوبين على التيار الإسلامى ولا الثوار، وهم فضلًا عن ذلك من عقلاء الأمة وأصحاب التجربة الكبيرة. وهذا ‏ليس تدخلًا فى شئون مصر، إنما اسْتِفادَة من عقول وخبرات وحكمة المرشحين لهذا المجلس. وحتى أمريكا على اتساعها وكثرة المؤسسات فيها، تستفيد بعقول النابهين من العالم كله، ولا يُضيرها ‏شىء، ولا يعد ذلك تدخلًا فى شئونها.‏

والهجوم على فكرة المبادرة لا مبرر له عند العقلاء، لأنها مبادرة نحو السلم المجتمعى، تخص المجتمع كله وتدعو إلى التخلص من السلبيات، وإهدار الموارد البشرية والمادية، وتوجيه طاقات ‏المجتمع إلى البناء المستقبلى وفق أولويات صحيحة.. وأنا لم أتواصل بعد مع المرشحين لمجلس الحكماء، حتى تهدأ العاصفة التى أثيرت حول المبادرة، والمبنية على سوء الفهم أو الظن، حيث إننى ‏لم أطلب ولم أناد بمصالحة مع الإخوان على الإطلاق، ولا أدرى من أين جاء هذا الفهم. أنا أنادى بمصالحة مع المجتمع كله، وأن يتصالح المجتمع مع نفسه، واستثنيت من ذلك أهل العنف ‏والإرهاب، ونحن جميعًا وراء الدولة والقوات المسلحة والأمن فى مواجهة الإرهاب والقضاء عليه، والحمد لله تعالى أن مصر متماسكة ومتحدة ومجتمعة ضد الإرهاب. ولم تغرق فى الصراع ‏الكبير أو الحروب المدمرة مثل الأشقاء فى العالم العربى. ولكننا نريد أن نخرج من هذا الهم والتحدى إلى مرحلة التنمية والبناء والتفوق، كما خرجت وتصالحت اليابان وألمانيا وجنوب إفريقيا مع ‏نفسها ومع العالم، وأن نتقدم كما تقدموا، وأن تؤدى مصر العظيمة دورها المنشود فى قيادة العالم العربى، والإسهام فى التقدم والحضارة الإنسانية كلها. ‏

وكان للأسف الشديد، التعاطى مع المبادرة كالآتى، الإخوان اعتبروا أننى مدفوع من النظام بالمبادرة، وإعلام مصر فى الغالب اعتبرنى رجعت إلى تنظيم الإخوان العالمى، وأننى مدفوع من ‏الإخوان بخصوص المبادرة. وأما غير ذلك فمنهم، أو الأدق فأكثرهم، فى الداخل أو الخارج، من تفهم الأمر والأوضاع وفهم المراد فهمًا دقيقًا، واتصلوا بى بالإيميل أو الهاتف ليدعموا المبادرة ‏بالصورة التى يتفق عليها مجلس الحكماء عندما يلتقون ويضعون جدول الأعمال والآليات المناسبة والمطلوبة للعمل.‏

أما الاتهامات العديدة، والبلاغات فى النيابة العامة، فسيكتشفون أنها باطلة ولا أساس لها من الصحة، وكلامى كله مسجل، كتابة أو تلفزةً. ولا داعى للمزايدة على وطنية كمال الهلباوى، والكل ‏يعرف أننى استقلت من الإخوان فى مارس ٢٠١٢، وكانت آنذاك ملء السمع والبصر، وكانت فى صعود سياسى، وأننى كنت أستشف الكارثة المقدمين عليها. وأننى تعاونت لمصلحة مصر، سواء ‏فى لجنة الخمسين لوضع الدستور المحترم أو فى المجلس القومى لحقوق الإنسان، من أجل مصلحة مصر فقط، وأن يكون ذلك فى سبيل الله. الغريب حقًا أن بعض أعضاء البرلمان والسياسيين، ‏تطوعوا بالحديث دون فهم المبادرة، وربما دون الاطلاع عليها، وأقول لهم اهتموا بمصر ومسئولياتكم واقرأوا وافهموا قبل أن تتكلموا، جزاكم الله خيرًا.‏

أنا عندما وقفت ضد أخطاء مبارك، كنت واضحًا، وجبهة إنقاذ مصر تشهد على ذلك وقد سقط النظام، وعندما وقفت ضد نظام الدكتور مرسى والإخوان كنت واضحًا، وكانوا هم مع المجلس ‏العسكرى على وفاق وانسجام، وكنت واضحًا عندما وقفت مع ثورة ٣٠ يونيو التى يسميها بعضهم انقلابًا، وعندما أنتقد بعض الأوضاع حاليًا أو أشارك بنصيحة، أكون واضحًا جدًا كذلك، ولو كنت ‏رجعت إلى الإخوان، وهذا لن يحدث، لكنت واضحًا تمامًا، فنحن لا نخاف إلا من الله تعالى، ونخاف على مصلحة مصر والأمة بل والإنسانية، لأن نبينا صلى الله عليه وسلم جاء رحمة للعالمين. وهذا ‏ديننا.‏

المبادرة موجهة إلى المجتمع المصرى كله، وليس مقصودًا بها فئة دون فئة، حتى نفرغ للبناء وعدم ضياع الطاقات والإمكانيات فى غير البناء المستقبلى.. طبعًا وحتى الآن، أنا لم أضع جدول ‏أعمال بعد ولا تفاصيل، ولكن يستثنى من المبادرة كل أهل العنف والإرهاب، ونحن لن نتدخل ولا ينبغى أن يتدخل أحد فى أحكام القضاء، والمحكوم عليهم أمرهم متروك للرئيس السيسى، لعله يُطلق ‏سراح من كان منهم مظلومًا، تحقيقًا للعدالة، ويعفو عمن تاب وأناب واستقام، ونستفيد منهم فى المجتمع كما استفاد المجتمع حاليًا من الدكتور ناجح إبراهيم اليوم فى مصر، ومن الشيخ كرم زهدى ‏وغيرهما، بعد أن كانا من أهل العنف والتطرف. أما الشباب فهم الشغل الشاغل لجميع الأمم، هناك شباب من الإسلاميين بالآلاف فى مصر لم يشتركوا فى عنف ولم يشتركوا فى رابعة ولا ‏المظاهرات بل كانوا ضد ذلك، هؤلاء يحتاجون الفرصة للاندماج الكامل فى المجتمع، حتى لا يتحول منهم أحد من اليأس أو الظلم إلى خانة العنف والإرهاب. وهذا ما قال به الرئيس السيسى أكثر ‏من مرة، وأنا لم أقل فى الخارج بعيدًا عن مصر شيئًا مخالفًا لما قلته فى مصر.. أردت أن أُسهم فى تنمية مصر وبناء مستقبل باهر للمصريين جميعًا. وأفعل هذا حبًا فى مصر، ونجاتها من ‏الإرهاب والفساد والتخلف. وأن تقوم بدورها الحضارى للأمة والإنسانية جمعاء.. وبالله التوفيق.‏