رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الدستور» تحاور نجل مترجم وثيقة «قناة السويس»

صوره من الحدث
صوره من الحدث

نجل «الطرازي» يكشف تفاصيل منح «عبد الناصر» الجنسية المصرية لوالده.. ودوره في استعادة «طابا» من إسرائيل
«مبارك»: عُرِضَت على والدي مبالغ طائلة من أجل مخطوطاته.. ولو كان موجودًا في أزمة «تيران وصنافير» لكان له القول الفصل

في حوار تفصيلي مع «الدستور» كشف الدكتور مبارك نصر الله مبشر الطرازي، نجل خبير المخطوطات الراحل نصر الله الطرازي، عن أسرار عمل والده في مجال المخطوطات، ودوره في استعادة مصر لطابا من إسرائيل، وما احتوته مكتبة والده من مخطوطات أثرية خطيرة أُدرجت ضمن التراث الأثري بمكتبة الإسكندرية فيما بعد..
وإلى نص الحوار:

- حدثنا عن علاقة والدك نصر الله الطرازي بالمخطوطات واهتمامه بالوثائق الأثرية؟

والدي كان عاشقًا للتراث بصفة عامة، ودرسه بـ9 لغات، جميعها نابعة من التراث الإسلامي، كالفارسية والتركية والعربية بجميع لهجاتها، والتركية القديمة والعثمانية والفاشتو فارسي واللغة الدارية الفارسية، واللغة الأردية، رغم أن تعليمه كله فرنسي، وأنه أنهى دراسته المرحلة الابتدائية والثانوية في مدرسة الاستقلال أفغانستان 1935 ثم واصل دراسته في كلية الطب، وبعد ذلك انتقل إلى كلية العلوم واتجه بعد ذلك إلى كلية الآداب وتخصص في اللغات الشرقية، وحصل على الدكتوراه من جامعة كابول في أفغانستان 1945، وحبه وعشقه للتراث سببه والده رحمة الله عليه، وهو المجاهد الاسلامي المعروف الشيخ المبشر الطرازي الحسيني.

هذه الشخصية هي التي جعلته يحب التراث واللغات والتاريخ والعلوم الإنسانية والعلوم الفقهية، وتتلمذ على يد والده، رغم أنه حصل على دكتوراه في اللغات، وتعلم منه الشريعة وحفظ القرآن والأحاديث.

- والدك كازاخستاني الأصل.. فكيف بدأ اهتمامه بالتراث المصري وعمله في دار المخطوطات والوثائق؟

والدي كان دائمًا يقول في مؤتمراته إن الثقافة الإسلامية الحقيقية تشبه طائر العنقاء، وهو طائر خرافي، الرأس هي الثقافة العربية، والجناح الأيمن هو الثقافة التركية (العثمانية)، والجناح الأيسر هو الثقافة الفارسية، هذا الطائر عندما يطير ينشر كل هذه الثقافات في العالم، ومن هنا جاء اهتمام والدي بالعمل في هذا المجال، وبدأ يترجم المخطوطات التركية والفارسية والأردية وتخصص بها، ثم الوثائق والمخطوطات القومية المصرية إلى أن أصبح خبيرًا بها وبكل تفاصيلها، وقام بعمل فهارس ببيوجغرافية لحوالي 23 ألف مخطوط فارسي وتركي موجودة حتى الآن في دار المخطوطات ودار الكتب، واحتوت أغلبها على معلومات خطيرة دونها في ملاحظاته.

- كان للدكتور الطرازي مدرسة شهيرة في علم الفهرسة.. حدثنا عنها؟

الفهرسة فن وعلم كبير، ليست مجرد أن أقوم بترقيم الكتاب وتحديده، ووالدي كانت له ومدرسة في علم الفهرسة، من خلال التصنيف «الديوي الأمريكي»، الذي أضاف إليه فيما بعد عن طريق وضع الهوامش في المخطوط، تحتوي على تاريخ الفهرسة ومناسبتها ونشأتها وشخصية المؤلف والناسخ.

- ذكرت لنا منذ قليل أن والدك كانت تعرض عليه مبالغ طائلة مقابل علمه ولكنه عمل في دار المخطوطات، حدثنا عن هذا الأمر؟

عُرض على والدي مبالغ طائلة في جميع أنحاء العالم كخبير في المخطوطات الشرقية، والفارسية والأردية والعربية، لكونه الوحيد الذي تعمق في هذا المجال إلى الآن، وعندما عمل والدي 16 ألف مخطوطة نُشرت في العالم كله عُرِض عليه أن يعمل في أمريكا وألمانيا وإيران وتركيا، لكنه رفض من أجل حبه لمصر.

- وماذا عن دوره في وثائق أحقية مصر في طابا؟

عندما ادَّعت إسرائيل أحقيتها في طابا، وبدأت المفاوضات على الكيلو 101، إسرائيل رفضت رفضًا باتًّا أن تتنازل عنها، وبدأت في استحضار خرائط وعلامات وأوراق تفيد أحقيتها في طابا، وحدث خلافات بين الوفد المصري والإسرائيلي وتم تحويل القضية إلى المحكمة الدولية في لاهاي، وبدأ الوفد المصري يبحث عن أهل الخبرة والدراية ويمتلكون وثائق في هذا الشأن، وتواصلت الرئاسة والمخابرات مع والدي ليكون حلقة الوصل بين دار الوثائق التركية، ومنح الرئيس كنعان أفرن الوثيقة الأصلية لوالدي وفحصها والدي فحصًا دقيقًا، وأعد بها مذكرة توضيحية، فضلًا عن ترجمتها ترجمة حرفية، وقدمها إلى المسؤولين المصريين، وتمت الموافقة عليها، وأعطينا نسخًا للجانب الإسرائيلي والمحكمة الدولية.

وبذلك كان لوالدي بصمة في استعادة طابا، ولم يطلب أي مقابل حينها، وأنا لم أعرف بهذا الموضوع إلا بعد وفاته بعامين، حتى أنه لم يقل شيئًا لزوجته ولا لابنه الوحيد، لأنه كان يعتبره سرًّا من أسرار الدولة حرصًا على سلامتها.

- على ماذا تنص الوثيقة؟

الوثيقة كانت باللغة العثمانية وتُرجمت إلى العربية، وفيها الحدود المصرية الأساسية القديمة الغربية والشرقية والعلامات بالتفاصيل التي كانت قد كُتبت وحُدِّدت منذ العهد العثماني القديم في مصر، ومن ضمنها جزئية طابا، ولولا جهد والدي وإبرازه لقيمة هذه الوثيقة ما كانت طابا رجعت إلى مصر.

- هل كان لدى الطرازي مخطوطات أثرية مهمة غير وثيقة طابا؟

كشف والدي عن منمنمات بهزات، وهو فن فارسي يُرسم بطريقة فنية إسلامية، وصور مرسومة تحكي قصصًا وحكايات عن التراث والثقافة الإسلامية، ووضعها في كتاب في دار الكتب يضم حوالي 6 منمنمات لبهزات الفارسي، وهذه المنمنمات لم يكتشفها ولم يدرسها أحد، وكل صورة من هذه الصور كان فيها توقيع الرسام بهزات الذي كان يلقب حينها بروفائيل الشرق، والذي اعتاد على ترك توقيعه الرسمي على كل لوحة يرسمها، ما عدا نسخة واحدة لم يمضها وهذا كان محل استغراب لوالدي، وأيامها كان مهرجان الأفلام الوثائقية في لندن، في السبعينيات من القرن الماضي، وطلب منه المخرج سعد نديم أن يساهم في فيلم بعنوان «بهزات في بستان»، وحينها اكتشف والدي توقيع الرسام على ركن من أركان الصورة السادسة التي كان مشكوكًا في أصليتها حينها، وتم اعتماد الصورة بعد ذلك كصورة أثرية، مكملة للمجموعة الستة، وفي هذا التوقيت زادت قيمة المنمنمة لما يزيد عن 2 مليون تقريبًا.

- حدثنا عن التحف والمخطوطات النادرة في مكتبة الوالد؟

والدي كان لديه حب المعرفة لكل ما يتعلق بعالم المخطوطات، وإذا وجد مخطوطة تجده يحفظها عن ظهر قلب بتاريخها وجميع تفاصيلها، والقائمين بالدراسة في الأكاديميات المصرية في أقسام اللغات الشرقية بالتحديد لم يكن لديهم مراجع ولا كتب تتحدث عن أبحاثهم، ووالدي كان يتعمد البحث عن هذه المراجع في كل سفرياته إلى الخارج ليأتي بها إلى هنا، وأصبح مكتبه مرجعًا لكل الباحثين والمتخصصين في اللغات الشرقية، فاحتوت المكتبة على أمهات الكتب والمراجع في علم المخطوطات واللغات الشرقية.

- وماذا عن وثيقة حفر قناة السويس؟

وثيقة حفر القناة بين المهندس فيرديناند دي ليسبس وسعيد باشا، وجدتها من ضمن تراث والدي في مكتبته، وعندما طُلِب منِّي أن أهدي هذه المكتبة إلى مكتبة الإسكندرية لتكون محطة تاريخية لمخطوطات مصر ووثائقها، فانبهر الأستاذ الدكتور خالد عزب رئيس إدارة المشروعات بالمكتبة، وكان هذا بعد وفاة والدي بحوالي سنتين في عام 2004.

- وأين الوثيقة الأصلية لعقد حفر قناة السويس الآن؟

هذه الوثائق حق للدولة الآن وموجودة رسميًّا لدى الدولة، ما لدي هو صور طبق الأصل فقط، لكن الأصل أمانة لدى الدولة، والدي قام بترجمتها وإرجاعها للدولة مرة أخرى.

- هل لديك وثائق أخرى؟

وجدت في مكتبة والدي بعض المخطوطات التي كان مُهداه له من البلاد الشرقية التي زارها، وقام بدراستها وفحصها وقدمها للأكاديميات العلمية المصرية، وأهديتها جميعاها إلى مكتبة الإسكندرية.

- ما هي البنود التي تحتويها وثيقة قناة السويس؟

الوثيقة منقسمة إلى قمسين؛ الأول هو رخصة حفر القناة، في 30 نوفمبر 1854، وبعدها بعامين في 5 يناير 1856، وما لدي هو صورة طبق الأصل من الوثيقة المكتوبة باللغة العثمانية القديمة، عبارة عن 23 بند، وحين سمع الفريق مهاب مميش بذلك، استضافني في مكتبه وأهديته نسخة ضوئية من النسخة الأصلية، وأمر بأن يكون هناك حُجرة خاصة في هيئة قناة السويس لمقتنياته والدي.

- كيف يحيي أبناء الطرازي تراثه وثقافته حاليًا؟

توفي والدي عام 2002 وولد 1922، ويتوافق حفل إحياء التراث العالمي الذي نظمته وزارة الثقافة الخميس الماضي، مع ذكرى وفاة والدي، والعام الماضي كان هناك احتفالية في الجمعية الإفريقية برئاسة السفير محمد نصر الدين، في يوم وفاته 20 إبريل، وقبلها بعام مكتب الأدب الاسلامي العالمي نظم احتفالية بمناسبة ذكرى وفاة والدي، ويتم الاحتفال بذكراه كل عام بمناسبات مختلفة دون ترتيب منّا.

- جمال عبد الناصر منح والدك الجنسية المصرية.. حدثنا عن تفاصيل الواقعة؟

مجهودات والدي في حماية التراث المصري والوثائق الأثرية المهمة، جعلت الزعيم جمال عبد الناصر بنفسه يصدر قرارًا جمهوريًّا بخط يده لمنح الجنسية المصرية بصفة استثنائية، ونُشِر في جريدة الوقائع المصرية 1964، لأن والدي كان كازاخستاني الأصل، وعمل في دار الكتب والوثائق المصرية.

- كيف يمكننا الحفاظ على التراث المصري من المخطوطات وجعلها مزارًا سياحيًّا؟

الآن لم يعد هناك اهتمام بالتراث، وأننا أدعو وزارات الآثار والأوقاف والسياحة والإعلام، لوضع خطة موحدة لتقييم هذا التراث مرة أخرى بعلماء أفضال أجلاء، وإظهاره للعالم من خلال رؤي وخطة محددة.

- أزمة تيران وصنافير لجأنا فيها إلى الوثائق المصرية القديمة.. هل لاحظت لدى والدك أي وثائق في هذا الشأن؟

لو كان والدي موجودًا لكان له القول الفصل والوثائق الرسمية في هذا الشأن، حتى وإن كانت هذه الوثائق موجودة خارج مصر، كان بإمكانه الوصول إليها مثلما فعل في وثائق طابا.