رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قمة المتناقضات!


ساعات وتنعقد القمة العربية الـ٢٩، التي تستضيفها السعودية بعد اعتذار الإمارات، وهي القمة الأولى التي تنعقد بعد مقاطعة أربع دول عربية (مصر، السعودية، الإمارات، والبحرين) لإمارة قطر، في ٥ يونيو الماضي، بسبب دعمها الإرهاب وتنظيماته، كما أنها أول قمة عربية تنعقد بعد إعلان الرئيس الأمريكي، في ديسمبر الماضي، اعتراف بلاده بالقدس عاصمة لما توصف بـ«دولة إسرائيل»، وعزمه نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.

مع ذلك، لم يتضمن جدول أعمال القمة مناقشة الملف القطري، ونقلت صحف عديدة عن مصادر دبلوماسية عربية أن ما يوصف بـ«أمير قطر»، سيترأس وفد بلاده. ونقلت وكالة «الأناضول» التركية، السبت الماضي عن لولوة الخاطر، المتحدثة باسم الخارجية القطرية، أن ما وصفته بـ«ملف الأزمة الخليجية» لن يكون مطروحًا على أجندة القمة العربية، مشيرة إلى أن أحمد أبوالغيط، الأمين العام للجامعة العربية سلم دعوة رسمية إلى بلادها للمشاركة في القمة. وزعمت المذكورة أن بلادها ملتزمة بالحوار في سبيل حل الأزمة، طالما أن «ذلك في حدود المحافظة على السيادة والمصالح الوطنية لدولة قطر وشعبها».

توجيه الدعوة إلى الفتى تميم، وعدم إدراج الملف القطري على جدول أعمال القمة، بالإضافة إلى تصريحات لولوة (اسمها كده)، ثم تصريحات الكومبارس الذي يلعب دور وزير الخارجية القطري لشبكة «فوكس نيوز» الأمريكية. كل ذلك أعطى كثيرًا من المصداقية لما نقلته وكالة «رويترز» عن مسئولين أمريكيين، بأن الرئيس الأمريكي طالب في اتصال هاتفي مع العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز، بأن تنهي المملكة وشركاؤها العرب سريعًا نزاعها مع قطر بزعم أنه تسبب في انقسام حلفاء الولايات المتحدة بالمنطقة. ووصف أحد المسئولين نبرة «ترامب» في الاتصال، الذي جرى في الثاني من أبريل، مع الملك سلمان بأنها كانت «قوية».

المدعو محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، قال لشبكة فوكس، إن الرئيس الأمريكي يتفق مع أمير قطر في «أن الأزمة الخليجية لا داعي لها ويجب أن تنتهي وأن تعود الوحدة بين دول الخليج مرة أخرى». ودافع عن علاقات الدوحة بطهران أو حاول تبريرها، ورد على اتهام إمارته بدعمها جماعة الإخوان الإرهابية بزعمه أن تلك الجماعة «جزء من الأوساط السياسية» في دول الرباعي العربي التي وصفها بـ«دول الحصار» واتهمها بأنها «تحاول باستمرار استفزاز قطر وسلب سيادتها وإخضاعها، وهذا ما لم تقبل به قطر أبدًا».

فهل يكفي للرد على ذلك ما أعلنه وزراء خارجية الدول الأربع، الداعية لمكافحة الإرهاب؟.

وزراء الخارجية الأربعة أعلنوا، على هامش اجتماع وزراء الخارجية التحضيري للقمة، أنهم بحثوا تطورات أزمة قطر، وجددوا التأكيد على تمسك دولهم بضرورة تلبية قطر قائمة المطالب الثلاثة عشر التي تم طرحها، وبالمبادئ الستة الواردة في اجتماع القاهرة وإعلان المنامة، كما شددوا على مواقف دولهم الثابتة في مكافحة التطرف والإرهاب، رافضين أي محاولات للتدخل في شئون الدول العربية من خارج الإقليم، ومؤكدين على تضامنهم واستمرار تنسيق مواقفهم لحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة العربية ككل.

يمكن أن نضيف إلى ذلك الرد، فشل جهود الجنرال المتقاعد أنتوني زيني، وتيموثي ليندركينج نائب مساعد الوزير لشئون الخليج العربي والشرق الأدنى بالخارجية الأمريكية، وكذا تصريحات محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، خلال لقائه بعدد من الصحفيين والإعلاميين بالقاهرة، في ٥ مارس الماضي، التي قلل فيها من حجم اهتمامه بالموضوع، وأكد على أنه لا يشغل نفسه به، وأن «أقل من رتبة وزير هو مَن يتولى الملف القطري»، كما أوضح أن الدول الأربع تتعامل مع الأزمة بالطريقة نفسها التي تعاملت بها الولايات المتحدة مع كوبا، أي بترك قطر على الحال الذي هي عليه الآن، ولو لسنوات، حتى تتراجع عن سياساتها المدمرة للمنطقة.

رد إضافي على الرئيس الأمريكي، بفرض صحة ما نقلته «رويترز»، جاء من وزراء خارجية الدول العربية جميعًا، بتأكيدهم مجدّدا على مركزية قضية فلسطين بالنسبة للأمة العربية وعلى الهوية العربية للقدس الشرقية المحتلة عاصمة دولة فلسطين. كما أن الوزراء، في مشروعات القرارات الصادرة في ختام اجتماعهم التحضيري بالرياض أعادوا التأكيد على حق دولة فلسطين في السيادة على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة ١٩٦٧ بما فيها القدس الشرقية. وجددوا في مشروعات القرارات التي رفعوها إلى القادة العرب في قمتهم رفضهم وإدانتهم قرار الرئيس الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارتها إليها، وأكدوا على أن هذا القرار باطل ويُعد خرقًا خطيرا للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ذات الصلة.

لو تجاهلت الكلام الكبير والتصريحات الساخنة ضد إيران، والقرارات المزمع الإعلان عنها ضدها، مع أنها ستكون ممثلة في القمة بحضور حليفها (أو غلامها) تميم بن حمد، فإنك لن تستطيع تجاهل التناقض الأكبر، والذي حدث على هامش اجتماع وزراء المالية والاقتصاد والتجارة. والتناقض المقصود هو توقيع مصر والأردن على اتفاقية تحرير تجارة الخدمات بين الدول العربية، التي تستهدف تعزيز مصالح الدول الأطراف على أساس المنفعة المتبادلة. ولا خلاف على أن هذا الكلام جميل ومعقول، لكن المعضلة هي أن توقيع الدولتين على الاتفاقية رفع عدد الدول الموقعة عليها إلى عشرة هي مصر، السعودية، الإمارات، الأردن، عُمان، المغرب، لبنان، السودان، اليمن وقطر.

نعم.. قطر بين الدول العشرة التي تعمّدت ذكر أسمائها كلها، حتى تلاحظ أن بينها دول الرباعي العربي، باستثناء البحرين. و... لا تعليق!.