رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أمة واحدة ورؤى متعددة


نعم أمة واحدة، وهذا مأخوذ من قول الله تعالى: «إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ». وأيضًا الآية الكريمة «وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ». وطاعتنا لله تعالى وحبنا له سبحانه، يستوجبان السعى لهذه الوحدة حتى تقوم وتتحقق ونحافظ عليها من الغدر والخيانة والتشتت والتشرذم والحروب والصراع، كما نراه اليوم ماثلًا فى العالمين العربى والإسلامى، بل نراه فى دول الجوار، بل فى البلد الواحد بين الأطراف والمؤسسات المتعددة، رغم وجود جامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامى.
والتحقيق هنا طاعة لله تعالى وأمره، وقوة لنا فى الدنيا التى لا تحترم إلا الأقوياء. هناك من يرى هذه الأمة اختزالًا فى الوطن، وهناك من يراها فى العرب، وهناك من يراها فى المسلمين جميعًا. وكل منهم له رؤيته، والاختلاف فى ذلك يجب أن يكون مرجع حوار لا صراع.
قد يقول قائل إن السبب فى التشتت والتشرذم يكمن فى تعدد الرؤى والتآمر على الأمة، وهذا أيضًا، قد يبدو صحيحًا شكلًا، ولكنه لا يليق بِنَا ولا بالأمة ولا بالفهم موضوعًا. إن تعدد الرؤى أمر فطرى مركوز فى النفوس وفى الخلق، لأن الله تعالى يخلق على غير مثال سابق، وكل يوم هو فى شأن، سبحانه. ولكن أسباب التشتت والتفرق والصراع والحروب عديدة، منها ما هو داخلى ومنها ما هو خارجى. وتكاد الأسباب تكون واضحة ومؤكدة لدى المعنيين، ومنهم القراء الكرام رغم تذرع بعض المسئولين فى الأمة بأسباب واهية. أُجمل الأسباب فى الوقت الحاضر فى خمسة أسباب أو عوامل، أفصلها عند الحديث عنها، ولكنها إجمالًا تتلخص فى العصر الحاضر فى: الإرهاب، والتخلف، والفساد، وضعف المناعة، والهيمنة الخارجية.
وأرى أن الحل لتحقيق الأمة القوية الصلبة أو الوطن القوى أو العروبة القوية، التى تكون نموذجًا يحتذى، يرضى عنها الله تعالى ورسوله الكريم، ويسير وراءها العالم الذى أراد الله تعالى له الهداية، أن تكون أمة الرسالة والوسطية والتبليغ، وأن تكون الأسوة الحسنة فيها الرسول الأكرم، صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه. وفى ظنى بمعنى اليقين، أن تكون أولوياتها منذ هذا اليوم، فى إيقاف الصراع وبدء الحوار بهدف البناء بالاستفادة من الثروات البشرية والمادية، وليس إهدارها. كما يستوجب البناء رسم سياسات واستراتيجيات مستقبلية هادفة وسليمة، مع التركيز على الموضوعات المقترحة التالية فى التربية السياسية سواء فى الأسرة أو المدرسة أو الشارع أو الإعلام أو الثقافة.
أما القضايا المهمة التى أرى أن تكون فى أولويات برامج التربية واستراتيجياتها، فهى كثيرة، وهناك ضرورة لطرحها فى الإعلام والثقافة بموضوعية ومهنية بعيدًا عن الصراع الدائر، بهدف تكوين تيار جديد فى الأمة يسعى للتركيز على الأعداء الحقيقيين للأمة ويبتعد بها عن الصراعات التى لا تخدم إلا الأعداء. ومن أهم تلك الموضوعات ما يلى:
أولًا: ضرورة إيقاف تقدم مشروع الحركة الصهيونية (إسرائيل حتى لا تتم تصفية قضية فلسطين تحت أى مسمى من المُسميات، خصوصًا صفقة القرن).. ثانيًا: التحرر من الهيمنة الأمريكية وسيطرة القطب الواحد (بعد أفغانستان).. ثالثًا: إبراز موقف الغرب من الإسلام والعرب.. رابعًا: ماذا يقدم الإسلام للإنسانية (من حضارة وقيم).. خامسًا: دعم المقاومة الإسلامية وتقدمها فى مشروعاتها.. سادسًا: محاصرة الفتنة المذهبية والطائفية وضرورة تجنبها، وخلع جذورها.. سابعًا: إيقاف الصراع وأخطاره فى العالمين العربى والإسلامى. (العمل الإيجابى).. ثامنًا: نشر الإسلام الوسطى والقضاء على فتنة التشدد والتكفير والإرهاب.. تاسعًا: اعتماد الحوار منهجًا لحل المشكلات بدلًا من الصراع.. عاشرًا: تحقيق متطلبات وحدة الأمة.
أرى أن هذه قضايا لا تنال ــ فى الوقت الحاضر ــ أهمية كبيرة فى مناهج التربية بالقدر المناسب ولا فى الإعلام ولا فى الثقافة، ولم يعد ــ فى ظنى ــ كافيًا أن ندعو إلى التقريب بين المذاهب فحسب أو التنسيق فحسب، إنما يجب أن تكون التربية للأجيال القادمة والشابة على أساس ضرورة وحدة الأمة مع تعدد المذاهب الفكرية والمدارس الفقهية، والأحزاب السياسية فى إطار وحدة الأمة.
طبعًا كل من هذه الموضوعات يحتاج إلى برامج وتفصيل واستراتيجية. هذا التوجه والمقترح ينبغى أن يكون روحًا تسرى فى الأمة تستنهض الهمم، وتنبه إلى العدو الحقيقى للأمة، وتعلو فوق الخلافات فى الفرعيات. بإقرار التعددية، وقبول الرأى الآخر الذى نقبل به أصلًا فى المذهب الواحد أو الجماعة الواحدة، أو الحزب الواحد، أو البلد الواحد، والشورى تحسم كل خلاف.