رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تهريب أموال مصر من خلال النظام السابق


عمليات غسيل الأموال لديها معلومات أن مبارك حول مليارات الدولارات لحسابات سرية للرئيس الأمريكى «أوباما» لها صفة الخصوصية والأمن القومى أحدها فى مصرف «الفاتيكان» والآخر فى بنك «سانتا ندر».

قدر بعض الخبراء أموال مصر المنهوبة خلال 30 عاماً بنحو 5 تريليونات دولار، ولا يمكن غض الطرف عن الدور الأمريكى فى تأمين عمليات التهريب، خاصة فى فترة بقاء مبارك فى شرم الشيخ عقب تنحيه؛ حيث تم تهريب مليارات الدولارات إلى إسرائيل وكذلك أطنان الآثار التى كانت تحملها الطائرات واليخوت إلى إسرائيل تحت غطاء فرق طبية من الأردن تزور مبارك فى شرم الشيخ للاطمئنان على صحته فى ظل تغطية من حكومة رئيس الوزراء السابق أحمد شفيق. فى هذا الإطار قالت خبيرة البنوك بسويسرا «ميريت نبيل» إن نشاط تهريب الأموال من سويسرا انتقل إلى جزر صغيرة أشهرها: الكاريبى، البهاما، سينجابور، هونج كونج، جيرسى فى بريطانيا، وولايات فلوريدا وكاليفورنيا، وتكساس فى أمريكا، وكذلك إسرائيل من أهم الدول التى تهرب إليها الأموال.

إن هذه الجزر تعيش على نشاط تهريب الأموال نظير حصولها على عمولات ثابتة، والتهريب يتم عبر مكاتب محاماة كبيرة فى لندن وأمريكا، مختصة فى هذا الجانب وكل هذه العمليات تتم فى سرية تامة ويحصل المكتب على نسبة تصل إلى 20% من قيمة الثروة المهربة.. وتكون كل الأوراق الخاصة بالثروة باسم المحامى ولا يكتب أى شىء باسم صاحبها، وهو ما يسمى فى هذا المجال TRUST، وهى ورقة صغيرة يوكل فيها الشخص مسئولية أمواله للمحامى ويتعهد المحامى القيام بذلك فى سرية تامة وإتمام كل ما يتعلق بتهريب الأموال والحفاظ عليها، ومن المستحيل أن يعرف أى شخص معلومة بخصوصها، ولذلك من المستحيل أن تفصح حكومات هذه الجزر عن أى معلومة تختص بالأموال المهربة لديها. يُعتقَد أن الدافع الرئيسى لخروج تلك الأموال هو حالة عدم الاستقرار السياسى والاقتصادى والاضطرابات الاجتماعية التى شهدتها مصر قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011. وتقدر منظمة «جلوبال فاينانشال إنتيجريتى» لمكافحة تهريب الأموال- ومقرها العاصمة الأمريكية واشنطن- حجم الأموال المهربة من مصر تهريبا غير شرعى، بنحو 132.28 مليار دولار (أى ما يعادل 847.444 مليار جنيه مصرى). ويُقسّم هذا المبلغ- حسب المنظمة- إلى نحو 70 مليار دولار ناتجة من اختلال فى ميزان المدفوعات الذى عادة ما يقيس الفساد والرشوة والعمولات غير الشرعية، وبقية المبلغ ناتج من سوء التسعير الذى يعد وسيلة من وسائل التهرب الضريبى.

أما عن وسائل تهريب الأموال فتتنوع، لكن يبدو أنه من أسلم الطرق التى لا تسمح بإمكانية تتبّع المال، هى تهريب المال السائل (كاش). وذاعت أنباء عن إلقاء القبض فى دبى على رجل الأعمال المصرى حسين سالم المقرب من الرئيس السابق والشريك فى شركة غاز شرق البحر المتوسط التى تتولى تصدير الغاز المصرى إلى إسرائيل بسعر بخس، وبحوزته 500 مليون دولار -أى ما يعادل نحو 3.2 مليارات جنيه مصرى- فى 31 يناير 2011 -أى فى أثناء اندلاع التظاهرات المناهضة لحكم مبارك- ما يجعل هذه الحالة أيضا مثالا للعلاقة الطردية بين الاضطراب السياسى وهروب الأموال إلى الخارج. وتشير وزارة الأمن الداخلى الأمريكية إلى أن نقل المال السائل بكميات كبيرة يهدف إلى إخفاء الأموال الفاسدة والنشاطات المرتبطة بها عن أعين السلطات والأجهزة الرقابية.

إلا أن الأخطر ما كشفه تقرير لوكالة الاستخبارات الأمريكية CIA بخصوص شخصيات أمريكية وأوروبية لعبت أدواراً فى تهريب أموال المخلوع مبارك، حيث إن الرئيس الأمريكى قد أرسل إلى مبارك قبل تنحيه «فرانك ويزنر» محامى مبارك بشركة «باتون بوجز» للخدمات الاستشارية والقانونية، المُكلفة بقضايا التحكيم المصرية، وهى الشركة التى حصلت على ملايين الدولارات من خزانة الدولة المصرية، وذلك فى مقابل تحسين صورة الرئيس المخلوع، كما أنه ثبت قيامها برشوة عدد من المسئولين فى مؤسسات صناعة القرارات السياسية داخل الإدارة الأمريكية، لتلميع «جمال مبارك» إعلامياً تمهيداً لتنفيذ عملية توريثه الحُكم، وجاء فى التقرير أن شركة «care» المتخصصة فى تعقب وتتبع الأموال غير المشروعة وعمليات غسيل الأموال، لديها معلومات أن مبارك حول مليارات الدولارات لحسابات سرية للرئيس الأمريكى «أوباما» لها صفة الخصوصية والأمن القومى أحدها فى مصرف «الفاتيكان» والآخر فى بنك «سانتا ندر»، وكانت المفاجأة الثانية هى أن جهاز الاستخبارات الأمريكى أعلن أسماء المتورطين فى تهريب أموال مبارك، وبلغ عددهم 17 شخصية كبيرة من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وذلك مقابل عمولات وصلت إلى 10%، لتصل إلى ملايين الدولارات.

وأكد التقرير أن المحامى «فرانك ويزنر» قد خرج من مصر بطائرتين محملتين بالأموال والمقتنيات الثمينة من القاهرة وحطت طائرته فى «تل أبيب»، وأعلنت قائمة أسماء شخصيات كبيرة مثل: «جوزيف أكدمان»، رئيس دويتشه بنك - هيلارى كلينتون - جورج بوش الأب والابن - وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر - الإسرائيلى بنيامين نتنياهو - جون بوديسينا، وقد حدد التقرير تاريخ فتح حسابات فى بنوك إسرائيلية يوم 22 فبراير 2011، منها عدد فى تل أبيب خاصة بنك ليؤمى، وذكر بنوكاً دولية أخرى مثل: بروتشه بنك، باركليز، إتش إس بى سى، وكشف التقرير أيضاً أنه تم تحويل ملايين الدولارات من تلك الأموال إلى بنكى الصين وتايوان، موضحاً أن جزءاً من الأموال المهربة كانت فى الأساس تخضع لبرنامج مساعدات ودعم من صناديق خاصة من الاتحاد الأوروبى، والبنك الدولى، بهدف تحسين الاقتصاد المصرى.

وكان أحد المتورطين هو «جوزيف أكدمان» الذى استغل منصبه كرئيس تنفيذى لـ «دويتشه بنك»، وقام بتحويل أموال لفرع البنك فى مدينة «تل أبيب» الإسرائيلية بمعرفة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. إنه يوجد ثلاثة مسارات قانونية لرد الأموال، وهى: ربط الأموال بالجريمة، وهو من أصعب الطرق القانونية، لصعوبة إحداث هذا الربط، لتغير شكل ومكان الأصول باستمرار، وصعوبة ربطها اليوم بجريمة قد تكون حدثت قبل سنوات عديدة، فضلًا عن إضفاء غطاء تشريعى على ممارسات نظام مبارك الفاسد بقوانين فاسدة صادرة عن مجلس تشريعى غير منتخب. أما الخيار الثانى وهو الذى يسمح بتجميد ورد قدر أكبر من الأموال، فهو تشريع سويسرى يسمح بإعطاء النظام الديكتاتورى توصيف الجريمة المنظمة وهو ما حدث مع نظام «سانى أباتشا» النيجيرى فى عام 2004، أما المسلك الثالث الذى يسمح به قانون سويسرى صدر فى فبراير 2011، فهو أنه فى حالة فشل مؤسسات الدولة وعدم كفاءتها، فمن الممكن أن ترد أموال الأنظمة الديكتاتورية دون حكم قضائى من البلد مصدر الأموال، ومن الجدير بالذكر أن المحكمة الفيدرالية السويسرية كانت قد قضت بعدم جواز إطلاع الجانب المصرى على ملفات القضايا الجنائية لعدم استقرار الوضع المؤسسى بها-على حد تعبير المحكمة.

■ أستاذ القانون العام وجامعة طنطا