رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تقوى الله مصدر السعادة


يقول بعض العلماء إن الإنسان أحيانًا يمر بأوقات يشعر فيها بالحزن والهم، وضيق الصدر وقلة الرزق، ويحاول أن يبحث عن مخرج من هذا الشعور، أو يجد حلًا للمشكلات التى تؤرقه دون جدوى؛ ولكن الله سبحانه وتعالى أنزل فى كتابه العزيز (القرآن الكريم) الشفاء لكل داء، ووضع لنا الحلول، فيقول الله تعالى: (‏‏وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا‏). وأيضًا قوله تعالى:﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجعَل لَهُ مِن أَمرِهِ يُسرًا). وكذلك قوله تعالى ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّر عَنهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعظِم لَهُ أَجرًا﴾. وهذه الآيات ذكرت فى سورة الطلاق.
يقول العلماء إن سبب تكرار الأمر بتقوى الله، عز وجل، فى القرآن الكريم كثيرًا، جاء لإرشاد البشر فى الدنيا، وما أعد الله لهم فى الآخرة من الثواب الجزيل، وما يدفع عنهم -جل وعلا- من العقوبات والمصائب فى العاجل والآجل.. ومن يتتبع آيات القرآن الكريم ير من تكرار ذكر التقوى، وتنوع أساليب الأمر بها، وذكر آثارها وفوائدها فى الدنيا والآخرة ما لم يكن يخطر بباله، ويتبين له عظيم أثرها وشدة منفعتها- كرامة أهلها. وقد جاء ذكر التقوى فى سورة الطلاق فى خمسة مواضع، فى تفصيل نافع مع بيان ما لها من الآثار العظيمة، ولعل من الحكم فى ذلك- والله أعلم- أمر الطلاق وما يسببه وما ينتج عنه من أنواع الخلاف والشقاق والمشاكل الأسرية. وربما الدعاوى بين الزوجين ثم قضايا العدة وانقضائها، والنفقة والسكن للمطلقة ونحو ذلك مما هو مظنة اختلاف بين الزوجين، وتنازع، وادعاء كل واحد منهما أن الحق له، وخصوصًا فى جانب الرجل الذى بيده عصمة النكاح وأمر الطلاق، ثم الرجعة ما دامت فى العدة، وهو المطالب بالنفقة والسكن لمن تستحق ذلك من المطلقات.
أقول لما جاء ذكر هذه القضايا فى سورة الطلاق جاء الأمر بالتقوى والحث عليها والتذكر بها ليلتزمه الرجل والمرأة ووليها، وبيان عاقبتها فى العاجل والآجل، حتى يراقب الجميع الله، عز وجل، ولا يتعدى حدود الله فيظلم غيره وخصوصًا الضعفاء كالمرأة وغيرها، وحتى تلتزمه المرأة فتعلم أن الخير والعاقبة الحميدة فى الدنيا والآخرة هى فى القيام بأمر الله سبحانه ومراقبة تقواه، وإن فقدت شيئًا من عرض الدنيا الزائل فإن ما عند الله خير وأبقى، فعليها أن تلازم التقوى فى أحوالها جميعًا، فبها تسعد إن كانت ذات زوج، أو كانت مطلقة (والعاقبة للتقوى). والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ونذكر هنا بعض ما قاله أهل التفسير فى معنى قوله «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا».. ففى تفسير الطبرى نقرأ معنى قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) يقول تعالى ذكره: من يخف الله فيعمل بما أمره به، ويجتنب ما نهاه عنه، يجعل له من أمره مخرجًا بأن يعرّفه بأن ما قضى فلا بدّ من أن يكون، وذلك أن المطلق إذا طلَّق، كما ندبه الله إليه للعدّة، ولم يراجعها فى عدتها حتى انقضت ثم تتبعها نفسه، جعل الله له مخرجًا فيما تتبعها نفسه. بأن جعل له السبيل إلى خطبتها ونكاحها، ولو طلقها ثلاثًا لم يكن له إلى ذلك سبيل.. وفى تفسير ابن كثير نقرأ معنى قوله تعالى (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) أى: ومن يتق الله فيما أمره به، وترك ما نهاه عنه يجعل له من أمره مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب، أى: من جهة لا تخطر بباله.
وعن أبى ذر قال: جعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يتلو علىّ هذه الآية: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) حتى فرغ من الآية، ثم قال: «يا أبا ذر لو أن الناس كلهم أخذوا بها كفتهم». وقال: فجعل يتلوها ويرددها علىّ حتى نعست، ثم قال: «يا أبا ذر، كيف تصنع إن أخرجت من المدينة؟». قلت: إلى السعة والدعة أنطلق، فأكون حمامة من حمام مكة. قال: «كيف تصنع إن أخرجت من مكة؟». قال: قلت: إلى السعة والدعة، وإلى الشام، والأرض المقدسة. قال: «وكيف تصنع إن أخرجت من الشام؟». قلت: إذا- والذى بعثك بالحق - أضع سيفى على عاتقى. قال: «أو خير من ذلك؟». قلت: أو خير من ذلك؟ قال: «تسمع وتطيع، وإن كان عبدًا حبشيًا».
أما فى تفسير القرطبى فنقرأ معنى قوله تعالى «وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا»: قال الضحاك: أى من يتقه فى طلاق السنة يجعل له من أمره يسرا فى الرجعة. مقاتل: ومن يتق الله فى اجتناب معاصيه يجعل له من أمره يسرا فى توفيقه للطاعة.