رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى الشعر والشعراء «1»


طلبت إدارة الجريدة منى تنويع المقالات حتى لا تقتصر على ميدان علمى واحد، وفى التنوع حكمة وفائدة واتساع. ينسب إلى الإمام الشافعى صاحب المذهب الإسلامى الشهير أنه قال:
ولولا الشعر بالعلماء يزرى ** لكنت اليوم أشعر من لبيد
وأشجع فى الوغى من كل ليث ** وآل مهلب وبنى يزيد
ولولا خشية الرحمن ربى ** حسبت الناس كلهم عبيدى
ويقول الشافعى، رحمه الله تعالى، فى مناسبة أخرى:
إذا أصبحت عندى قوت يومى ** فخل الهم عنى يا سعيد
ولا تخطر هموم غد ببالى ** فإن غدا له رزق جديد
أسلم إن أراد الله أمرا ** فأترك ما أريد لما يريد
هذه عينة سريعة من شعر الإمام الشافعى، ويبقى السؤال: فمن هو لبيد الذى يقول عنه الشافعى ويقول عنه العرب أشعر العرب، وإذا أراد العرب أن يتحدثوا عن شاعرية أحدهم وصفوه بأنه أشعر من لبيد؟.. ولكن قبل أن نعرف من هو لبيد أشعر العرب، وهم أهل بلاغة نادرة فى اللغات كلها، من الضرورى أن نلقى نظرة على معانى الأبيات التى قالها الإمام الشافعى، وهو العالم الجليل صاحب المدرسة الكبرى والمذهب الفقهى الممتد، وهو دعوة من دعوات الرسول الأعظم، صلى الله عليه وسلم، حيث نقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال «عالِمُ قريش يَمْلأ الأرض علمًا».
وقد ذكر ابن كثير، كما تقول المصادر، أن الشافعى ولد بغزة سنة ١٥٠ هجرية، وانتقلت به أمه إلى مكة وعمره سنتان، ثم حفظ القرآن الكريم وهو ابن سبع سنين، وحفظ الموطأ وهو ابن عشر سنين، ثم طلب العلم فى مكة حتى أصبح محاضرا ومعلما وفقيها وهو دون العشرين من عمره. هاجر إلى المدينة المنورة طلبًا للعلم عند الإمام مالك بن أنس، ثم ارتحل إلى اليمن ثم بغداد ليتلقى مزيدا من العلم عند القاضى محمد بن الحسن الشيبانى. درس المذهب الحنفى «الإمام أبوحنيفة»، وبذلك اجتمع له «الفقة المالكى فى مكة »«والفقه الحنفى فى العراق». يعتبره العلماء واضع علم أصول الفقه بكتابه «الرسالة». حتى توفى فى مصر سنة ٢٠٤ هجرية. يعنى أنه مات شابا فى الخمسين من عمره، وترك وراءه مذهب الشافعية، كإمام من أئمة أهل السنة والجماعة المتمسكين بالمعتقد الصحيح والمدافعين عنه.. وحمل عليه الإمام أحمد الحديث: إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة عام من يجدد لها أمر دينها، فجعله مجدد المائة الثانية، وقد نقل ابن كثير والسيوطى والبيهقى كثيرًا من كلامه فى الحرص على اتباع السنة.
يقول الإمام الشافعى:
ولولا الشعر بالعلماء يزرى ** لكنت اليوم أشعر من لبيد
وهذا دليل على عدة أمور أو قراءات، أولها الفخر وهو سمة من سمات العرب، وأجمل الشعر فى الفخر والهجاء كذلك تراه عند العرب، وكلامهم بلاغة ولا عجب أن تجد فى العرب من يقول مثل أبوالعتاهية: «لو أردت أن أجعل كلامى كله شعرا لفعلت». ولم يكن عندهم مدارس ولا جامعات ولا أقسام لتدريس اللغة العربية، ولكن من يستطيع من الدارسين اليوم فى عصرنا هذا أن يقول كما قالوا شعرا أو نثرا. إننا نقرأ لرجل مثل قس بن ساعدة الإيادى قوله: «مَا بَاْلُ النَّاسِ يَذْهبُونَ وَلاَ يَرْجِعُون؟! أرَضُوا بِالمُقَامِ فَأَقَامُوا، أمْ تُرِكُوا هُنَاك فَنَامُوا؟».. ولذلك يقول المناوى فى فيض القدير: ثم ذلك العالم القرشى نزله أحمد وغيره على الشافعى، فلا أحد بعد تصرُّم عصر الصحب، اتفق الناس على تقديمه علما وعملا وأنه من قريش سواه، وقد تأيد ذلك بانقياد الخلق بقوله ومعتقده نحو ثمانى مائة سنة بعده «هذا إلى زمن المناوى رحمهما الله».
ويقول كثير من العلماء: «تطلع الشمس وتغرب ومذهبه باقٍ لا ينصرم، واسمه فى سمو لا يتقهقر بل يتقدم».. أقول عندما قال الشافعى ذلك الشعر، كان يفتخر بأنه كان من الممكن أن يكون أشعر من لبيد لو أراد، ولكن كان عنده أولوية أخرى هى علم الأصول والفقه وتأسيس المذهب، وعندما قارن بين الشعر والعلم، اختار العلم لأن العرب لم يكن ينقصهم الشعر ولا البلاغة، ولكن الحاجة كانت تدعو، كما يقول الشافعى، إلى العلم. ولذلك فإن آثار الشافعى كثيرة وغزيرة، وتابعيه فى مذهبه يزيدون يوما بعد يوم فى شتى أنحاء الدنيا وليس فى العالم العربى أو الإسلامى فقط. له مؤلفات كثيرة حتى قال عنه الإمام أحمد «كان الشافعى كالشمس للدنيا وكالعافية للناس».
ومن أهم مؤلفاته أو مصنفاته «كتاب الأم، الرسالة فى أصول الفقه، وهو أول كتاب صنف فى علم أصول الفقه، اختلاف الحديث، مسند فى الحديث، سمى بـ«مسند الشافعى»، أحكام القرآن، الناسخ والمنسوخ، كتاب القسامة، كتاب الجزية، قتال أهل البغى، سبيل النجاة، ديوان شعر «ديوان الشافعى»، طبع العديد من الطبعات، منها طبعة بعناية عبدالرحمن المصطاوى، وطبعة بعناية إميل بديع يعقوب، وطبعة بعناية صالح الشاعر». هذه أهم مؤلفات أو مصنفات الإمام محمد بن إدريس الشافعى. وهو لم ينو ذم الشعر أو الشعراء عندما قال «ولولا الشعر بالعلماء يزرى»، ولكن أراد الانصراف إلى غيره من العلوم والفنون. وهو يعلم جيدا أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، اتخذ حسان بن ثابت شاعرا، فمدح الرسول الكريم ومدح الصحابة الكرام، وقال شعرا جميلا فى الإسلام والمسلمين. وقد عاش حسان بن ثابت مائة وعشرين سنة منها ستون فى الجاهلية وستون فى الإسلام. وقد تزوج سيرين بنت شمعون بعد أن أسلمت وحسن إسلامها، ويقول بعض العلماء إنها أخت مارية القبطية التى تزوجها الرسول، صلى الله عليه وسلم. ولنا وقفات أخرى مع الشعر والشعراء فى الجاهلية والإسلام. وبالله التوفيق.