رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أبرزهم همنجواي وسيد درويش.. المبدعون بين الجنون والعبقرية

جريدة الدستور

هناك اعتقاد سائد بأن ثمة علاقة بين الموهبة والجنون، أو المشاكل العصبية والنفسية التي تصيب المبدع وبين إبداعه، ولم يكن هذا الاعتقاد مقتصرًا على العامة فقط، بل وصل إلى المبدعين أنفسهم، فمنهم من يرى أنه يدرك ما لايدركه غيره، بفضل رفاهة حسه الناتجة عن توتر أعصابه وآفته العقلية.

وأبى الكثيرون من المبدعين، ومن بينهم الكاتب الروائي الأمريكي «أرنست هيمنجواي» الانصياع لرغبة ذويه وأصدقائه بالعلاج، خشية أن يؤدي زوال مرضه إلى زوال موهبته معه.

ويشير الأديب الحسن أمين، في مقالة له بمجلة «الهلال»، إلى دراسة أعدتها العالمة النفسية كاي جاميسون، عن الصلة بين الأمراض العصبية والمشكلات النفسية وبين العبقرية الخلاقة، واستندت العالمة في دراستها إلى تحقيق أجرته عام 1983 في كل من أسكفورد ولندن، حيث درست حالات 47 من الأدباء والفنانين البريطانيين كلهم إما من الفائزين بجوائز كبرى أو أعضاء في أكاديمية الفنون الملكية البريطانية.

واتضح لها أن 18 شخصًا مممن خضعوا للدراسة أدخلوا في وقت من الأوقات مصحات نفسية للعلاج من أمراض عصبية وإذ كانت نسبة الأمراض بينهم وهي 38% تزيد على ستة أضعاف نسبة المرضى بين الأفراد العاديين، فقد انتهت الباحثة إلى نتيجة وهي أن ثمة صلة وثيقة بين المرض النفسي والموهبة الفنية والقدرة على الإبداع.

وأكد «أمين» أن عامة الناس يؤمنون بمثل هذه النتيجة، فمعظمهم يعتقد أن الفنان إنسان غير طبيعي وأن اختلاله النفسي أو مرضه شرط لقدرته على النفاذ إلى حقيقة الأمور والتعبير عن هذه الحقيقة تعبيرا فنيا، وكثيرا ما نراهم يتلمسون العذر ويغفرون للفنان شذوذه، وغرابة عاداته وملبسه، وشرود ذهنه ومسلكه غير المألوف.

وأوضح أن هناك حقائق ساعدت على تكوين هذه الصورة لدى العامة، ومنها ما ينشر عن مشاهير من الموسيقيين والمصورين والأدباء وغيرهم، كقصة قطع فان جوخ لأذنه وإرساله إياها في علبة لمحبوبته، أو قصة سيد درويش مع الكوكايين، أو بالعلاقة الشاذة بين الشاعرين فيرلين ورامبو، وبين لورد بايرون وأخته، وكذلك حياة همنجواي وانتحاره، وبما كان ينتاب دوستويفسكي من نوبات صرع.

ولكن هناك من وقف مدافعًا عن الفنانين والأدباء ونصب العداء لهذه النظرية التي ترى من المبدع إنسانا مجنونا، وكان على رأسهم «فرويد» الذي يصف الفنان بأنه إنسان مريض يسعى إلى الهرب من الحقيقة والواقع بإيجاده بديلا من الوهم يتسع لرغباته، غير أنه عاد في موضع آخر وقال إنه مدين للأدباء والشعراء، خاصة دوستويفسكي، بفضل اكتشافه لعالم اللاشعور، فكيف يمكن إذن أن ينجم عن المرض أنقى الحقائق، أو أن تأتي التربة العفنة بأجمل الثمار؟.