رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رؤية إصلاحية للأزهر الشريف


يحق للناس على اختلاف المشارب والانتماءات فى مختلف الظروف والأحوال التساؤل: أين الأزهر؟ لم التقصير فى مجابهة الغلو والتطرف المنسوب إلى الدين؟ ومواجهة «العنف الفكرى»؟ ومعالجة ومداواة «العنف المسلح»؟ لم التقاعس والانحسار وترك مساحة العمل الدعوى بصفة عامة، والإعلامى المرئى بصفة خاصة لدخلاء وأشباه، متعلمين ومتعالمين؟

أين صحيح الإسلام؟ وحقيقته الرسالية؟ ومقاصده النبوية؟ وأخلاقياته المثالية؟ وسط طوفان التعصب الطائفى، والتحزب والتمذهب، وجيل «غثاء سيل» يتلوه لاحقا وقريبا «غربة الإسلام».

أجل! أسئلة مشروعة حاصلة واقعة متجددة لعالمية ودور الأزهر.

مصارحة ومكاشفة تعد فريضة واجبة أن تقصيراً لا يستهان به، وتراجعاً وانحساراً عن المشهد، على إثره تنامت جماعات وفرق وفصائل عديدة ومتنوعة «لكل وجهة» تصرفاتها من سوء فهم للدين وسوء عرض له، وأهدافها من الرياسة والزعامة وإعلاء أدبيات و«أجندات» تسعى بأشياخها ومنظريها لفرضها قسراً وكرهاً، وأدى إلى ظهور ما يكتوى به المجتمع من نقيض «مكارم الأخلاق» و«أخلاقيات العمل الدعوى» و«فقه الواقع» و«فقه المصالح» و«فقه المقاصد»!

أسباب وعوامل متشابكة متداخلة أوردها دون مواربة أهمها: أولا: سوء اختيار «قيادات» حيث اضطلعت جهات وأجهزة رقابية عديدة لانتقاء «أهل الثقة والتبعية» وإغفال وإهمال «الكفاءات»، فى العقود الأخيرة باستثناء العالم الربانى الإمام الشيخ الدكتور عبد الحليم محمود - رحمه الله تعالى - ووضع خطط شيطانية لإضعاف الطاقات، يجعل سن تولى مهام قيادية لمن قارب سن التقاعد الوظيفى، ومن عرف عنهم الاهتزاز العلمى، فصارت الشللية والوساطة والمحسوبية حولهم تزين كل قبيح، وتؤيد كل خطأ، وتقر كل منكر، وهم كثر فى مؤسسات أزهرية! فلا شغل لهم إلا جلب «الأموال» و«المصالح الشخصية»!!

ثانيا: شيوع الأداء الرتيب - وفق آلية «الدولاب الحكومى»، بغلبة «الروتين» و«اللوائح»، وتراجع العمل الدعوى كرسالة أصيلة مهمة إلى عمل تعليمى بحت معوج تغلب فيه ثقافات غير شرعية، مما أوجد أجيالا تائهة شاردة لم تحصل القدر الكافى للقيام بأعباء الدعوة كما ينبغى، بل مجرد «موظفين» فى الأعمال التعليمية بجميع درجاتها وسلمها الوظيفى، وصار العمل الدعوى جهداً شخصياً - حتى كتابة هذه السطور - يضطلع به ما تبقى لديه غيرة وهم ما لا يجاوز أعدادهم ربع منسوبى هيئات الأزهر الشريف!

ثالثا: تمالؤ وتظاهر قوى للوجود الشعبى الأهلى على حساب الأزهر يهز الثقة فيه، وجعل تصرفات معيبة استثنائية شيوعا على الكل، فجماعة «الإخوان» وجماعات العنف المسلح، رموا علماء وأشياخ الأزهر بكل نقيضة من عينة: «علماء سلطان»، «منافقون»، «أزاهرة»! ومخططهم إزاء رموز الأزهر الفاعلة إما «التجنيد» أو «التبديد»! فإما يجند الأزهرى تابعا - لا متبوعاً كما ينبغى - أو تبدد جهوده الشخصية بإثارة شائعات وشبهات، وتنقيص وازدراء، ويسعون إلى اقتناص المناصب القيادية ليدخل الأزهر فى بيت الطاعة والتبعية الإخوانية، إلا أن جماعة الإخوان لا تريد شراً بالثقافة ولا المكانة للأزهر.

بل توقر بعض العلماء وتسعى جاهدة لتقوية وجوده، والتصريحات النارية وتصرفات قواد الإخوان المسيئة والمتربصة والمترصدة تجاه الأزهر خاصة مع تولى الإخوان الحكم فى مصر غير خافية على أحد، وفصائل الوهابية- السلفية المدعاة -: الدعوية والحركية والجهادية بأشياخها- فى الداخل والخارج- مخططهم القضاء المبرم على الأزهر، لما يدينون به من كفر الفكر الأشعرى - فى علم العقيدة - وشرك الصوفية، وانحراف أئمة الفقه - عدا الإمام أحمد بن حنبل وابن تيمية وابن القيم - رحمهم الله تعالى - وما يعتقدون أن مبادئ منسوبة لابن حنبل وقالها ابن تيمية واعتنقها الشيخ محمد بن عبد الوهاب - غفر الله له - هى «فهم السلف» للإسلام وهى «السنة»!! وما عداه باطل وفسوق ومروق!.

وجاءت قنوات فضائية فأدخلت مفاهيم إلى الغرب والنجوع والكفور والبوادى والحواضر، ومع خلو الساحة وتعاظم الأشياخ المتسلفين والرموز حلت مفاهيم المتسلفة فى أوساط متعلمين حتى انتهى الأمر إلى «سلفنة بعض طلاب الأزهر، وبعض أعضاء هيئة التدريس بمعاهد وكليات أزهرية، وبعض أئمة ووعاظ مساجد! ويأتى الدعم المالى من مؤسسات خيرية خاصة، فى دول خليجية: السعودية والكويت يدا بيد - بنكنوت - ليوفر مصادر تعليمية - ورقية وغيرها- وهيمنة دعوية بما لم يعهد!

رابعا: الأمية الدينية: تعانى الثقافة الإسلامية فى مكوناتها الرئيسية العقيدة، الشريعة، النظم الإسلامية، وغيرها، من تحريف وتجريف، وعصبية مذهبية، بالإضافة إلى فاسد ذوق المتلقى، فصار من صار آلة، تملى عليه أخلاط مغلفة بشعارات «الحاكمية لله»، «الولاء والبراء»، «السنة»، «السلف»!، وعلا الدخيل الأصيل، وتوارى النفيس خلف الخسيس، وتعالى الردئ! والوقائع والشواهد حاكمة فالعنف الفكرى من التكفير والتشريك والتخوين على أشده، والعنف المسلح فى فصائل استحلال الدماء والأعراض والأموال ظاهرة لا تحتاج لبراهين! ما سلف ليس من باب «التبرير» للدور المفقود للأزهر الشريف من خمسين عاماً - بدءاً من ستينيات القرن الماضى حتى الآن- بل تشخيص لداء، وإذا ما كان من دواء: أولا: عمل توصيف دراسى فى المعاهد الأزهرية يعنى بالدراسات الشرعية والعربية نسبة 80٪، والباقى علوم ثقافية موجزة ملائمة وليست مناهج التربية والتعليم لخصوصية الدراسة التخصصية الأزهرية، وعمل توصيف دراسى فى الكليات الأزهرية تعنى بالتراث الملائم بواسطة أكاديميين وتربويين معا نظام العام الدراسى وليس الحالى. ثانيا: إنشاء مجلس أعلى للدعوة الإسلامية لوضع الخطط للجهات الرسمية «الأوقاف» أو نقل العمل الدعوى منها إلى «الأزهر الشريف» ومراقبة ومتابعة صارمة لأداء جمعيات ثقافية وغيرها تمارس العمل الدعوى، فالبلاد المجاورة تلتزم بخطب ودروس مكتوبة معدة سلفا وفق آلية جادة منضبطة.

.. وللحديث بقية.

■ أحد علماء الأزهر الشريف