رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وفى الحلقة الـ17 أقيل «تيلرسون»!


بعد طول انتظار، أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إقالة وزير خارجيته، ريكس تيلرسون، منهيًا عدة أشهر من التوترات والخلافات العلنية بين وزارة الخارجية والبيت الأبيض، ومواصلًا مسلسل التغييرات في فريق إدارته، الذي وصل عدد حلقاته إلى ١٧ حلقة أو تغييرًا، توزعت بين إقالة واستقالة أو مزيج من الاثنين. وفي الحلقة نفسها، وضع «ترامب» تحت قدميه، للمرة الثانية، تقارير واتهامات «حقوقية» طالت جينا هاسبل، واختارها مديرةً لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، (CIA)، خلفًا لـ«مايك بومبيو» الذي تولى حقيبة الخارجية.

هل هذا هو «الوقت المناسب سياسيًا»، الذي قصده إليوت برويدي؟!.

برويدي، هو رجل أعمال أمريكي، كان أحد كبار ممولي حملة الرئيس الأمريكي، وقالت جريدة «نيويورك تايمز» إنه يملك شركة أمنية خاصة (اسمها سيرسيناس) لها عقود مع الإمارات تقدر قيمتها بمئات الملايين من الدولارات. والسبت قبل الماضي، نقلت الجريدة الأمريكية عن مصادر وصفتها بأنها مطلعة، أن جورج نادر، رجل الأعمال الأمريكي ذو الأصل اللبناني، تلقى في الخريف الماضي تقريرًا مفصلًا من «برويدي» عن اجتماع مغلق نصح فيه «ترامب» بإقالة «تيلرسون» في «الوقت المناسب سياسيًا»، لأن أداءه «ضعيف للغاية»، ولأنه رفض تبني موقف متشدد ضد إمارة «قطر».

تفاصيل أكثر ستجدها في مقال سابق عنوانه «مصادر مطلعة على تسريبات»، أوضحت فيه كيف أن مصادر «نيويوك تايمز» المطلعة، لم تطّلع إلا على الرسائل المسربة من بريد «برويدي» الإلكتروني، التي انفردت هيئة الإذاعة البريطانية، BBC، بنشرها لاحقًا. الأمر الذي رأيت أنه يكشف بوضوح إحدى الصيغ (جمع صيغة) التي تستخدم بها الآلة الدعائية لـ«قوى الشر» وسائل إعلام، في معاركها القذرة. وفي المقال نفسه، نقلت اتهام رجل الأعمال الأمريكي لـ«قطر» بأنها هي التي اخترقت بريده الإلكتروني، وبأنها قامت بإدخال تعديلات على بعض الرسائل، عقابًا له «على معارضته القوية للإرهاب الذي تدعمه».

سواء كانت الرسائل صحيحة أم طالتها تعديلات، وسواء كان هذا هو «الوقت المناسب سياسيًا» أم لا، فالثابت هو أن الرئيس الأمريكي كان قد أعلن في نوفمبر الماضي، أنه غير راضٍ عن عدم تأييد وزارة الخارجية تحت قيادة «تيلرسون» لبرنامجه السياسي. وفي حواره مع شبكة «فوكس نيوز»، هاجم «ترامب» أداء الوزارة وقال إنه هو وحده مَن يحدد السياسة الخارجية الأمريكية: «صاحب الشأن هو أنا. أنا الشخص الوحيد المهم». وعندما سئل عما إذا كان «تيلرسون» سيظل في موقعه حتى نهاية فترته الرئاسية، أجاب: «لا أعرف.. سوف نرى».

التوترات بلغت ذروتها بين «ترامب» ووزير خارجيته بعد تقارير، نفاها الأخير، زعمت أنه وصف «ترامب» بـ«الأحمق» كما اختلف «تيلرسون» كثيرًا مع البيت الأبيض بشأن تعيينات في مناصب رئيسية، إلى جانب اختلافات بشأن عدد من القضايا الدولية، أبرزها صيغة التعامل مع إيران وكوريا الشمالية، إذ كانت لـ«تيلرسون» تصريحات «مغايرة» لرؤية «ترامب» بشأن كليهما، وكذا تجاه قرارات الدول العربية الداعية لمكافحة الإرهاب (مصر، السعودية، الإمارات والبحرين) ضد قطر، وكان يميل أكثر (وينحاز غالبًا) لصالح الرؤية القطرية، بعكس الرئيس الأمريكي، على الأقل في تصريحاته المعلنة.

إجمالًا، كانت هناك خلافات كثيرة، تجعل خبر الإقالة متوقعًا. وفي حين تردد كثيرًا أن «تيلرسون» فوجئ بخبر إقالته ولم يعرفه إلا من تغريدة «ترامب» على تويتر، ذكرت تقارير أن جون كيلي، كبير موظفي البيت الأبيض، أخبره، الجمعة، بأنه سيتم استبعاده من منصبه. وما يدعم ذلك هو أن وزير الخارجية «السابق» ألغى جدول أعماله، السبت، في ثاني يوم من زيارته لكينيا. وكان من المنتظر (وفق ما تم إعلانه) أن يضع إكليلًا من الزهور عند موقع السفارة الأمريكية في نيروبي، الذي وقع فيه تفجير سنة ١٩٩٨ سقط على إثره أكثر من ٢٠٠ قتيل، كما كان متوقعًا أن يشارك أيضًا في لقاء يسلط الضوء على المساعدات الأمريكية لإفريقيا.

المهم هو أن «بومبيو» غادر الـ«CIA» إلى الخارجية، وأعلن ترامب ثقته فيه وأكد أنه «الشخص المناسب لهذا المنصب في هذا المنعطف الحرج»، واختار جينا هاسبل (٦٢ سنة) أول سيدة تشغل موقع مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، بعد ٣٣ عامًا قضتها في الوكالة، تولت خلالها عددًا من المواقع شديدة الحساسية، منها إدارتها في ٢٠٠٢ لسجن سري في تايلاند معروف باسم «عين القط» قيل إنه كان مخصصًا لاحتجاز أعضاء ينتمون إلى «القاعدة»، لفترات طويلة، جرى خلالها استجوابهم تحت التعذيب.

لاحقًا، تم تعيين «هاسبل» رئيسة هيئة أركان مركز مكافحة الإرهاب التابع للـ«CIA»، واتهمها رئيس المركز، خوزيه رودريجر، في مذكراته بأنها قامت في ٢٠٠٥ بإتلاف مجموعة من أشرطة الفيديو عن سجن تايلاند السري. وسنة ٢٠١٣، تم تعيين «هاسبل» نائبةً لمدير الخدمة الوطنية السرية، وبعد عدة عمليات سرية قامت بها في عدة دول، تم استبعادها بسبب انتقادات واتهامات بتورطها في برامج استجواب تحت التعذيب. وبتولي «ترامب» السلطة عادت، في ٢٠١٧، نائبة لرئيس الوكالة.

اختيار «هاسبل»، إذن، يقول بوضوح إن «ترامب» وضع انتقادات واتهامات الحقوقيين لها تحت قدميه. وإذا كانت الإقالة رقم ١٧ قد تعني وجود بعض الارتباك في البيت الأبيض، فإن اختيار «مايك بومبيو» لا يشير، بالضرورة، إلى تغيير حقيقي في السياسات الخارجية الأمريكية، أفعالًا أو قرارات. وما قد يختلف فقط، هو الأقوال أو التصريحات، في المساحة المحدودة التي يتاح فيها للمسئول (أي مسئول) التعبير عن وجهة نظره أو أن «يفك نفسه بكلمتين»!