رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أشرف عبدالباقى: المسرح للتسلية وليس لتلقي المواعظ (حوار)

أشرف عبدالباقى
أشرف عبدالباقى

قال إن مسرحياته هزلية تعتمد على الارتجال.. وشدد على أنه يقدم الترفيه من أجل الترفيه
أقدم أساليب الضحك كما تعلمت فى الكتب ولست مضطرًا لتبرير أى شىء أقوم به
مسرح العرائس مستمر ونجهز لمسرحية جديدة
رسم الابتسامة على وجه الناس من أهم الفضائل

فنان تُحسب له إعادة الجمهور للمسرح بعد انتكاسه سنين، لم يعتمد فى بداياته على الفن كمصدر للعيش ولبناء حياة كريمة، لكنه شق طريقه كعوام المصريين فى العمل، واستطاع أن يصنع ــ بالتوازى ــ اسمًا فى الفن وآخر فى مجالات كثيرة، حتى أسس فرقة مسرح ظلت لأكثر من عامين تخسر حتى لمع اسمها، فأصبحت أهم فرقة مسرحية فى الوطن العربى، وحققت أعلى مشاهدات، سواء بالحضور إلى صالة العرض، أو على شاشات التليفزيون أو على اليوتيوب.

«الدستور» التقت أشرف عبدالباقى، وحاورته عن فرقته «مسرح مصر»، وعما تتعرض له من انتقادات، واعتماده على عرض أعمالها تليفزيونيًا، وعن تجربته فى مسرح العرائس.
■ بداية.. ما الركيزة الأساسية فى حياتك؟
- العمل، حيث أعمل منذ كنت فى الصف الأول الإعدادى، وأذكر أن أول دراجة اشتريتها كانت من مالى الخاص، ففكرة العمل بالنسبة لى كانت هواية، والجميل فى أى هواية هو أن تمارسها عن رضا وحب وشغف، وأذكر أننى حين وصلت للمرحلة الثانوية كنت أمتلك معرضًا للديكورات، وأتذكر أيضا أننى أسست مشروعًا لصناعة وبيع «قاعدة الثلاجة» وكانت الأمهات فى هذه الفترة يعانين من إزاحة الثلاجة لتنظف تحتها، وكانت الثلاجات تعانى أيضًا من «البارومة»، وحين أهديتها لأمى كانت فى قمة سعادتها، ولم أتكاسل ولم أحمّل الآخرين ذنب وجودى فى الحياة، وعفوًا فى التعبير: «لم أعش دور الغلبان».
■ ما معنى كلمة «غلبان» من وجهة نظرك؟
- الغلبان هو الشخص غير القادر على العمل بسبب مرض ما، أو ظرف طارئ، أو شىء قدرى، لكن طالما كنت تمتلك الصحة فأنت تمتلك ثروة لا يستطيع آخرون شراءها بكنوز العالم، على الإنسان دائمًا أن يسعى ويتحرك ويكسب قوت يومه ليبنى حياته، الشكوى الدائمة واللوم الدائم للآخرين لن يولدا إلا بؤسًا وثبات حال، وبعد أن يمر العمر ستندم على كل لحظة فاتت دون عمل ودون أن تنجز فيها حلمًا كنت تتمناه.
■ البعض يتهمك بأنك أفسدت المسرح؟
- دعنا نقف على كل كلمة، فالاتهام يوجه للمجرمين الذين يخرجون على القانون بارتكاب فعل مُشين فى حق الإنسانية وهذا الفعل يستوجب العقاب، لأنه بالطبع سيتبعه فساد فى الأرض، وبالتالى فلست متهمًا، وبناء عليه فلست مدينًا لأحد لتبرير أى شىء أقوم به أو أفعله، النقطة الثانية هى «إفساد المسرح»، فماذا تعنى هذه الكلمة؟.. كلمة مطلقة يتم ترديدها فى الهواء الطلق، ولن أرد على من قالها لأنها قضية أزلية، كل نجاح يتبعه بعض الهجوم لكننى سأقف معك بالورقة والقلم، أولًا: ما شرط المسرح؟ هو وجود جمهور ومنصة عالية وأشخاص يؤدون، وبالتالى فنحن نقدم مسرحًا لا غُبار على أساسياته، ثانيًا: لو تتذكر فالفيلسوف الكبير جان جاك روسو فى الوقت الذى كان يعيش فيه فى جنيف علم أن المدينة سوف تبنى مسرحًا، فى هذا الوقت بعض المفكرين والأدباء حاولوا تحويل هذا المسرح إلى مكان للتعليم والتهذيب، ولما علم جان جاك روسو بهذا الموضوع قرر أن يقاومه بشدة، وقال نصًا: «إن الناس لا يذهبون إلى المسرح بروح الرغبة فى التماس الثقافة أو بروح الاستعداد لتلقى دروس أو مواعظ فى الأخلاق والتهذيب، وإنما يذهبون إلى المسرح بحثًا عن التسلية وملء الفراغ، ولذلك نراهم على استعداد لأن يضحكوا من كل شىء وحتى من الفضائل نفسها».
وإذا أردت التأكد من ذلك فستجده أيضًا فى كتابات الناقد الكبير محمد مندور الذى قال: «التسلية نفسها قد تكون تهذيبًا، وذلك بشرط أن تنجح فى الاستحواذ على تفكير الجمهور وإحساسه، بانصرافه ولو لفترة قصيرة من الزمن عن مشاغله وهمومه المُلحة، وبذلك تُنفس عنه، وتُخفف من ضائقته، وقد تفك عن عقله الغشاوة التى تعوق رؤيته للحلول الممكنة لمشاكله، فيخرج الشخص من المسرح بعد فترة الترويح التى قضاها وقد أصبح قادرًا على أن يعاود النظر فى همومه وأن يلتمس لها حلولًا وأن ينفض عنه اليأس.
وفى نفس الكتاب قال مندور على لسان أحد النقاد الكبار، ولم يذكر اسمه: «إذا لم يمنحنا المسرح شيئًا، فيكفيه أن يسلبنا شيئًا، أى يسلبنا بعضًا من همومنا أو يخفف من حملها فنسترد بعض قوتنا على مجابهة الحياة وشق سبيلنا فيها»، ولهذا فلست واعظًا ولست معلمًا ولكنى أقدم الترفيه من أجل الترفيه والتسلية، وأحاول إضحاك الناس، ورسم الابتسامة على وجه الأشخاص فى حد ذاته، من أهم الفضائل.
■ هل معنى هذا أنك تقدم مسرحًا خالصًا؟
- هذا المصطلح «المسرح الخالص» لا أفهمه، ولكن ما أفهمه هو أننى أقدم أساليب الضحك كما وضعت فى الكتب التى تعلمت منها، فلا تنس أنى درست المسرح، فمن أساليب الضحك مثلا «التكرار»، سواء كان تكرار الجملة أو تكرار الحركة أو تكرار الفعل، وأيضًا «التناقض» بين الصوت والشكل، شنب كبير على صوت أنثوى، أو بنت جميلة جدًا وصوت أجش، كذلك التناقض فى الملابس ومن يرتديها، فمثلًا تجد شخصًا طويلًا يرتدى بنطالًا قصيرًا أو العكس، أو التناقض بين الشكل والفعل، فمثلًا تجد شخصًا «تخين» جدًا لكنه يرقص بخفة ورشاقة، وأيضًا عند وضع غير المألوف فى المألوف، بمعنى استخدام مفردات شعبية حديثة فى مسرحية تاريخية مثلًا، وأيضًا المفاجأة تكون سببًا فى توليد الضحك، و«قلب الأدوار» مثل الملك والخادم، أو الطبيب والمريض، أو الطالب والمدرس، وأيضا «سوء التفاهم» حيث يكون أسلوبًا من أساليب الضحك، وأيضًا السرعة المفرطة أو البُطء المبالغ فيه.. كل هذه أساليب لو راجعتها فستجد أننا نستخدمها فى توليد الضحك، لكن ما يراه البعض أزمة فى النصوص، نحن لا نراه أزمة لأننا نقدم مسرحيات هزلية تعتمد فى المقام الأول على الارتجال كأسلوب مسرحى، والفكرة العامة التى يولد عليها الارتجال.
■ هل ترى تصوير المسرحيات تليفزيونيًا يضر بمُريديه؟
- الحديث عن تصوير المسرح يتطلب بالضرورة الرجوع سنين، تحديدًا لسنة ١٩٦٢ تقريبا عندما أنشئ «مسرح التليفزيون» فإنشاؤه حافظ على تراث مسرحى كبير جدًا.
وسأسألك سؤالًا بحكم أنك تنتمى لجيل الشباب: هل شاهدت «مدرسة المشاغبين» أو «العيال كبرت» أو «انتهى الدرس يا غبى» أو «سك على بناتك» أو «ريا وسكينة» فى المسرح أم فى التليفزيون؟، بالطبع فى التليفزيون، ومع ذلك فلا أحد يُنكر جمال هذه المسرحيات، وبالتالى فتصوير المسرحية وعرضها على شاشات التليفزيون ليس مُضرًا بقدر ما هو نافع للممثل والمُنتج والجمهور، بمعنى أن قاعدة أكبر من الجمهور ستعرف الممثل، والمُنتج الذى كان يخسر بالأمس بسبب قلة الحضور إلى المسرح، سوف يعاود الإنتاج مرة أخرى.
أما عن الجمهور فهو عندما لا يذهب للمسرح فليس بسبب أنه لا يريد أن يذهب، ولكنه يستسهل، أو بمعنى أدق أصبح يستغل القيمة المالية التى يمتلكها لصالح وسيلة ترفيه أخرى، وليكن الموبايل هنا أعظم مثال، مع العلم بأنه كان يُمكن أن يذهب بهذه القيمة للمسرح.
والنقطة الثانية والأهم أنه حتى لو مُلئت صالة العرض ٦ أيام فى الأسبوع، وهذا من المستحيل، فلن يجنى المُنتِج ثمار أمواله، وخصوصًا لو كانت المسرحية لنجم كبير، وبالتالى فالتصوير التليفزيونى كان العوض الكبير للمُنتج، والوسيلة الأسرع للتواصل مع الجمهور.
أما بالنسبة لعدم وجود مسرحية ثابتة تعرض لمدة، فأقول لك إن المصنف التليفزيونى مختلف وهنا تكمن الأزمة، لأن الجمهور يريد الجديد حتى لا ينصرف عنك إلى مصنف فنى آخر، فلو قدمت له مسرحية هذا الأسبوع وأعدت تقديمها الأسبوع المقبل، فإنه يقينًا فى المرة الثالثة لن يشاهدها إلا إذا كان لديه وقت فراغ فيفتحها مثلًا على «يوتيوب» ليشاهدها كنوع من تسلية الوقت، كما قلنا.
■ لماذا توقف مشروع مسرح العرائس؟
- مشروع مسرح العرائس لم يتوقف ولكننا الآن فى فترة تحضير لعرض آخر نفتتح به الموسم المقبل.
■ لماذا لم تستعن بمصريين فى مشروع مسرح العرائس؟
- أولًا يجب الإشادة بفنانى العرائس المصريين، ومعنى أن أستعين بأشخاص من الخارج لا يقلل نهائيًا من شطارة المصريين، ولكن عندما تستعين نوادى كرة القدم بمدرب أجنبى، فهل لضعف المدربين عندنا؟، بالطبع لا، لكن الاستعانة بأصحاب الخبرات الأجنبية تُحدث تبادلًا ثقافيًا وفنيًا وتقنيًا بيننا وبينهم، تصنيع العرائس كان بالخارج لأنهم فى الحقيقة أكثر منا مهارة، وما أفعله هو أننى أتيت بمُحركين مصريين تدربوا على أيدى أجانب، فقد سافرت إلى التشيك وتعرفت على أشخاص ماهرين فى هذا المجال واتفقت معهم، واستدعيت أحدهم إلى مصر لتدريب الشباب المصريين على تحريكها، وبالفعل أصبح لدينا شباب متعلم وواعٍ فى تحريك العرائس.
■ هل ترى انتكاسة فى مسرح العرائس؟
- هذا السؤال سيعيدنا إلى قصة المسرح المصور من جديد، فآخر مسرحية عرفها الجمهور من مسرح العرائس فى التليفزيون هى «الليلة الكبيرة»، بعدها لم يصور مسرح العرائس أيًا من مسرحياته، وذلك على الرغم من العدد الهائل من المسرحيات التى تم إنتاجها، فكلها ضاعت بسبب عدم تصويرها والحفاظ عليها، مع العلم بأن مسرح العرائس كمُنتَج فنى نادر قيمته المالية عالية جدًا، لكن يجب تقديمه بجودة عالية، بالإضافة إلى أننا تقريبًا الوحيدون فى الوطن العربى الذين نمتلك مسرحًا للعرائس، تخيل كم عدد الأطفال فى العالم الذين يحبون مسرح العرائس، ليس الأطفال فحسب، لكن الكبار أيضًا من عشاق مسرح العرائس.