رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شيرين درويش تكتب: الرحبانية.. قصص الحب والغناء وزياد

زياد رحبانى
زياد رحبانى

"يا حبذا هذا الولد.
ريح الخزامى في البلد.
اهكذا كل ولد!
أم لم يلد مثلى أحد".

هكذا أنشدت نهاد وديع حداد جارة القمر تلك الأبيات في ابنها زياد رحبانى في دعاية لفعاليات مهرجان بيت الدين الذي وضع زياد الرحباني بصماته الفنية عليه.

زياد الرحباني أيقونة الفنان اليسارى صاحب السخرية السياسية اللاذعة طرح الأرض والحب والوطن؛ لياتى ذلك الفخ اللذيذ المؤلم في بيت الدين كما وصفه الكاتب اللبنانى «انسى الحاج»على «سلطة الأغنية القصيرة»، جارة القمر بوصف موسيقار الأجيال «محمد عبد الوهاب»، فقد كان يري أن للسيدة فيروز قدرة على امتاع واطراب السامع في فترة زمنية قصيرة بأغنية قصيرة، تفوق بقية المطربات في هذا المجال.

أما تفاصيل أى خلاف أونزاع أو حقوق أداء بين زياد ووالدته وأطراف أخرى لن أتطرق إليها؛ فحتى اختصار التجربة الرحبانيه في مقال صغير صعب وليس بالامكان. التجربة التي وصفها العملاق "وديع الصافى"، بالجريئة والفريدة، والتى يعزى نجاحها إلى المحرك الاساسي العبقرية عاصى الرحبانى حسب وصف الكاتب اللبنانى "برهان علوية"، فكان ذلك الإبداع الذي يأخذك، والمزج الفريد بين المقطوعات العالمية وأشعار جبران. نعيمه، والربع تون مع سحر البيان العربي في الموشحات الاندلسية اجراس كنائس تعانق اصوات اذان وتغنى مكة اهلها.

فكما قال الشاعر الكبير "محمود درويش"، ففي السفر الحر بين الثقافات قد يجد الباحثون عن الجوهر البشري مقاعد كافية للجميع هناك هامش يتقدم أو مركز يتراجع لا الشرق شرق تماما ولا الغرب غرب تماما. إنه تجربة شكلت الوجدان العربي الموسيقى بنسيج من الشعر وانطلوجيته. الحب وصوفيته. قضايا الوطن وأحلام العودة نبع لا تعلم بدايته من نهايته إبداع يحملك إلى تطلعات روحية. لعالم أجمل.

كانت موسيقى الرحبانيه مستوحاة من التراث العربي الإسلامى والمارونى والبيزنطى والفلكلور اللبنانى. الا انها قامت بمزج التيارات الشرقيه بالحان والات موسيقية غربية، وذلك بسبب تعمق الربانية في دراسة الموسيقى الكلاسكية الغربية فقامو بتاسيسس "نادي انطلياس الثقافى" وقدموا عديد من المسرحيات الغنائية.

ألف الأخوان منصور وعاصى الرحبانى كثيرا من الأعمال الفنية المعروفة بالاسكتشات في البداية والتى عرفت باسم "سبع ومخول"، اقترن عاصى الرحبانى بالسيدة فيروز وقدما كثيرا من المسرحيات الغنائية مثل "جبال الصوان"، "ناطروة المفاتيح"، والتى قدمت في مهرجانات بعلبك وكان اهمها هو مهرجان 1957، وفي كل الأعمال كانت السيدة فيروز هي الوجه الأول للعمل.

كانت انطلاقة فيروز الجدية عام 1952 عندما بدات بالغناء بالحان الموسيقار عاصى الرحبانى الذي تزوجت منه بعد هذا التاريخ بثلاثة سنوات. وانجبت منه اربعة أطفال. كانت الاغانى التي غنتها في ذلك الوقت تملا القنوات الاذاعية كافة. فبدات شهرتها في العالم العربي من ذلك الوقت.

كانت أغلب اغانيها آنذاك للأخوين رحباني عاصي ومنصور. وحينها تم المزج بين الأنماط الغربية والشرقية والالوان اللبنانية في الموسيقى والغناء. وساعد صوت فيروز وانسيابية على الانتقال دائما إلى مناطق جديدة. ففي الوقت الذي كان فيه النمط الدارج هو الاغانى الطويلة قدمت فيروز أغاني قصيرة.

عام 1970 قدم الاخوان رحبانى وأخيه الأصغر إلياس المئات من الأغانى والتى تعد ثورة جريئة في الموسيقى العربية حسب رؤية الإعلامي السورى (صباح قبانى). الذي اعتبر إن الرحبانية أحدثوا تغيرا جذريا في الموسيقى العربية في التاليف والتلحين باحداث نمط من الالحان يعتمد في هارمونيته على ادماج أو إدخال الالحان الغربية.

في سبتمبر 27 عام 1972 يصاب عاصى الرحبانى بجلطة دماغية وينشر الخبر غداة اصابته. بانه ضحية العبقرية والاجهاد.وكان لا بدَّ من إجراء جراحة دقيقة قد تفقده البصر ويعود القرار بالسماح باجرائها للسيدة فيروز لتجيب بروفيسور كلود جرو أن كل مايهما أن يظل حيا ويتنفس. ليدهش الطبيب جرو بعودة عاصى الرحبانى لقيادة الأوركسترا في بيكاديللى بعد ثلاثة أشهر من إجراء الجراحة.

في اوائل الثمانينيات أدخل عاصى إلى المشفى لمرات عديدة كانت آخرها عام 1986، حيث دخل في حالة من الغيبوبة دامت ستة أشهر. كان عاصى يتحدث في أيامه الاخيرة عن الماورائيات. خاطب في حديثه كيانا اسماه "الكبير" وقال له:
افتحلى. افتحلى. قتلنى الصفير. والبحر مالو صوت. دخيلك افتحلى. الكتابة الشعرية عذاب. التأليف الموسيقي عذاب. الحياة عذاب. الموت هو تاج الحياة.

رحل عاصى الرحبانى السبت 21 يونيو 1986 في يوم عيد الموسيقى ويوم عيد الابفى أول أيام الصيف ليرقد في مثواه الاخير بلبنان.

اما منصور الرحبانى ادخل في مستشفى «اوتيل ديو»، بعد اصابته بانفلونزا حادة اثرت على رئتيه مما استدعى نقله إلى العناية المركزه حيث مكث بها ثلاثة أيام ثم اخرج منها ليكون تحت المراقبة إلى ان توفي في 13 يناير 2009 عن عمر يناهز 83 عاما.

اخر والمختلف كتاب تناول فيه الكاتب اللبناني هشام قاسم التجربة الرحبانية تحت عنوان «التجربة لرحبانية مسيرة ونهضة»، وكان تناوله بزوايا مختلفة سردت في 384 صفحة لم يتناولها باحث من قبل وعرض في معرض بيروت للكتاب. مسيرة حافلة بالعطاء الموسيقى والألحان. المسرحيات الغنائية والأعمال التليفزيونية وثلاثة أفلام سينمائية منها «بياع الخواتم».

فهل يأتي الزمان برحبانية وعبقرية أخرى. أم انتهى الابداع. وأى مزج بين الغرب والشرق يشجى تطلعات الروح إلى عوالم أجمل. لكم ولأرواحكم السلام.