رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خليك زى آدم


هذا هو الشعار المختصر، لحملة أطلقتها «محافظة القاهرة»، في ٥ يناير الماضي، تستهدف حث المواطنين على الاهتمام بالنظافة وعدم إلقاء أي مخلفات في الشارع والحفاظ على البيئة وجمال الطبيعة والارتقاء بالذوق العام. والشعار كاملًا يقول: «خليك زي آدم.. وما ترميش حاجة ع الأرض».

«آدم»، ليس ابن المحافظ، أو ابن سكرتير عام المحافظة، رئيس مجموعة عمل الحملة،. لكنه «أبو الخليقة.. وكلنا بنو آدم»، كما قال الموقع الإلكتروني للحملة، موضحًا أن «الإنسان على فطرته خُلق نظيفًا. وآدم يُطلق على كل إنسان، بغض النظر عن دينه وبغض النظر عن مراحل عمره، أي أن الحملة موجهة لكل الناس». ومع الموقع، أعلنت المحافظة الحملة في عددٍ من شوارعها، وجددّت التعريف بها، في احتفالية «المركز الاستكشافي للعلوم والتكنولوجيا» بحي حدائق القبة، التي أقيمت يوم الإثنين. وقبلها شاركت المحافظة بالحملة في معرض القاهرة الدولي للكتاب. وبينهما، وخلال مشاركته في بدء فعاليات الحملة بحي مصر الجديدة، أعلن المحافظ أنه سيتم تقييم أعمال أحياء القاهرة شهريًا، على أن يتم منح مكافأة مالية لأفضل ٣ أحياء.

الكلام، كما ترى، جميل ومعقول، والحملة أو المبادرة تستحق الإشادة، وتستوجب المطالبة بضرورة تعميمها في كل المحافظات. لكنها لن تحقق ما تستهدفه، لو بقيت منظومة النظافة على حالها، ولو ظل الفشل هو مصير محاولات إصلاح تلك المنظومة، بسبب خلافات تافهة حول تفاصيل أكثر تفاهة. وكذا لو لم تكن لدينا شركة وطنية، تحل محل الشركات الأجنبية، التي تولت إدارة منظومة النظافة في السنوات السابقة، بفشل منقطع النظير.

في ٢٧ أبريل الماضي، عرفنا أن وزارة التنمية المحلية تدرس إنشاء شركة قابضة للقمامة، ثم تمت الموافقة على إنشاء تلك الشركة، في ٢٥ مايو، خلال اجتماع لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، بحضور عددٍ من المحافظين ووزير التنمية المحلية ووزير البيئة. وفي ٣١ يوليو الماضي، أعلن وزير التنمية المحلية رسميًا إنشاء الشركة القابضة للنظافة، شركة مساهمة مصرية تتولى جمع وتدوير القمامة، على أن تكون لها أفرع في كل محافظات الجمهورية. وخلال مؤتمر صحفي انعقد في مقر محافظة القاهرة أعلن «الشريف» أن هذه الشركة القابضة ستحل مشكلة جمع وتدوير القمامة وتحل محل الشركات التي تنتهي عقود عملها تباعًا.

قيل وقتها إنه تم الانتهاء من الدراسات اللازمة لإنشاء الشركة، وإن مجلس الوزراء، وافق في اجتماعه أول يونيو ٢٠١٧، على إنشائها خلال ٣ أشهر. واستعرض وزير البيئة ما تم الاتفاق عليه، فأوضح أن الشركة القابضة ستنشأ طبقا لقانون الشركات المساهمة، وسيتم دمج جامعي ومتعهدي القمامة في المنظومة الجديدة بعد تدريبهم، ولن يتم استبعاد أحد، لأن المنظومة ستقوم على دمج جميع العاملين الرسميين، وغير الرسميين، سواء جامعو القمامة أو غيرهم، وستكون هناك حقوق عادلة لجامعي القمامة، وعقود تضمن الرقابة عليهم ومنحهم حقوقهم المادية والمعنوية.

انقضت الشهور الثلاثة، دون أن نرى شيئًا، وبدخولنا في الشهر الخامس، وبعد ٢٢ جلسة وعشرات الاجتماعات، عرفنا أن لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب حددت يوم ١٢ نوفمبر، لعرض مشروعات القوانين والمسودات من جانب وزارتي البيئة والتنمية المحلية والجهات المختصة. إذ كانت الحكومة قد عرضت على اللجنة، تصورها بشأن إجراءات إنشاء الشركة، وأكدت، على لسان وزير البيئة، أنها ستتكون من عدد من الشركات المساهمة المصرية الخاضعة لقانون الشركات المساهمة رقم ١٥٩ لسنة ١٩٨١، وستقوم بطرح الأعمال والتعاقدات بنفسها أو عن طريق شركات مساهمة أو شركات أخرى أو تحالف منها.

بالفعل، بدأ عرض مشروعات القوانين والمسودات، في الموعد المحدد، واستكملت اللجنة، لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، في ٢٢ نوفمبر، مناقشاتها حول إنشاء الشركة القابضة، بحضور ممثلين عن وزارات الكهرباء، الاستثمار، البيئة، المالية، وقطاع الأعمال، واختلف ممثلو تلك الوزارات حول قانون إنشاء الشركة: القانون ١٥٣ أم القانون ٢٠٣؟!. إذ قال ممثل وزارة الاستثمار إن القانون ١٥٩ لا يناسب الشركة، والأجدر إنشاؤها طبقًا للقانون ٢٠٣، الخاص بشركات قطاع الأعمال. بينما قالت وزارة قطاع الأعمال إن الشركة تتطابق مع القانون ١٥٩، وإن القانون ٢٠٣ سيجعل الشركة تواجه إشكالية خلال مراحل التأسيس!.

قبل أن تضرب كفًا بكف أو «راسك في الحيط»، نشير إلى أن إنشاء شركة قابضة للقمامة، فكرة قديمة سبق أن أعلن مجلس الوزراء عن بدء تنفيذها، منذ ٩ سنوات، مع بداية تفاقم أزمة القمامة، في القاهرة والمحافظات. لكن بعد ٣ أشهر، من النقاشات والأخذ والرد، تراجعت الحكومة عن الفكرة، في ١٧ يناير ٢٠١٠، بسبب قلة الموارد المالية اللازمة لإنشائها. وأرسل رئيس مجلس الوزراء، خطابًا إلى الإدارة المحلية، تضمن عددًا من البنود، أهمها إيجاد آلية لإدارة المخلفات الصلبة والقمامة ومتابعتها في المحافظات، وإشراك شركات النظافة من القطاع الخاص. ولا أعتقد أنك في حاجة إلى شرح أو توضيح ما ترتب على تنفيذ (أو عدم تنفيذ) تلك البنود!.

جميل أن تقول «محافظة القاهرة» للمواطن «خليك زي آدم.. وما ترميش حاجة ع الأرض. والأجمل هو أن تتبنى كل محافظات مصر الشعار نفسه أو تطلق شعارات شبيهة لحملات مماثلة. لكن تلك الحملات والشعارات، كما أوضحنا، ستكون مجرد كلام في الهواء، لو لم تنشأ الشركة الوطنية القابضة، التي نراها الحل الأنسب لأزمة أو كارثة لا نبالغ لو قلنا إنها إحدى الأزمات أو الكوارث الكبرى التي تواجه مصر.