رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما وراء الكواليس.. «الدستور» تتحدث إلى أصحاب الفرق المسرحية

جريدة الدستور


أحبوا المسرح بوجدانهم ورؤيتهم الخاصة، فهو بيتهم الصغير الذي يلوذون إليه هربًا من ضغوط الحياة، رغم أنهم لا يمتلكون قاعدة جماهيرية عريضة، لكنهم يؤمنون أن الوقوف على خشبة المسرح وحده بمثابة تحدي ونجاح كبير، تظهر عروضهم بشكل لائق كثيرًا ما ينال الإعجاب، لكنهم يواجهون صعوبات كثيرة لا يعرف أحدًا تفاصيلها، إنها رحلة طويلة تبدأ بالرقابة ثم تأجير المسارح وأخيرًا تقديم العرض، كل هذا يكمن وراء الكواليس التي تُحجب خلف ستار المسرح.

«الدستور» التقت بمجموعة من مخرجين الفرقة المسرحية، الذين بدأو مشوارهم مبكرًا، لتعرف تفاصيل رحلتهم الطويلة التي يقطعوها قبل الوقوف عل خشبة المسرح ومن ثم مواجهة جماهيرهم الصغيرة، التي تمد لهم يد العون وتشجعهم على الاستمرار، للوصول إلى الحلم الكبير.

«نمرة واحد» على خشبة المسرح
عرف المسرح منذ نعومة أظافره، كان يرافق والده الذي يعمل ممثل بقصر ثقافة السويس، فاكتسب الخبرة سريعًا، تربى على حب الفن وبدأ مشواره عام 1999 الذي شهد أول صعود له على خشبة المسرح، من خلال عرض «حصاد النار» الذي قدمه في المدرسة، وتدور فكرته حول الكرامة والشرف والمال، لكنه حصل على فرصته الحقيقية في الثانوية العامة حين قام بدور «لويس» في مسرحية «كتيبة على طريق الموت».

«أحمد حسن» مخرج مسرحي، تخرج في قسم علم النفس بكلية الآداب جامعة حلوان، أسس فرقته منذ عام باسم «نمرة واحد» بناء على تجربة الذاتية، يقول: «كل ما نجمع بعض ونتفق على اسم فرقة تحصل مشكلة وكل واحد ياخد اسم الفرقة ويمشي، اختارت الاسم مني كنمرة واحد لإني الشخص اللي مش بيتغير، وبختار الكاست حسب المسرحية والفرقة بتتجمع تحت قيادتي عشان مخسرش حد»، بدأ الشاب العشريني مشواره في الإخراج حين وقع عليه الاختيار في مسرح الجامعة، لامتلاكه رؤية إخراجية مميزة واستكمل مشواره بتشجيع من والده.

استطاع «أحمد» أن يوزان بين التمثيل والإخراج، كما يصمم استعراضات ويرقص، بارع في «دراما تورج» و«السيموغرافيا»، لديه مكتبة كبيرة في منزله تحتوى 3000 كتاب، فهو محب لقراءة الروايات القديمة والمترجمة: «بحب الأدب الأنجليزي وبقرأ لنجيب محفوظ وعمرطاهر وعلاء الأسواني عشان أطور نفسي وأخد خبرة، حلمي إننا نتعرف كفرقة مش عرض الناس تتفرج عليه وتمشي»، مسرحية «عجز» كانت أول عمل حقيقي لـ «نمرة واحد» وهي مسرحية مترجمة لـ «هينك مان الألماني» تدور فكرتها حول العجز في تحقيق السعادة والأحلام: «عملت ليها إعادة صياغة، اللي هي دراما تورج، غيرت في الأحداث والنهاية كانت مختلفة، هدف الرواية إن الحرب العالمية الثانية أسوأ شيء حصل في البشرية، لكن النص بتاعي بيقول إننا عاجزين عن الوصول للسعادة».

تفاصيل ما قبل العرض، هي الجزء الأصعب لدى «أحمد»، تبدأ بتأجير استوديو لإجراء البروفات على نفقته الخاصة:«الساعة بـ 15 جنيه في وسط البلد، لكن العروض بتكون في مسارح زي ساقية الصاوي، بتحدد ميعاد العرض وبتعملنا الدعاية، وإحنا بنعمل الإيفنت، بتوفر لنا 2 برشور و2 بوستر، سعر التذكرة 15 جنيه للأعضاء و20 لأى حد من برة، بتاخد أول 1000 جنيه من التيكت، بعدها تخصم الضرايب وفي الآخر مش بيطلع لينا حاجة، أما مسرح الروابط إيجاره 900 جنيه إحنا بنحدد الشهر وهما يحددوا يوم العرض، بياخدوا مننا الضرايب بس».

أما دور الرقابة فهو الأصعب، يبدأ بالتوجه إلى المكتب الخاص بها في طلعت حرب، يقدم الشاب العشريني 3 نسخ من النص المسرحي، ثم يوقع على مجموعة إقرارات: «بقر إن النص المكتوب مسئولية كاملة عليا، لو كاتب العمل عايش بجيب منه موافقة إني أمثل الرواية ولو ميت بكتب إقرار إني عملت إعداد للنص، بدفع 50 جنيه وبسيب النص من 20 لـ 30 يوم، لو حاجة مش عجباهم تتشطب، واللجنة اللي بتقيم بتمضي على كل ورقة، لو اتقبل ببلغهم بميعاد العرض عشان يبعتوا حد يحتضر يشوف التزمت بالتعليمات ولا لأ، بس محدش بيحضر».

يؤكد «أحمد» أنهم في حاجة لمسارح خاصة بهم، حيث يتعرضون للاستغلال من المسارح الأخرى: «عاوزين مكان نطلع فيه طاقتنا ونقدر نعرض المسرحية كذا مرة، وأوفر في التكاليف لإن كلها على حسابي، وده مش متوفر في المسارح اللي بنأجرها»، مشيرًا إلى أن دور وزارة الثقافة تجاههم منعدم: «الوزارة بتهتم بالأكاديميين بس، والهواة لأ، اشتركت في مهرجان نوادي مسرح تبع الوزارة ومنجحتش لإن اللي بيقيمنى أكاديمي وأنا هاوي الفكر بيختلف، والدي يقدر يساعدني بس أنا رافض المبدأ، حابب أوصل بمجهودي».

يرفض الشاب العشريني أن يتخذ من المسرح مهنة، فهو بمثابة مكان يهرب إليه من الآلام والأوجاع التي يراها في عمله: «المسرح هو المكان اللي بنسى عليه كل همومي، وبستمتع بكل حاجة بعملها».
«عمر».. من فرق «الهواه» لـ «معهد الفنون المسرحية»..الموهبة مش كفاية
بدأ مشواره عام 2011، ثم انخرط في دراسته وتوقف، ليستأنف عمله في المسرح عام 2014، كان مغرمًا بكاتبة الاسكيتشات الصغيرة، ثم اتجه إلى نادي «الهلال الأحمر المصري» لحضور البروفات والعروض لاكتساب الخبرة، انضم إلى الفرقة وشارك في أول عرض باسم «الناس جرالها إيه»، تدور فكرته حول السنيما الهابطة التي تبرز صورة البلطجي والمخدرات، وكُرم من رئيس هيئة قطاع الهلال الأحمر، عمل برفقة فرق حرة ثم تطرق إلى «المعهد العالي للفنون المسرحية».

شارك «عمرلطفي» في 9 عروض لفرق الهواه، منها «مصنع الكراسي، خيال حلمي» يقول: «بيعملوا إعلان يطلبوا ناس بشروط، قدمت وعملنا الورشة وبعدها العرض» أما عرض «زنزانة» فهو الأقرب لقلبه لأنه يعبر عن الواقع الذي نعيشه جميعًا: «فكرته إننا محبوسين جوا العادات والتقاليد، التعليم والسياسة، عرضناه 13 ليلة واتكرمنا عليه 6 مرات، اشتغلنا عرض في الجامعة اسمه اوسكار والسيدة الوردية خدنا احسن مخرج ومؤلف، شاركنا بيه في مهرجان ساقية الصاوي للعروض الطويلة وخدنا أحسن عرض وأحسن ممثل».

تخرج الشاب العشريني في كلية التجارة جامعة القاهرة عام 2012، والتحق بمعهد الفنون المسرحية منذ عامان، كما يعمل بخدمة العملاء: «شغال مع فرقة هواه اسمها إنسان، لما دخلت بالمعهد حسيت بفرق، اتعلمت اعمل أي حاجة حتى لو مش قادر اعملها، باستخدام التكنيكات، إزاي أدمع وأوصل للشخصية اللي عاوزها، بيدرس لينا دكاترة كبار ليهم تاريخ كبير في المسرح» مشيرًا إلى ان خبرته تضاعفت منذ أن التحق بالمعهد، في الفصل الدراسي الأول يشاركون في المهرجان العربي، والفصل الدراسي الثاني في المهرجان العالمي: «بنحضر لعرض اسمه أليس في بلاد العجائب وده أول عرض ديزني على مسارح مصر، بيمثل المعهد في مهرجان النقابة».

يؤكد «عمر» أن الممثل الهاوي يعمل حسب رؤيته دون أن يعرف هل هي صحيحة أم لا، وهذا ما وجده متوفرًا في الدراسة الأكاديمية: «في المعهد بدرس الأساسيات، ولما بعمل كاستينج بيهتموا بطلبة المعهد لكن الهواه لأ، وهبقي عضو في النقابة وأولوية في الشغل، عاوز أعمل حاجة اتعرف بيها، والناس لازم تبص للفن اللي بيوصل رسالة، بيناقش قضية وبيقدم ليها حلول».
بعد 18 عام..«شاي مظبوط» تخرج إلى النور بـ«اللوحات المسرحية»

منذ أعوامًا طويلة وهو يسعى لتحقيق حلمه، بدايته كانت من مسرح الجامعة عندما درس مادة «الدراما» التي كانت بمثابة نافذة فَتحت الطريق أمامه، وأطل من خلالها على خشبة المسرح، بدأت افكاره تلمع رويدًا رويدًا وأخرج مسرحية «هاملت» لـ «ويليام شكسبير» في ثوبٍ جديد يتلائم مع التقدم التكنولوجي الذي نشهده، احتضن كل موهوب ومد له يد العون بلا مقابل، إلى أن أسس فرقة «شاي مظبوط» التي تضم 30 فرد.

تخرج «سامح طاهر» في قسم اللغة الأنجليزية بكلية الآداب جامعة القاهرة، ورغم انخراطه في مهنة التدريس ظل متمسكًا بعمله كمخرج مسرحي، يقول: «بعافر من 18 سنة، بدأت في مسرح الجامعة بـ 3 مسرحيات، هاملت في شكل مودرن فيها تليفونات ونضارات وعملناها باللغة العامية، ومسرحسة ألمانية، وكينج لير، وأسسنا فريق مسرحي للقسم بتاعنا»، مؤكدًا أن مسرحية هاملت ناقشت الخيانة والبحث عن الذات، أما فرقته المسرحية فتضم أكثر من عنصر: «فيها ممثلين ومطربين وشعراء ومساعدي إخراج وكُتاب ومصحيين لغويين وأعمارهم مختلفة، عشان يبقى العمل كله بمجهودنا ومنحتاجش لحد».

«عيون الفن» الاسم الذي حملته الفرقة المسرحة في البداية، لكن الشاب الثلاثيني قرر تغييره ليواكب العصر الحديث ويصبح «شاي مظبوط»، مشيرًا إلى أن إعداد المسرحية ليس له وقت محدد، فهناك مسرحية تستغرق شهرًا وأخرى تستغرق أعوام: «عملت مسرحية ما هملتش واتعرضت 3 مرات، وحاليًا بحضر للعرض الرابع بشكل مختلف، فيها فلكلور صعيج وعروض وأغاني لإحياء التراث القديم».

استخدم «سامح» «اللوحات المسرحية» لمناقشة الانتماء الوطني لدى الشباب في عرض «7 ليه؟»، يقول: «معنى اللوحة إن المسرحية تكون 3 مسرحيات في مسرحية واحدة بدل ما تكون 3 فصول، وسميتها لوحة لإن المسرحية ليها بداية ومضمون ونهاية لكن اللوحات بتمثل رؤية»، موضحًا أن اللوحة الأولى تُناقش مشكلة عدم ولاء الشباب لوطنهم، والثانية تُناقش الفجوة بين علاقة الآباء والأبناء، أما اللوحة الثالثة فتقدم حلا لمشكلات اللوحة الأولى والثانية: «وضحت إن القصور في العلاقات الزوجية السبب الرئيسي لكل المشاكل دي، من ظروف اقتصادية وكبت، وعدم وجود فرصة لولي الأمر إنه يقرب من أولاده، لأنه يا بيربي يا بيأكل، في المشهد الأخير الزوج بيكتشف إن الزوجة كانت بتشتغل عشان تساعده وهو ميعرفش».

واجه الشاب الثلاثيني صعوبات كثيرة منذ بداية مشواره، منها عدم الوعي بأهمية المسرح وقيمته: «الناس شايفين اللي في المسرح تافين ومش على خلق»، أما المشكلة الأكبر فكانت إيجار المسارح: «التأجير غالي جدًا، لإن كل حاجة بمجهودي الذاتي، مفيش حد في الفرقة بيدفع مليم، الناس بتفكر إن العرض بيتعمل في يوم وليلة، لكن الحقيقة إننا بنتعب وبنواجه صعوبات كتيرة»، لم يقتصر دور «سامح» على تبني المواهب فقط، حيث أعد ورشة إعداد ممثل ومطرب بالمجان: «بساعد أي حد موهوب، وهدفي أعمل منهج مسرحي خاص بيا وأكمل مشواري للآخر».

«آلفا آند أوميجا» يعيد إحياء «البانتوميم» على طريقة «شارلي شابلن»
خرجوا من بوتقة الفن التقليدي، ليقدموا فن مختلف يلمس قلوب الجماهير، يحرك مشاعرهم بالضحك تارة والبكاء تارة أخرى، معتمدين على حركات جسدهم وإيماءات وجوههم دون التفوه بحرف، حبهم لـ «شارلي شابلن» وإيمانهم بما قدمه جعلهم يسيرون على دربه، رغم افتقارهم للامكانيات التي تؤهلهم للظهور، لكن حبهم للمسرح كان الدافع الأول الذي شجعهم على خوض التجربة بلا خوف، لتقديم فن «البانتوميم» في ثوبه الجديد.

اقتبست «آلفا آند أوميجا» اسمها من اللغة القبطية، الذي يحمل معنى ديني خاص بالديانة المسيحية ومعنى آخر فني يُعني «الفن الصامت»، تأسست الفرقة عام 2008 على يد المخرج «مارك صموئيل»، بعمل ورش لتعليم فن «البانتوميم»، يقول: «خدنا أول وآخر حرف من اللغة القبطية المنبثقة من الهيروغليفية ولطع آلفا آند أوميجا».

اقتصرت عروض الفرقة في البداية على فن «المايم» الذي يتميز بالرقص واستخدام الملابس والاكسسوارت والألوان المختلفة، نالوا إعجاب الجماهير ومن هنا اتجهوا إلى فن «البانتوميم»: «بنتجرد من الملابس التقليدية والديكورات وبندهن وشنا باللون الأبيض والأسود بس، لإن الألوان الكتيرة بتكون للمهرج، وكل لون ليه دلالة وهدفنا الأول توصيل فكرتنا بالحركات والإيماءات، وأفلام شارلي شابلن ساعدتنا كتير».

تتألف الفرقة المسرحية من 15 فرد، وأحيانًا يحتاجون إلى أعداد إضافية في العروض: «بنضمهم من الورش اللي بنعملها أو من الكنيسة، اللي شغله حلو وعنده الموهبة بيشارك، لازم يكون عصب جسمه كويس مع الحركات، لإن في ناس وشها مفهوش ريأشكنات وفي مشاهد مش بتظهر غير بتعبيرات الوجه، ومشاهد بنستخدم فيها الإيد والأصابع بس، والموهوب بيتوفر عنده كل ده».

اتسعت شهرة «آلفا آندأميجا» في محافظات كثيرة، وشاركوا في حفلات وايفنتات عديدة: «الفلوس اللي بتطلع من العروض مش بنقسمها على نفسنا، بنحطها في صندوق المسرح لتكليفات المكياج والهدوم، وهدفنا الأساسي نسعد الناس ونوصلهم أفكارنا مش الفلوس»، أما أشهر العروض التي قدمتها الفرقة مانت عن الأشخاص الذين يعيشون بمئة وجه وهو أقرب العروض لقلوبهم: «عملنا عرض باستخدام أجزاء الجسم منفصلة، زي الرأس والرجل، وكل جزء كان ليه دور، وهدفنا منه نعرف الناس أهمية الشغل الجماعي، زي ما أجزاء الجسم مترابطة العمل برضه مش هيكتمل غير لما نتجمع كلنا وشتغل مع بعض».

يستأجر «مارك» قاعات تابعة للكنيسة لإجراء البروفات لكنها لا تكون متاحة أحيانًا: «لو مقدرناش نأجر مكان للبروفا باخد الفرقة وبعملها عندي في البيت، لإننا مش عاوزين حاجة توقفنا مهما كانت صعبة» ويضيف: «البانتوميم يعني حركة وموسيقى، خلط بين الكوميديا والدراما، اللي بيتفرج بيضحك وبيعيط والعرض فيه كل عناصر الفن، صراع وخناق وتحدي وظهرنا كل ده في عرض الثورة».