رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ندوتان فى ميونخ


مؤتمر ميونخ للأمن، انعقد للمرة الأولى سنة ١٩٦٣، تحت اسم «اللقاء الدولي لعلوم الدفاع»، وتم تغيير الاسم لاحقًا إلى «المؤتمر الدولي لعلوم الدفاع»، قبل أن يستقر على اسمه الحالي. وتأتي أهميته من أنه يمنح الفاعلين السياسيين فرصة التواصل، بشكل غير رسمي، على مدار ثلاثة أيام.

المؤتمر، الذي يحمل اسم ثالث أكبر مدن ألمانيا، بدأ الجمعة ١٦ فبراير، بحضور أكثر من ٥٠٠ مشارك رفيعي المستوى، بينهم ٢١ رئيس دولة وحكومة. ومع أنه لم يركز على قضية مركزية، أو رئيسية، إلا أن أحداث الشرق الأوسط فرضت نفسها على أعماله وفعالياته. أما التقرير الرئيسي لدورة المؤتمر، هذا العام، فكان تحت عنوان «إلى حافة الهاوية - والعودة»، وتناول تزايد انعدام الأمن بعد أن تخلت الولايات المتحدة عن لعب الدور الذي وصفه التقرير بـ«القيادي والضامن للنظام الدولي».

غير التقرير الذي يخاصم الواقع، لم يستوقفني في المؤتمر، غير ندوتين: إحداهما شارك فيها سامح شكري، وزير خارجيتنا، والأخرى تناولت مخاطر شبكات التواصل الاجتماعي على الديمقراطية، وتحدث فيها مسئولو شركات «فيسبوك»، جوجل، وميكروسوفت، وكوفي أنّان، الذي تحدث عما وصفها بـ«ثورة شبكات التواصل الاجتماعي في مصر»، وقال إنها «لعبت دورًا حاسمًا في الحشد للثورة المصرية التي أطاحت بالديكتاتور حسني مبارك»، زاعمًا «أن غياب القيادة أدى إلى فشل الثورة. وعودة العسكريين إلى الحكم. وهاهم اليوم يفعلون أشياء لم يكن مبارك يجرؤ على مجرد التفكير فيها».

تاريخ المذكور ينفي احتمال أن يكون قد قال هذا الكلام تحت تأثير المهدئات أو المخدرات. كما لم نعرف أنه تعرض لحادث أصابه بـ«اضطراب ما بعد الصدمة». فالثابت هو أنه وصل إلى منصب سكرتير عام الأمم المتحدة بدعم قوي من الولايات المتحدة التي وضعت كل ثقلها الدولي ضد التمديد لبطرس غالي، لكي يكون المنصب من نصيب المذكور، الذي لم تستمر فرحة الأفارقة به إلا قليلًا، بعد أن عجز عن فعل أي شيء يجعلهم يفرحون أو يفخرون به، فلم يستطع، مثلًا، إحداث أي تغيير إيجابي في قضايا الصحراء الغربية، الكونغو، رواندا، ودارفور. والوضع لم يختلف بالنسبة للعالم العربي، الذي رآه مجرد أداة تستخدمها الإدارتان الأمريكية والإسرائيلية. والأمثلة عديدة، أبرزها موقفه المخزي من الغزو الأمريكي البريطاني للعراق، ورد فعله المائع على حمامات الدماء التي ملأ بها الإسرائيليون شوارع «قانا»، جنوبي لبنان.

كوفي أنّان، بفتح وتشديد النون، Kofi Annan، اسم مركب من «كوفي» أي «الجمعة»، وهو اليوم الذي وُلد فيه، و«أنّان» أي «الرابع»، وهذا ترتيبه بين إخوته. ولو نطقت «عنان» بالعين لا بالألف، فليس من مصلحته أن تكسر العين وتتخلّى عن تشديد النون، لأن ذلك يحيل إلى المعنى العربي للكلمة. و«العنان»، بكسر العين وفتح النون، هو سير اللجام الذي يتم به إمساك الدابَّة، فيُقال «أرخى له العنان» أي وسّع له وتساهل معه. وقد يكون أيضًا جمع «عُنَّة»، وهي عجزٌ يصيبُ الرجل فلا يقدر على الجِماع، أو في قولٍ آخر يجعله «ما بيعرفش»!. ومن محاسن الصدف، أن كلا المعنيين يناسب الدور الذي لعبه الدبلوماسي الغاني في الأُمم المتحدة، طوال عشر سنوات (منذ ١٩٩٧ إلى ٢٠٠٧) أفقدها خلالها ما تبقى من مصداقيتها، بفشله في حل نزاعات دولية عديدة، وبعجزه عن اتخاذ أي مواقف عادلة. كما أثبت أيضًا أنه ليس أكثر من «سير لجام» أو«مابيعرفش»، حين اختير، في فبراير ٢٠١٢، موفدًا خاصًا للأمم المتحدة في سوريا، ولم يستمر لأكثر من ٦ أشهر، اعترف بعدها بفشله.

من حسن حظنا أن وزير خارجيتنا، سامح شكري، كما أشرنا، كان هناك، في ميونخ. وخلال المؤتمر، عقد عشرين لقاءً وشارك في ندوات وأحداث جانبية متعددة، نقل خلالها وجهة النظر المصرية تجاه عدد من القضايا الإقليمية والدولية، وشرح عملية «سيناء ٢٠١٨» التي تقودها قواتنا المسلحة بكل بسالة في سيناء وباقي الأراضي المصرية. واستعرض الجهود التي تقوم بها مصر لحفظ الاستقرار والأمن الإقليميين، ولمكافحة الإرهاب والفكر المتطرف بكل السبل المتاحة، التي لا تقتصر على البعد الأمني والعسكري فحسب، بل تمتد لتشمل كل الجوانب الأيديولوجية والاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية الأخرى.

خلال كلمته، السبت، في الجلسة الخاصة بمكافحة الإرهاب، تناول «شكري» جهود مصر في مواجهة الإرهاب، ومحاولاتها تفعيل العمل والتعاون الدولي للقضاء على هذه الظاهرة. وأكد ضرورة بذل جهود مضاعفة لمواجهة الإرهاب على الصعيد الدولي، خاصة فيما يتعلق بتمويل الإرهاب وتوفير الملاذ الآمن للعناصر الإرهابية، مشددًا على أهمية محاسبة الدول التي تفعل ذلك، في انتهاك صارخ لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

كما انتقد وزير خارجية مصر تبرير أعمال الإرهاب والتخفيف من وطأة الجرم الذي يرتكبه الإرهابيون بحق الآمنين والضحايا الأبرياء. وتطرق إلى المعايير المزدوجة التي تتبناها بعض الدوائر الدولية في تحديد الأسباب الجذرية للإرهاب. وأنهى سامح شكري كلمته بالتأكيد أنه لا سبيل لمواجهة الإرهاب إلا باعتماد نهج دولي واحد بعيدًا عن المعايير المزدوجة.

في تصنيفها الجديد، وضعت جامعة بنسيلفانيا الأمريكية «مؤتمر ميونخ للأمن» في المرتبة الأولى، للمرة الرابعة على التوالي. وأخشى أن يتسبب تقرير المؤتمر، الذي يخاصم الواقع، واستضافته أمثال «أنّان»، أو «عِنَان»، سير اللجام أو «اللي ما بيعرفش»، في هبوط مستوى المؤتمر، وسقوطه في الهاوية التي زعم التقرير أن العالم يقف على حافتها، بعد أن تخلت الولايات المتحدة عن لعب الدور «القيادي والضامن للنظام الدولي» المزعوم!.