رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المرأة العربية والصالون الثقافى العربى


لا تزال أمام المرأة العربية مسيرة نضال طويلة وشاقة وجهد كبير لمشاركتهن بنسب تتناسب مع دورهن فى ثورات الربيع العربى، ولكن فى نقس الوقت لا سبيل أمام النساء سوى المقاومة بكل الوسائل السلمية التى تكفل لهن تحقيق مطالبهن العادلة فى الكرامة والمساواة،

إن المقاومة ضرورية لأنها حائط الصد الأول أمام التيارات الظلامية، وينبغى أن تكون المقاومة من خلال المظاهرة والكتابة والاعتصام، وكل فى مجالها يمكن أن تكون ذات فاعلية فى نشر الفكر التنويرى الذى نحن فى حاجة إلى تجسيده كواقع وأسلوب حياة وثقافة مجتمعية، وألا يتطرق اليأس إلى قلب المرأة العربية التى كانت فى طليعة الثورات فى كل الأزمنة بدءاً من القرن الماضى، ولعل أهم ما أسفر عنه اجتماع الصالون الثقافى العربى الذى يرأسه المفكر المصرى د. يحيى الجمل، والذى يتولى مسئولية الأمانة فيه د. قيس العزاوى، أنه تم تبادل الآراء بين عدد من رموز المرأة فى الدول العربية، وأن اللقاء أتت أهميته فى أنه أوضح لنا تناقضاً غريباً نواجهه بعد الثورات يتمثل فى وجود تيار يعمل على إقصاء المرأة باستخدام الدين.

لذلك أعتقد أنه قد أصبح ضرورياً أن تتكرر اللقاءات بين النساء العربيات حتى يمكن أن يتم تبادل الخبرات ودفع العمل صوب المستقبل بما يتناسب مع تمكن المرأة، وتكوين جبهة عربية قوية تتحد من خلالها الجهود التى تضمن تحقيق مطالب المرأة فى حياة كريمة وآمنة .

وكان من وجهات النظر التى طرحت فى اللقاءات وكان لها صدى متميز، كلمة د. جابر عصفور الذى تطرق إلى نبذة تاريخية كاشفة، فقد استعرض وضع المرأة فى ظل الفكر الإسلامى من الناحية التاريخية، وأوضح أن احترام المرأة لم يسد فى الفكر العربى الإسلامى إلا لحظات قليلة، وهى التى يعلو فيها صوت التيار العقلانى ويسمح الحاكم ببعض الديمقراطية مما يؤدى إلى الانفتاح العقلانى على النصوص الدينية وينظر للمرأة كشريك للرجل؛ وأشار إلى أن بعض هذه الفترات الإيجابية كان من بينها عهد الخليفة العباس المأمون الذى ازدهر المعتزلة تحت رعايته، وقال: «إن مجد المرأة ظل يصعد مع صعود الفكر الديمقراطى فى مصر وبدء عملية تأسيس حركة تحرير المرأة على نحو لم يكن له وجود من قبل إلى الدرجة التى دفعت هدى شعراوى وكثير من السيدات معها ومنها صفية زغلول أم المصريين، إلى أن يخلعن النقاب التقليدى ويسفرون عن وجوههن ويشاركن فى ثورة 1919، وظلت هذه الحركة مستمرة إلى نهاية الأربعينيات، ومع قيام ثورة يوليو 1952، ظلت الحركة موجودة لأن عبدالناصر أيدها، حيث رفض دعوة الإخوان المسلمين للنساء المصريات بأن يرتدين الحجاب، بل إن بعض الجامعات المصرية لم تعرف ما يسمى الحجاب، ثم أدى تحالف الرئيس الراحل أنور السادات مع الجماعات الإسلامية إلى استعادة ميراث الردة والأفكار السلفية والوهابية، فيما يتعلق بحقوق المرأة«، وأتوقف أيضاً عند عبارة كاشفة بالتحديد لما كان منتظراً للمرأة من مشاركة بفاعلية فى ثورة يناير، إذ قال: «من يومها بدأنا نسمع هذا البلاء إلى أن حدثت ثورة 25 يناير، وظننا أن هذه بداية ربيع جديد وتحول حلم الثورة إلى كابوس مملوء بطوائف دينية بدأت تظهر على امتداد العالم العربى لتستعيد ما هو أكثر جموداً مما حدث من قبل فى التاريخ، وبدأنا نسمع عن ابن تيمية والسلفية والوهابية»، وأضاف: «سنجد أن التيار المتطرف قد تمت استعادته بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية، وهنا لابد من التصدى للفهم الخاطىء للإسلام، والعودة إلى أفكار الاستنارة التى ظهرت مع أواخر القرن الـ19، وإضافة أفكار الدولة المدنية فهى التى سوف تحرر الرجال والنساء، وبذلك ينتصر الفكر العربى على هذه النزعة المحرقة للمرأة».

بينما تناولت المستشارة تهانى الجبالى - التى تواجه معركة ضدها لكنها تقف صامدة بموقفها فى التصدى للهجمات الظلامية - إذ قالت: «إن المراة الغربية قد بلغت سن الرشد منذ عقود طويلة، والتحديات التى تواجهها الآن ليست جديدة لا على المرأة ولا على هذا لشعب العربى، وكل هذا إلى زوال، وتيار «اليمين الدينى» له شكل من أشكال التشدد الواضح»، وأضافت »انه إذا كان موقفها قد اقلق هذا التيار فهذا بمثابة انتصار ثقافى لها فى مواجهة تيارات التخلف التى تعامل المرآة على أنها قاصر ولا تعترف لها بمساواة أو بمقدرة على تحقيق الذات«

أما د. صلاح فضل فقد أوضح أن وضع المرأة يمكن اعتباره أيقونة للثقافة لانه متى تحررت المرأة تحرر الإبداع.. وقال: «إن أكبر مشكلة تواجهها هى استخدام الدين فى تضليل العوام وضرورة أن يقترب المثقفون من الجمهور وكشف زيف هذا التضليل».

انتهى اللقاء المتميز الذى يمكن أن نعتبره بداية إيجابية، ونطالب باستمرار التشاور واللقاء بين النساء فى الدول العربية اللاتى يقفن الآن فى الصفوف الأولى للمقاومة ضد التيارات الظلامية، كما نطالب كل القوى المستنيرة، وأهل الفكر والإعلام ومنظمات المجتمع المدنى، بأن يكن خط دفاع منيعاً ضد هذه التيارات التى تمثل أسوأ هجمة على المرأة العربية شهدها التاريخ الحديث