رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طلال سلمان يكتب: تركيا أردوغان تقاتل الجميع

طلال سلمان
طلال سلمان

لم تغادر تركيا «السلطنة» تماما، بل إن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان يتحرك ويتصرف ويتحدث كسلطان عثمانى تشغله هموم مدّ المدى الحيوى للسلطنة، وتوكيد تفوقها وسيادتها على المحيط بمعزل عن «الحدود».

كذلك فإن تركيا لم تُسقط من ذاكرتها ومتن سياساتها كراهية العرب، بل احتقارهم.. وهى لا يمكن أن تنسى «انقلابهم» على السلطنة، وثورتهم ضدها، وانحياز الشريف حسين إلى بريطانيا والغرب عموما وإعلانه الثورة العربية ضدها بتحريض منها ولحسابها.

ولا يخفى الأتراك الطورانيون إصرارهم على إنكار الصلة التاريخية بالعرب وتساميهم بأصولهم التى لا علاقة لها بالعرب من بعيد أو قريب.. وما خروجهم من «استعمار» اللغة العربية وتفضيلهم الحرف الإفرنجى لكتابة «لغتهم» التى تختلط فيها لغات كثيرة إلا التعبير البدائى عن قومية إمبراطورية تتبدل قواعد ونطقا باختلاف الجغرافيا، وإن ظلت الأصول طورانية.

ويعتز الأتراك بأنهم قد «استعادوا» كيليكيا وإسكندرون فاقتطعوهما من مساحة سوريا و«تركوا» أهلهما ومنعوهما من التحدث بلغتهما العربية، كما حرموا عليهما ارتداء الكوفية والعقال أو حتى الطربوش، وفرضوا القبعة الأجنبية فى محاولة لقطع تاريخهم المشرقى وتنسيب أنفسهم إلى الغرب الذى ما زال يتعاطى معهم كوافدين أغراب يحملون فى أعماقهم «روح الإسلام» والنزعة التوسعية.

وأذكر أننى ذهبت يوما إلى الإسكندرونة، فى صيف العام ١٩٦٤، للحصول على وثائق معينة من السيد صلاح الشيشكلى، شقيق الانقلابى السورى المعروف أديب الشيشكلى.. فلم أجده.. ولكننى تعرفت على عائلته، وأصر نجله على مرافقتى كدليل خلال زيارتى القصيرة. وكنا نقصد أحد المقاهى لاحتساء القهوة. ذات يوم، غادرنا المقهى ومشينا فى طريق جانبى، فسمعنا من ينادى خلفنا بالعربية: «يا إخوان.. يا أستاذ، يا أخ».. والتفتنا فإذا هو النادل فى المقهى وقد لحق بنا «لأتحدث لغتى التى كاد المنع ينسينا إياها».

المهم أن تركيا الآن تمارس سياسة توسعية، وبالدم أحيانا، على حساب العرب، بدءا بسوريا، مرورا بالعراق، وصولًا إلى قطر.. إلخ.

ويستحيل تبرئة تركيا من جريمة تسهيل عبور جحافل «داعش» الصحارى والبوادى التى تفصل وتوصل بين تركيا والعراق وتركيا وسوريا من دون أن يراها حرس الحدود التركى المتأهب أو الطيران الحربى التركى.. خصوصا أن قوافل السلاح والعتاد التركى إلى أكراد بارزانى فى العراق كانت تسلك تلك الصحراء دوريا.. كما أن الرقابة التركية وتمرير قوافل السلاح إلى عصابات «النصرة» و«الزنكى» و«أحرار الشام» كانت تتواصل بوتيرة متسارعة.

الطريف أن تركيا التى «حالفت» مسعود بارزانى ضد الحكم فى بغداد، وشجعت أكراد سوريا على انتهاج سياسة انفصالية، تضطهد أكرادها الأتراك والذين تناهز أعدادهم العشرين مليون نسمة، ويواصل جيشها التعامل معهم كعصاة، فيقتل منهم على مدار الساعة ويدمر مدنهم وقراهم.

ولم ينس المصريون بعد أن حكومة أردوغان المنحدرة من أصول إخوانية قد دعمت حكم الإخوان المسلمين فى مصر، وعندما تم إسقاطه بثورة الميدان التى ناصرها الجيش المصرى، وفرت تركيا الملجأ والملاذ «للإخوان» المصريين إلى جانب «الإخوان» السوريين الذين احتشدوا فيها واتخذوها منطلقا لحربهم على النظامين المصرى والسورى.

كذلك فإن النزعة التوسعية التركية لا تترك خلافا عربيا - عربيا إلا وتغذيه، وقد دفع الطموح الأتاتوركى أردوغان إلى إنشاء قاعدة عسكرية بحرية فى قطر، مستفزا بذلك كل دول الجزيرة والخليج.

بالمقابل فإن العلاقات التركية مع العدو الإسرائيلى تتطور باستمرار، كمًا ونوعًا، مدنيًا وعسكريًا.. ولا تنفع التصريحات والخطب العنترية عن حقوق الشعب الفلسطينى فى التغطية على الانحياز التركى إلى العدو الإسرائيلى.

فى لقاء، قبل سنوات، مع الرئيس التركى أردوغان، فى القصر الرئاسى بأنقرة، وجدت نفسى أغرق فى تأمل تصرفات وكلمات أردوغان وهو يتحرك كإمبراطور، وحين ألمحت إلى عصر السلطنة العثمانية، ابتسم أردوغان وهو يقول: أظنكم، أنتم العرب، تحمّلونها المسئولية عن كل ما أصابكم ويصيبكم الآن.. أما نحن فقد تخلصنا من سلبياتها، وها نحن نبنى على الإيجابيات فيها.

ها هى تركيا، الآن، تصطدم بروسيا، عبر إسقاط الطائرة الحربية الروسية فوق الأرض السورية، التى يهاجمها الجيش التركى فى منطقة عفرين وجوارها بذريعة مقاتلة الأكراد و«تطهير» المنطقة (السورية) منهم (وهم سوريون) فى أرضهم.

كذلك فهناك احتمال أن يتصادم الأتراك والأمريكيون على الأرض السورية، فضلا عن التصادم الحتمى بين القوات السورية والأمريكيين الذين شجعوا الأكراد السوريين على احتلال أجزاء مهمة بعنوان مدينة الرقة السورية التى ليس فيها إلا أقل من ٣٪ من الأكراد.. لكن الأمريكيين جعلوها أشبه بمسمار جحا، ليحجزوا لهم دورا فى أى مشروع «للتسوية» وإنهاء الحرب فى سوريا وعليها.

إن «السلطان» يهرب من مشكلاته الداخلية العديدة إلى أحلام الإمبراطورية التى باتت من الماضى الملعون منه ومن كل رعايا تلك «السلطنة» التى فرضت التخلف والقهر والجوع على العرب.. ومعهم الأتراك.

إن غرور السلطان يقابله تهافت العرب وتفكك دولهم التى يصطنع بعضها بئر نفط أو حقل غاز.

وما لم ينتبه العرب إلى ما يُدبر لهم من «سلاطينهم» قبل سلاطين الآخرين، فسيظل المستقبل العربى رهينة الواقع المهين!.

نقلًا عن «السفير العربى»