رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

زوجات أبطال وشهداء القوات المسلحة والشرطة يروين يوميات الفراق والصبر

صوره ارشيفيه
صوره ارشيفيه

«الحب تضحية».. جملة مثالية قصيرة نقولها أحيانا وتمر بسلام، لكن هناك من يجسدون يوميًا معناها فى صمت، هن زوجات وشقيقات ووالدات الشهداء ومقاتلى القوات المسلحة والشرطة فى سيناء، وغيرها من المناطق، واللائى دائمًا ما تنبض قلوبهن بالدعاء والرهبة والتضحية.
وبينما تنتظر النساء فى احتفالات «عيد الحب» هدايا من أزواجهن، أهدت نساء أخريات استقرارهن وراحتهن وحبهن لنا جميعًا ولبلدهن، حين يودعن أزواجهن فى كل مرة وهن يرجون من الله عودتهم، بيقين من إيمانهن وحبهن وقدرتهن على التضحية.


نسمة سراج، تطلق على نفسها صديقة الشهداء، ليست زوجة شهيد ولا ضابط ولكن يجمعها بهن الحب الأسمى، حب الوطن، تحكي عن إحدى صديقاتها زوجة الشهيد، فتقول أعرف زوجة شهيد استلهم منها القوة والرغبة في استكمال الحياة بعد رحيل بطلها الغالي.
أضافت أنها تكتب عنه كل يوم على مواقع التواصل، لتحكى تفاصيل حياة لا يشاركها فيها بطلها بجسده، لكن بروحه، وتذهب إلى قبره وتحكى معه، وتصور طفلها الصغير الذى شهد والده ولادته فقط.
وحين أكمل طفلها عامه الأول، أقامت حفلة لا تضم سواها وطفلها وصورة والده الشهيد على الحائط، وهدفها من ذلك أن يدرك صغيرها قصة بطلهما الغائب ونبله وتضحياته.
لا تترك الأرملة الوفية يومًا، دون حكى وتسجيل، وكأن «فيسبوك» صار مفكرة لليوميات والمذكرات، تحكى عنه وعن مواقفها معه وعن حضوره الروحى كضلع أساسى يكمل مثلثها مع رضيعها، ويشاركها الحياة لحظة بلحظة، على حد قولها.

أما الموضوع الدورى للأم الصغيرة والموجوعة والقوية على «فيسبوك»، مع مطالع الشهور وأعياد «الميلاد والزواج والأم والحب»، فهو صورها مع طفلها أمام قبر الوالد الشهيد، وتفصلهما عنه باقة ورود تحيى هذا البطل فى قلبها وقلب صغيرها.

وفى وسط هذه الحياة المبنية على الصبر كجسر لمستقبل طفل لم ير والده، تواجه الزوجة البطلة مع مثيلاتها، شماتات أنصار القتلة، الكارهين للبلد ولأبطاله، لا تبادلهم أذى بأذى، فقط تشفق على من لم يفهم معنى البطولة والفداء والتضحية وحب وعشق الأوطان، ثم تعود لبيتها، ترمم أوجاعها وما تبقى منها من أجل أمانة استودعها زوجها لديها، تعود لتقتات على الذكريات والصور التى التقطتها فى لحظات سعادة أفلتت فجأة، فتعيد بها شحن نفسها وقواها واستمرارها فى الحياة.

تتابع: لا تمل من التحدث مع طفلها كل ليلة عن والده البطل الذى دافع باستماتة عن أرضه، حتى يحيا هذا الوطن، تنسج له القصص ليعشق والده ويعشق أكثر البلد الذى ضحى أبوه بحياته من أجله، وتربيه على أن يكمل مسيرة الراحل.
هايدى أيمن، زوجة ضابط مشارك فى معركة الإرهاب بسيناء، اعتادت منذ الصغر التحمل والانتظار، إذ كان والدها فى سفر دائم، لا تقطعه إلا إجازات قصيرة، وهو ما تكرر معها رفقة زوجها البطل.
تحكى كيف تعيد قصة والدتها، وتقول: «اعتدنا دائما منذ الطفولة أن نعيش أغلب الوقت ووالدى فى سفر، أمى كانت فى قلق أيضًا، فقد كانت تخشى حدوث أى مكروه لنا وهى وحدها، لكنه عندما يعود يعوضنا بحنانه ويغدق علينا الحب ويستمع إلينا، كأنه لم يغب أبدًا، وهو ما يتكرر الآن بنفس الأجواء من الحب والتضحية مع زوجى».
وأضافت: «ليست هناك نساء خلقن للصبر والمعافرة، ونساء لا يستطعن، فالتجربة كفيلة بصناعة البطولات الأسرية، كما تصنع الحرب بطولات الجنود والضباط».
سمية محمد، زوجة ضابط يخدم بالقرب من الحدود مع ليبيا، تحكى أنها صارت تحفظ نبرات صوته حين يهاتفها ليقول لها إنه سينام، وهى تعرف أنه لن ينام، وأنه سيغيب فى مأمورية، يختنق صوتها بالبكاء، لكنها تخفى خوفها كى لا تزيد الحمل عليه.
يتباريان فى إخفاء قلقهما عن بعضهما البعض، تنتظر ساعات طويلة أو أيامًا، تقرأ الأخبار وأسماء الشهداء وقلبها يرتعش قبل أن تلتقط أنفاسها بعمق مرة أخرى عندما يهاتفها مجددًا.
تقول: «كان أهلى رافضين زواجنا عندما تقدم لى، حذرونى من ألا أستطيع تحمل الغياب والفراق ولحظات الوداع المتكررة، لكنى أقنعتهم أن الموت لا يفرق وأنه (لا تدرى نفس بأى أرض تموت)، لم أكن بالقوة التى تظاهرت بها، لكننى كنت أعرف أن قوة عزيمته تكفينا لنتقاسمها معًا».
وتضيف: «فى كل مرة يسافر تطمئننى عيناه أنه سيعود لى ولأبنائنا، وإن لم يعد بجسده فسيعود للأبد شهيدًا حيًا بيننا بسيرته وشرفه وبطولته، الأمر ليس سهلًا كالكلام، لكن البطولة مُعدية»، لافتة إلى أنها لا تعرف من أين تأتى بهذه الطاقة وبهذا الكم من الإيمان والتحدى.