رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شعير الأهرام: الكتابة قمة أحلامي ومنتهى آمالي.. و«الثورة العميقة» أولى رحلاتي نحو التأريخ المستقل (حوار)

تصوير: محمد أسد
تصوير: محمد أسد


بينما أمضي في طريقي صاعدًا على سلالم مؤسسة «الأهرام» العريقة، استعد لإجراء حوار صحفي مع هذا الكاتب، وبينما هدير الأفكار يتوارد إلى ذهني، أخذني إحساس أن هذا الحوار سيكون أشبه بالسير على الأشواك في حقل ملئ بالألغام، وهو ما جعلني أبدأ في تهيئة نفسي لصدام واشتباك متوقع بيني وبين مضيفي.

لم تكن تلك العاطفة التي تملكتني نابعة من فراغ، فهذا الكاتب اختار الاشتباك مع منطقة ملتهبة من خلال كتابه الصادر مؤخرًا، يكفي أن يختار له عنوانًا باسم «الثورة العميقة»، وهي تلك اللفظة التي تحوّلت، بقصد أو بدون، لكلمة سيئة السمعة!

لكن بمجرد أن بدأ شريط الحوار في الدوران، وجدت أمامي رجلًا هادئًا الأفكار ومرتب الرؤى، لا يتبرأ من مداد حبره ولا من كلماته، يؤكد دومًا أن ما يقوله أو يكتبه لا يهدف من ورائه البحث عن سلطان زائل، إنما يخطه بيمينه ابتغاء وجه الله والوطن معًا.

الكاتب الصحفي محمد شعير، التقته «الدستور» في حوار خاص بمناسبة صدور كتابه «الثورة العميقة»، الصادر عن دار بتانة للنشر والذي يرصد ويقدم من خلاله وصفًا لرحلة مصر نحو الطريق الرابع؛ في عمل يعتبر أنه سرد كلماته بدمه ودموعه وابتسامته، ودار شريط الحوار:

◘ بعد ثورتين ما الذي يحمله قلم محمد شعير من جديد الأفكار والكلمات ليقدمه للقارئ في كتابه «الثورة العميقة»؟

○ كتابي الثورة العميقة هو كتاب يأتي بعد ثورات الميادين التي قام بها الشعب المصري، ومثلما جرت العادة تمضي الثورات بزخمها وحضورها، لكن تبقي هناك أشياء لا تذروها الرياح، باعتبارها نتاج متصل للفعل الثوري.

وبعد أن نجحت هاتين الثورتين في إسقاط نظامين مختلفين، لم يتبق لنا الآن إلا الثورة العميقة، وهي حالة أرصدها بالقلم والكلمة، أدعو من خلالها الجماهير لضرورة الثورة على النفس عن طريق تغيير السلوكيات والثقافات.

فالثورة الحقيقية هي الثورة التي تغير من فكر وأفكار الجماهير بما يناسب خصوصية تلك اللحظة العميقة التي تمر بها الأوطان.

◘ قبل أن يأخذنا الحكي للحديث عن كتابك «الثورة العميقة».. هل ما جرى في مصر أثناء 25 يناير و30 يونيو ثورات أم أنهما عبارة عن حالة من الحراك الشعبي؟

○ ما حدث في يناير ويونيو ليس بثورة، لكنهما في علم وكتاب التاريخ عبارة عن تغيّر كبير، لكن بغض النظر عن هذا أو ذاك، الشئ المؤكد أنهما حققتا بعضًا أو كل مما أراده المصريون وخرجوا من أجله ويكفي أن «يناير - يونيو» أطاحًا بنظامين ظنا كل منهما أنهما ناجيان من رياح التغيير.

هذا الكلام عندما أقوله، فأنا أستند في شهادتي إلى ما يقوله علماء التاريخ البارزين، وأذكر هنا تحديدًا الدكتور عاصم الدسوقي، الذي دائمًا ما يردد ويؤكد حقيقة يعتبرها غير قابلة للتأويل أو التهوين، وهي أن الثورة الحقيقية هي التي تُحدث تغييرًا جذريًا في نظام الحكم بالكامل، بطريقة تقود وتُمكن من قاموا بها من مقاليد السلطة.

◘ إذًا بذلك التعريف نجد أنفسنا مطالبين بإعادة النظر في صفحات التاريخ التي طُويت وتحديدًا الأحداث الكبري التي تقدم ويتم تدريسها للأجيال الحديثة على أنها ثورات؟

○ دومًا لا تعنيني الأسماء أو المسميات؛ كل ما يشغلني دائما هو إلي أين تمضي بنا تلك الأحداث؛ فعندما أجد حدثًا جللًا قاد المجتمع إلى مسار استقلال وطني، وأحدث ثورة في التصنيع، وطفرة في الزراعة، فذاك هو ما يدعيني للتوقف والتأمل ولا شئ غير ذلك.

ومن خضم ذلك المسار تنبع فكرة «الثورة العميقة» التي أتحدث عنها وأعينها في كتابي، فإذا كنت تبحث عن ثمار التغيير، فعليك أن تبدأ بنفسك، فإن كانت الثورة حق، فالأحق منها هو إصلاح الإنسان لنفسه ومحاسبته.

◘ لكن هناك من يقول أن شعير في كتابه «الثورة العميقة» يقوم بردة على كتابه السابق «هدير الصمت»، الذي سبق أن قدمه في أعقاب نجاح ثورة يناير فور الإطاحة بنظام مبارك؟

○ لدىّ يقين ثابت لا تختلط به أبدًا أدنى شائبة من الشك، يتمثل في أن ثورة يناير كانت صادقة في الجزء الأكبر حتى وإن طالتها بعض الآثام من فئات قليلة، أرادت تطويعها لمصالحها الخاصة.

◘ بشكل أكثر توضيحًا.. هل في كتابك الثورة العميقة تقدم مراجعة لبعض الأفكار التي سبق وأن أوردتها في «هدير الصمت»؟

○ صمت لثوان معدوادات ثم قطع حالة السكون التي حلت بالمكان:«نعم، في كتابي الجديد أقدم مراجعة لبعض الأفكار التي قدمتها في هدير الصمت، والتي اعتبر نفسي قد تسرعت في إطلاقها».

«هدير الصمت» عبارة عن تلخيص لقصة بشر في ثورة، اجتهدت من خلاله في رصد عددًا من المشاهدات والكواليس التي دارت حولي آنذاك، سواء داخل مؤسسة «الأهرام» العريقة التي أنتمي إليها أو ما كان يدور داخل المقهي والشارع من أحداث ومشاحنات ودموع وابتسامات عايشتها بنفسي.

فمع اندلاع وتصاعد الأحداث بعد 28 يناير المعروف بـ«جمعة الغضب»، أدركت وأيقنت وقتها بأن مصر أمام لحظة حقيقية.

ولتلك اللحظة يعود السبب في أن تأتي صفحات الكتاب محملة بكثير من الزخم تجاه «يناير»، باعتبار أن وقتها الثورة كانت هي الحاكمة، وفي النهاية لن يتبقي من «هدير الصمت»، إلا تلك اليوميات التي سجلتها دون أن ابتغي من وراءها سبيلًا نحو منفعة أو سلطان زائل.
◘ نعود من جديد إلى كتاب «الثورة العميقة».. هل يقدم «شعير» ذلك المصطلح باعتباره مرادفًا للثقافة التي يفتقدها المجتمع؟

○ لا أقصد الثقافة بمعناها المتواتر لدي القطاع العريض من المجتمع، ربما تكون واحدة من الأدوات التي تحقق نوعًا من التوازن؛ لكن ما أقصده تحديدًا هو تغيير ثقافة المجتمع بالاستماع إلى الآخر وتقبل وجهات النظر المختلفة والمتابينة شكلًا ومضمونًا، لأجل القضاء على ظاهرة رأيي صواب وما عداه خطأ.

فقط، نحتاج أن نمتلك المعلومة قبل إبداء الأراء، إضافة إلي التخلص من ظاهرة نفاق الحكام والظاهرة الأخري التي أراها أشد بؤسًا وأشد تنكيلًا، وهي نفاق الجماهير.

◘ كيف تبحث عن بعد ثوري ثالث متمثل في «الثورة العميقة» في حين أن الشعارات التي خرجت من أجلها ثورة يناير وموجتها الممتدة في يونيو يراها البعض تتعرض لانتكاسة؟

○ لا أتفق من الطرح القائل بأن ثورة يناير وأحلامها التي صدحت بها جناجر الجماهير تواجه انتكاسة، الثورات لا تحقق أهدافها ومبتغاها بين عشية وضحاها، نحن، الآن، ما زالنا في مرحلة سنة أولي سياسة، وهناك تغيرات تحدث في المشهد السياسي والاجتماعي، لكن علينا ألا نتعجل قطف الثمار.

في حين تتأمل المشهد السياسي بنظرة يكتنفها الحياد والموضوعية، تجد أن هناك بعضًا من المكاسب التي حققتها ثورة يناير؛ أبرزها بالطبع يتمثل في القضاء على فكرة مظلومية الإخوان، التي كانت الجماعة تستخدمها كوسيلة تحاول من خلالها كسب المتعاطفين معها.

◘ محمد شعير كيف يرصد قلمك الصراع الدائر ما بين ثورتي يناير ويونيو؟

○ الصراع الدائر حاليًا هو عبارة عن صراع بين أهل يناير ويونيو وهما رغم الاختلاف الباين فيما بينهما؛ إلا أنهم اتفقا على الانحياز المطلق لما يؤمنون بهم؛ فكلاهما يتعامل مع الثورة التي يؤيدها باعتبارها وحي أنزلته السماء، خالي من الأخطاء ومنزه من دنس الخطايا؛ الأمر الذي كان سببًا في ما آلت إليه الأمور من سيادة لمناخ التخوين والاتهام.

وهذا المناخ المفعم بالغيوم، هو السبب وراء دعوتي لفكرة «الثورة العميقة»، بمعناها المتجسد في ثورة المصريين علي أنفسهم لأجل التغيير الأفضل.

◘ تنفي عن الثورة تعرضها لانتكاسة، لكن الفترة الماضية شهدت عودة جماعية لوجوه سبق وأن ثأرت عليها الجماهير مثلما الحال مع بعض الوزراء والنواب.. فمتي إذا تحكم الثورة؟

- لكي تحكم الثورة لا بدّ من بناء تيار وعي، وهذا التيار لكي يتشكل وتكتمل ملامحه يحتاج إلى سنوات، وتلك نقطة.

○ النقطة الثانية نحن بعد أن جربنا المسار الثوري المشابه للدعوات اليت كان يُطلقها جمال الدين الأفغاني؛ علينا الآن أن نبحث عن المسار الإصلاحي الذي سلكه والتمسه الإمام محمد عبده؛ وهو الاتجاه الواجب علينا الآن اتباعه واعتناقه؛ فلحظة التغيير الحقيقية تبدأ من صلاح وإصلاح النفوس.

أما النقطة الثالثة؛ فعودة بعض الوجوه السابقة للمشهد؛ هو أمر ليس محل اتهام أو انتقاد، هو فقط يتوقف علي طبيعة تلك الوجوه من تكون؟؛ فليس من شغل منصبًا قبل 25 يناير فاسد؛ والمثال الأبرز على ذلك يتمثل في شخص عمرو موسي وحسام بدراوي؛ كلاهما مثال لنموذج الرجل الإصلاحي.

دعونا نتوقف عن تتبع سياسية «أما - أو»؛ والتي أوردتنا المهالك، البشر لا يمكن أن يكونوا شياطين أو ملائكة، فالوقت حان للتخلص من عقلية الفهلوي التي تغلف أحكامنا وتسيطر على تفكيرنا.

◘ لكن هناك أصوات تري أن الثورة ترجع إلى الخلف زاعمًة وجود تشابه في السياسيات بين النظام الحالي والأنظمة السابقة عليه؟

○ دعنا نتفق على شئ مهم، السلطة الحاكمة دائمًا ما تكون إفراز لشعبها؛ هي نتاج لثقافة المجتمع بما يشمله من فئات، وتلك لقطة من الكادر.

أما المشهد بالكامل؛ فالصورة تقول أن السلطة الحالية ليست امتدادًا لسابقتيها؛ وإن كانت هناك بعض الممارسات المرفوضة، لكن بالتأكيد يبقي هناك صدق في النوايا، وتشبث بتحقيق الإصلاح، يتمثل في التركيز على بناء الاقتصاد بإقامة المشروعات الكبري، لكن يبقي الاهتمام ببناء الإنسان مازال نقطة ضعف يأخذها كثيرين على هذا النظام؛ فإصلاح البشر يجب أن يسير جنبًا إلي جنب مع الحجر، دون فضل لأحدهما على الآخر.
◘ محمد شعير هل حان الوقت أن نقول فيه إن «الثورة العميقة» التي تدعو لها هي المرادف الموضوعي لـ«الديمقراطية»؟

○ ليس على المطلق، فالإيمان بالديمقراطية يختلف من فرد لآخر هناك من لا يؤمن بالرأي الآخر، ولا يري في الكون إلا نفسه؛ وهناك من يعتنق ديمقراطية المرة الواحدة وبالتالي ليس لزامًا أن تكون الثورة العميقة مردافًا للديمقراطية.

«الثورة العميقة» هي عبارة عن ثورة تدعو لتتبع وسائل التغيير السلمي، باستمرار القتال المعنوي؛ الذي يؤدى في النهاية إلي حدوث تغيير في الفكر والأفكار.

◘ وماذا يحمل قلمك ومداد كلماته ليقدمه للقارئ خلال الفترة المقبلة؟

○ محمد شعير يحلم بمشروع يقدم من خلاله نوعًا من التآريخ المستقل للتاريخ؛ بعيدًا عما يكتبه المنتصر أو يسربه المهزوم؛ حالة أحلم بتقديمها أستند فيما أقوله إلي معلومات لا يخالطها الهوي أو تحوم حولها دوائر الشك والشبهات، باختصار أحلم بتقديم تجربة كتابية تؤرخ لرحلة الطريق الرابع في مصر الجديدة.

◘ قبل أن نغلق هدير الحديث المتدفق حول «الثورة العميقة».. هل تري في نهاية النفق شعاع نور؟

- بالطبع؛ أؤكد لك أنه في نهاية النفق يوجد النور ساطعًا، وهذه الإجابة التي تفوح من جنباتها رائحة التفائل القوي؛ لا أبنيها علي سذاجات أو أوهام، إنما أستند إليها على قراءة عميقة ومتأنية للأحداث؛ مفادها الثورة فقط بحاجة إلي بعض الوقت الذي يخالطه الصبر لأجل قطف ثمارها.

فقط، ما أطلبه من الجميع هو الصبر على الدولة، والسير في مسار العمل السياسي، معارضين كنا أو مؤيدين؛ ومن تعتريه نبرات اليأس وتسيطر على أفكاره أحاسيس الإحباط؛ فلينظر ماذا فعلت ثورة يناير بمنصب رئيس الجمهورية؛ فيكفي أنها نجحت في أن تُسقط الحصانة المقدسة عن هذا المنصب الرفيع.

وإذا كانت كلماتي تطالب المعارضين للسلطة بالانخراط في دهاليز العمل السياسي؛ فالنظام، من جانبه، مطالب هو الآخر باستيعاب معارضيه وفتح أبواب السياسية الموصودة أمامهم.

◘ لا يمكن أن ينتهي الحوار بدون الحديث عن «مصر الصغرى» أو مؤسسة «الأهرام».. إلى أين سينتهي المآل بهذا المبني العريق؟

○ يضحك مجيبًا.. مؤسسة «الأهرام» فعلًا كما وصفتها هي مصر الصغرى؛ فـ«كافة» ما يحدث ويدور داخل الشارع المصري، دائمًا ما يكون له صدى وانعكاس على هذا المبني العريق، لكنني لست من أصحاب القرار وصناع السياسيات، حتي أتحدث وأقول، فقط، أنا من الحالمين بعودة تلك المؤسسة لسابق تاريخها الذي لا يفارق عتبات المجد والنجاح.

حاليًا هناك صدى لأحاديث تتردد بقوة داخل جنبات المبني، تؤكد بأن «الأهرام» على موعد مع طفرة صحفية شكلًا ومضمونًا، وبالطبع هذا ما نتمناه ونريده، وإن كنت أخشي من الهوي الذي عادة ما يمكن في بعض التفاصيل.

◘ دائمًا ما يقولون إن الشيطان يكمن في التفاصيل.. في أي شئ يخشى محمد شعير على محبوبته «الأهرام»؟

○ فكرة التطوير موضوع ليس بالسهولة التي يحلم بها البعض؛ الفكرة عندي ترتبط بما ذكرته سابقًا، إلا وهو؛ الثورة العميقة، وهي فكرة الاستعداد للتغير والثورة على القوالب والتابوهات.

الآن، هناك حالة من الضعف الشديد في الملكات الخاصة التي يحتاجها الصحفي للعمل في بلاط صاحبة الجلالة؛ فالآن تجد حالة من التردي علي المستوى اللغوي والنحوي في كتابات العديد من شباب المحررين المصريين، في وضع أراه شديد السوء.

العقل يقول إننا قبل أن نُقدم على خطة التطوير المنتظرة تلك، هل لدي محرري المؤسسة النية للثورة على ذواتهم، واستيعاب جديد الأفكار ومراجعة الأخطاء؛ تلك هي اللقطة التي أتمني إلا نتوه في تفاصيلها، وإن نجحنا في تجاوزها؛ فالمؤكد أن نقطة الإنطلاق نحو التطوير ستبدو أيسر وأسهل.
◘ لكن هناك أصوات تري أن الثورة ترجع إلى الخلف زاعمًة وجود تشابه في السياسيات بين النظام الحالي والأنظمة السابقة عليه؟

○ دعنا نتفق على شئ مهم، السلطة الحاكمة دائمًا ما تكون إفراز لشعبها؛ هي نتاج لثقافة المجتمع بما يشمله من فئات، وتلك لقطة من الكادر.

أما المشهد بالكامل؛ فالصورة تقول أن السلطة الحالية ليست امتدادًا لسابقتيها؛ وإن كانت هناك بعض الممارسات المرفوضة، لكن بالتأكيد يبقي هناك صدق في النوايا، وتشبث بتحقيق الإصلاح، يتمثل في التركيز على بناء الاقتصاد بإقامة المشروعات الكبري، لكن يبقي الاهتمام ببناء الإنسان مازال نقطة ضعف يأخذها كثيرين على هذا النظام؛ فإصلاح البشر يجب أن يسير جنبًا إلي جنب مع الحجر، دون فضل لأحدهما على الآخر.