رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر.. الكويت.. وإعادة إعمار العراق


 

عاد إلى القاهرة، صباح الجمعة، المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء السابق، مساعد الرئيس للمشروعات القومية والاستراتيجية، قادمًا من العاصمة العراقية، بغداد، بعد زيارة استغرقت أربعة أيام، التقى خلالها كبار المسئولين العراقيين، وبحث مع حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي، سبل تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين، وسلّمه رسالة الرئيس عبدالفتاح السيسي، التي أعرب فيها عن دعم مصر للعراق واستعدادها للمشاركة في جهود إعادة الإعمار والتنمية.

أبرز محطات «محلب»، التي رافقه خلالها وفد وزاري وعدد من رجال الأعمال، كانت زيارته إلى الموصل، أكبر مدينة عراقية تضررت، وتم تدميرها بشكل شبه كامل في الحرب ضد تنظيم «داعش»، ليكون هو أول مسئول عربي وأجنبي يزور المدينة بعد تحريرها من قبضة التنظيم الإرهابي. ولأبنائها، ولكل الشعب العراقي، نقل تهنئة الرئيس السيسي بتحريرها، وتعرف على احتياجات المدينة من المشروعات. وعلى أهمية الزيارة، فإنها ليست أكثر من تأكيد لموقف مصر الثابت بشأن دعم العراق والتمسك بوحدته وسيادته، وانعكاس طبيعي لمتانة العلاقات بين البلدين، واستمرار لوقوف مصر وشعبها إلى جوار الشعب العراقي في مواجهة التحديات الراهنة، التي جاء الوقت لترجمة ذلك كله إلى خطوات ملموسة ومشروعات على الأرض.

مساعد رئيس الجمهورية للمشروعات القومية، التقى أيضًا الرئيس العراقي فؤاد معصوم، وسليم الجبوري، رئيس البرلمان، وكل الوزراء والمسئولين العراقيين تقريبًا، ومعهم جميعًا ناقش ملف دعم التعاون بين مصر والعراق في مختلف المجالات، خاصة المتعلقة بإعادة الإعمار وقام بعرض إمكانيات الشركات والمصانع المصرية، مؤكدًا استعداد مصر الكامل لتقديم ونقل خبراتها وتسخير كل إمكاناتها لتحقيق التنمية في العراق والنهوض بالمشروعات المقرر تنفيذها. وكان رائعًا أن يَعد «الجبوري» بتذليل كل العقبات، سعيًا إلى زيادة التبادل التجاري بين البلدين. وأن يؤكد حرص العراق، حكومة وشعبًا، على إعطاء أولوية للشركات المصرية في تنفيذ مشروعات إعادة الإعمار والتنمية.

زيارة «محلب» إلى بغداد، جاءت قبل أيام من انعقاد «مؤتمر الكويت الدولي لإعادة إعمار العراق»، وتزامنت مع تحركات تقودها بغداد لإعادة إعمار البلاد، أبرزها مؤتمر السفراء السادس الذي عقدته وزارة الخارجية العراقية تحت شعار «الدبلوماسية العراقية.. إعادة الإعمار وتنويع الشراكات الاستراتيجية»، وفيه حدد رئيس الوزراء العراقي، الجمعة، معالم السياسة الخارجية لبلاده، مؤكدًا سعيها إلى إقامة علاقات طبيعية مع جميع دول الجوار في ضوء المصالح المشتركة. ومعربًا عن «تفاؤله بمستقبل العراق ونمو اقتصاده في فترة قصيرة مقبلة». وفي المؤتمر نفسه، أشار فؤاد معصوم، رئيس جمهورية العراق إلى أن «مستوى نجاح العلاقات الدولية يعبر عن الرقي السياسي والحضاري لهذه الدولة أو تلك».

بهذا الشكل، يمكننا النظر إلى مؤتمر السفراء السادس، وإلى زيارة «محلب»، على أنها تمهيد للمؤتمر الدولي لإعادة إعمار العراق، الذي ينطلق الأسبوع المقبل في الكويت. نعم، في الكويت التي ما زال شعبها يعاني تبعات غزو العراق لها منذ ٢٨ سنة. والتي لو أغمضت عينيك عن موقفها «الملتبس» من إمارة قطر، ستجد أنها تلعب دورًا محوريًا في المنطقة وتسعى، عبر سياسة الحياد الإيجابي الفعال، إلى التوفيق بين الجهات والجبهات والخنادق المتناقضة. وبغض النظر، أيضًا، عن عدم انضمامها، إلى الآن، للدول العربية الأربع الداعية لمكافحة للإرهاب، فإنك لا تملك إلا الإشادة بانتصارها لدورها الإنساني والأخلاقي والعربي، وقيامها بحشد جهود المنظمات الإنسانية وتعزيز جهود الشراكة في مواجهة التحديات المؤلمة التي يواجهها الأشقاء في العراق.

دولة الكويت، كما عرفنا من وزارة خارجيتها، بدأت الاستعداد للمؤتمر، منذ إعلان أمير البلاد عزمه استضافته المؤتمر، استمرارًا لدعم الكويت للعراق الذي «لم يتوقف ولن يتوقف». لأن «أمن واستقرار العراق من أمن واستقرار الكويت والمنطقة». إذ كان أمير دولة الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، قد أبلغ رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في يوليو الماضي استعداد بلاده لاستضافة مؤتمر دولي لإعادة إعمار العراق، عقب إعلان العراق تحرير الموصل من سيطرة تنظيم «داعش» الإرهابي.

يزيد من أهمية المؤتمر، أن تكون له أبعاد تنموية، وأن يشارك فيه البنك الدولي بصفته مساهمًا رئيسيًا، وبتوفيره الضمانات المطلوبة للقطاع الخاص، الذي سيتولى عددًا من المشروعات، بينما ستتولى الحكومات عددًا آخر. وعليه، تم تخصيص اليوم الأول، من المؤتمر الذي سينعقد خلال الفترة من ١٢ إلى ١٤ فبراير، لمؤسسات المجتمع المدني، واليوم الثاني للقطاع الخاص، على أن يكون اليوم الثالث للدول التي ستعلن مساهماتها في إعادة الإعمار.

قيل إن المبلغ الذي تحتاجه إعادة إعمار العراق يزيد على ١٠٠ مليار دولار. وعلى الرغم من ضخامة الرقم، فإن الوصول إليه لن يكون مستحيلًا في ظل مشاركة ما يزيد على الألف شركة ورجل أعمال، ومع قيام الحكومة الكويتية بتوجيه دعوات لأكثر من ١٠٠ منظمة محلية وإقليمية ودولية، وأيضًا مع وجود مؤتمر «استثمر في العراق»، ضمن الفعاليات، بتنظيم مشترك بين غرفة تجارة وصناعة الكويت والهيئة الوطنية للاستثمار في العراق، والبنك الدولي والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية. وهو المؤتمر الذي سيعرض فيه العراق دراسة جدوى، وتراخيص جاهزة لستين مشروعًا استثماريًا أساسيًا تتجاوز استثماراتها ٨٥ مليار دولار.

..وتبقى الإشارة إلى أن الأزمات الراهنة وتداعياتها الخطيرة، التي تشهدها دول عديدة في المنطقة تحتم على المجتمع الدولي تحمل مسئوليته، وتجعل الحاجة مُلحّة إلى تأسيس لـ«بنك عربي لإعادة الإعمار والتنمية»، نتمنى أن يشهد «مؤتمر الكويت» الإعلان عن بدء تأسيسه.