حسين عبد الرحيم يكتب عن معرض القاهرة الدولي للكتاب
في معرض القاهرة الدولي للكتاب وفي دورة العام 1990، كان سمير سرحان رئيسًا للهيئة وكان من ضيوف اليوم في حضوري الفلسطيني إميل حبيبي وفي الكواليس قبل حضور ندوة هيكل بساعات ثلاث، اشتبك معه الكاتب الراحل جمال الغيطاني برفضه ما تردد عن محاولات حبيبي للتطبيع مع إسرائيل ثقافيًا وتأكيده للحضور بأن «إميل» زار إسرائيل وهو يحمل جواز سفر إسرائيلي؟!!، طبعًا حبيبي قال للغيطاني بعنف وفي صورة عصابية منظبطة (ياريت مانتاجرش بالهوية ولا الأوطان ومش أنت يا زيني اللي هاتعلمني ولا تديني دروس في الوطنية..؟!! الغيطاني استشهد بـ محمد حسنين هيكل ليأخذه في صفه ضد المتين إميل حبيبي.
ومن ذكاء الداهية الحريص محمد حسنين هيكل، تروى بشكل معلم لوجستي ومسك العصا من المنتصف، لف الأستاذ جمال يمين وشمال وصارت كواليس الضيوف في صمت مطبق في انتظار ظهور هيكل على المنصة وطبعًا كان في انتظاره حوالي خمسة آلاف معجب ما بين مريد وتابع ومحب وزائر وضيف مصري أو عربي جاءوا من كل فج عميق، كان في العادة ومن بروتوكولات إدارة المعرض في عهد الكبير (اللي عضمه جامد - سمير سرحان رحمه الله أن يدير هو، ويقدم الضيف في حوالي ربع ساعة بمقدمة نارية تليق بإسهاماته ودوره ومكانتة في الثقافة والفكر والتنوير على حسب قوله ودا إن كان الضيف أو المتحاور معه أو المتحدث مصري ولا عربي شاعر أو مفكر أو كاتب أو فيلسوف عربي أو غربي وخاصة أن في هذه الفترة وهذا العصر كان دائمًا ما تختتم الفعاليات بأمسية شعرية تضم ما بين ثمانية إلى اثنى عشر شاعرًا، عربي ومصري بحجم أدونيس والعملاق وديع سعادة وسركون بولص، بالإضافة إلى رموز وكتاب ومثقفين وشعراء وروائيين وكذلك سينمائيين من كافة الاقطار العربية.. وقبل هيكل كانت ندوة مفتوحة لمحبي يوسف شاهين ساعتها الجدران نصها سقطت من أثر الاندفاع والزحمة وضحك هيكل وهو يستحضر علاقة فاروق حسني بيه وتحديدًا لما طلب «جو» يصور في أماكن ومواقع أثرية في فيلم «إسكندرية كمان وكمان» وقال بالحرف (ادينيي يا ط.........؟!!.. والزلموكة بتاعتك يقصد عربيته المرسيدس وأنا أدفع لك عشرين ألف دولار علشان أصور يومين في أهراماتك إنت ومبارك بتاعك يا طيييي....!!
ووقعت الجماهير من الضحك، ودهشة الجرأة التي لم تكن جديدة في سلوك ولا مواجهات يوسف شاهين في كل مواقفه وخناقاته والغريب والمدهش أن فاروق كان قاعدًا على كرسيه في الصفوف الأمامية، ويتقدم الصفوف الأولى وبمجرد انتهاء يوسف من جلسته الجبارة والمحتشدة قام ووقف يسلم على يوسف شاهين ويقبلوا بعض بحب حقيقي وفاروق يقول له غلبتني ياجو.. ودا في حضور مصورين سينما ودراما وقنوات إعلامية من كافة بقاع العالم.. حضنوا بعض وكان يتوسطهم هيكل وإميل حبيبي في وسط ستة أو خمسة آلاف من الجماهير والمحبين.. سمير سرحان كان متوترًا وصعد هيكل لبدء اللقاء من ستة لـ 8 مساءً، ويومها هاجم مبارك وقال: النهاردة فيه في مصر من خمسة لستة آلاف ملياردير بيسرقوا مصر تحت علم وسمع النظام واعترضت وصرخت في الصالة وشتمت وقبضوا عليا وحاولوا يبعدوني لما قلت لهيكل بعلو الصوت وهو لايعرفني أنت نصاب ومراوغ طلعت إشاعة إنه اتقبض عليا وتم اعتقالي وأنا كنت حاسس بده في وقتها لكن كان لازم أعبر عن رأيي وبعدها بساعات سمعت إن مبارك اتصل بسرحان وقاله: أنت جايب هيكل علشان يشتمنا يابن الـ.....؟!!
كل دا تذكرته اليوم بعد ستة وعشرين سنة من فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب من أجل أن تعرف الجماهير ومثقفين مصر وعالمنا العربي كيف كانت مصر وكيف كانت تدار فعالياتها الثقافية وكيف كان الحراك والحالة العامة للجماهير والقراء والمحبين وكذلك المثقفون والكتاب وحتى الكتبة.. أظن ممكن جدًا كل فرد فينا سواء قارئ أو كاتب أو حتى أدنى مهتم، ممكن يحسب بينه وبين نفسه ماهو المقصود وماهو المأمول أو الدافع لكتابتي كل هذه الأحداث والمواقف وتحديدًا فيما يخص علاقتنا بماهيات القوة الناعمة ودور الثقافة في التجلي بالشأن العام للدولة والأفراد حتى بعيدًا عن الكتاب، وماهو الفارق الضئيل أو الشاسع ما بين مصر الآن ومصر من 28 سنة.