رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبدالرحيم طايع يكتب: انتقاد الثوريين لا الثورة

عبدالرحيم طايع
عبدالرحيم طايع



سبع سنوات مرت على ثورة الخامس والعشرين من يناير، لم يبق منها شىء كثير على الرغم من عهدها القريب، بقى تاريخ ساعتها الحميمة أبرز شىء، وبقيت جملة طويلة طويلة من الذين آمنوا بها ووثقوا بها ولا يزالون!.. ثورة مأساوية فيما آلت إليه، وما حاق بها قبله من الدم والقلق والظروف المعقدة.
الجانب الذى أود التركيز عليه يتعلق بالثوار أنفسهم، وطالما تجاهله المحللون؛ تحاشيًا للصدام مع هؤلاء بسلطتهم الموازية المتأصلة بعد أن نزعوا السلطات الأخرى واعتمدوا أنفسهم مكانها (بشكل صورى)، أعنى الذين احتكروا لأنفسهم ألقاب الثوار وأهملوا ذكر الرفقاء والشركاء، وقتلهم الغرض المأمول لا الرصاص المجهول، وسيطر عليهم البعد السياسى وحده؛ فأهملوا غيره مسقطين بقية الأبعاد غفلة أو تعمدًا، وصالوا وجالوا فى الأرض البريئة كأنهم الملاك الوحيدون للحقيقة، بينما لا يحبون أن يدعى أحد ملكيتها، بل لا يقيم أغلبهم وزنًا لمعنى وجود حقيقة واحدة!.
بداية.. أكبر سوء حظ واجه الثورة المهدَرة، اختلاط تنظيمات الإسلام السياسى المتشددة بالمدنيين فى عموم مشاهدها، وعدم تحديد هويتها من الأول؛ فهى الثورة التى فقدت «المزاج العام»، حتى لو كان صوت «المدنية الحديثة» ارتفع بأرجائها!. لقد مضى نظام «حسنى مبارك»، بصرف النظر عن حضوره بأقنعة شتى إلى اللحظة الراهنة، بعد أن أهين وذاق مرائر الحبس والفضح والمعايرة؛ فممن نخاف على الثورة التى أذهبته إلى الجحيم، وهو النظام بالغ العتو، ممن نخاف والمفروض أننا حُزْنا هكذا دعمًا معنويًا هائلًا؟!.
شخصيًا أخاف عليها من ديكتاتورية ثوارها لا الآخرين ممن تدعى هذه الديكتاتورية نفسها، بإلحاح دائم مريب، أن انفرادهم بالحكم والرأى خطر على «الحالة الثورية»!. نعم.. مع الوقت أصيب مشاهير الثوار بفيروس الديكتاتورية الخطير المعدى نفسه؛ فلم يعد أحدهم يرى سوى ظل مرآته!.. ثورة يناير ابتليت بأعداد من عشاق الإعلام وعارفى دروبه، وقد محوا كل ثائر غيرهم بالإصرار على كثافة الظهور، ووضع الذوات الطاووسية المتضخمة فى الصدارة، والحرص على المكاسب الخاصة، ونفى الآخرين وعزلهم من المشهد الثورى العام!.. الثوار الحقيقيون (أعنى الذين يليقون بالثورة وتليق بهم الثورة أيًا ما كانت) هم عموم الناس، لا سيما الفقراء والضعفاء، أولئك المخذولون الذين لا يعبأ بهم أدعياء الثورية ولا الحكومة ولا أحد!.. مرة سألت صديقًا (ساخرًا لوذعيًا): مَنْ هم ثوار يناير؟.. فعد لى عشرة أسماء، وسكتَ وسكتّ، والشعور بالأسى والعار يجلّلنا!.. لقد رفضت الذين حصروا ثورة يناير بين أقواسهم، مهما يكن جميلهم عليها، فليس معنى أنهم حشدوا لميدان أو قادوا مظاهرة أو اجتمعوا على ميثاق أو حتى تقدم بعضهم للموت بجسارة، ليس معنى هذه الأمور أنهم الأولى بها، فعلى الأقل نادوا بتغيير الجميع ولم يغيروا أنفسهم، وتحدوا الفساد ففشا بمعاندة تحديهم غير المحسوبة جرأته، ووصفوا خصومهم بالاستبداد واستبد بعضهم ببعض على الملأ، ولم ينالوا الشهادة، ومن نالوها، بصدق يقين، هم الأولى بالحفاوة، وكم نسيناهم!.
أقول لهم: لو كنتم تحبون ثورة يناير وتحافظون على خلود آثارها؛ لخلّصتموها منكم سريعًا أيها المخادعون؛ قبل أن تحل ذكراها الثامنة ولا يكون بقى منها شىء واحد!.. (مسكينة هذه الثورة؛ تكاد تموت بثوارها، تكاد تفقد الوهج بنفس شموسها وأقمارها)!.. لن تضعونى موضع اتهام منها، وأنا أنتقدكم اليوم صادقًا حادًا، لأنكم تعلمون ما بينى وبينها من الغرام العلنى الفخور، وما أنتقدكم إلا قارعًا جرس التنبيه للإصلاح، بعيدًا عن «الشخصنة» المقيتة، وقد أخطئ وقد أصيب!.. هل تريدون المزيد.. الفكرة الثورية الصافية بذاتها هى الأجمل، وما شاب صفاءها بالكَدَر هو الأسوأ (ولا ينفصلان ألبتة)؛ لا خلاف على المطالب (مثلًا): عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.. كرامة إنسانية، لكن سيقع الخلاف الجذرى حين يتأمل الناس غرائب تقلبات البشر وغموض مسارات الأحداث، وقد يعلو الصخب ويضيع الأدب!.. أخيرًا.. لا أحب أن يوجه الحقد سهامه إلى الثورة الرفيعة التى حط من مكانتها ثوارها وراكبوها وخصومها جميعًا.. ثوارها بالأنانية وراكبوها بالجهالة وخصومها بالالتفاف. كل عام ويناير متحققة على أرضنا الطيبة وثوارها (الفعليون) طيبون.. كل عام ويدها فى أيدينا.. وخطوتها الثابتة تقود خطواتنا المرتبكة.. لم يغيرنى شىء، لكن شارفت على الخمسين، وصرت أهتم بالأهم!.