رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

غياب السلطة وبدائلها


طالعتنا جريدة «اليوم السابع» بتاريخ 14 مايو 2013 بتصريح لأحد المواطنين يطلق مبادرة للتوفيق بين عنصرى الوطن، المسلمين والمسيحيين، ومع تقديرنا لصاحب المبادرة، وبافتراض حسن النية، إلا أن الإعلان فى ذاته يكشف عن غياب السلطة وعوار القانون

وعجز المؤسسات الدستورية والتنفيذية والتشريعية والقضائية من جانب، وفقر مدقع فى المناهج التعليمية والأساليب التربوية وتقصير فى الخطاب الدينى وسائر المؤسسات وصولاً إلى المنزل من جانب آخر.

ولنبدأ بالبيت الذى يولد فيه الصغير ويتعلم النطق بأول الكلمات، ويتلقى فيه السلوكيات، ويشاهد منه كيف تكون العلاقات بين الجيران والشركاء فى البيت الواحد من السكان، والمعروف علمياً أن الإنسان يولد قابلاً للتعليم والتقليد فيردد ما يسمع ويقلد ما يرى.

وفى دراسة على الأبناء أجريت فى الولايات المتحدة أدت إلى الإحصائيات التالية: 40٪ من الأطفال يعيشون فى بيوت بلا آباء.. 63٪ من حودث الانتحار لشباب عاشوا فى بيوت بلا آباء.. و90٪ من الذين بلا مأوى وأطفال شوارع لا آباء لهم.. و85٪ من الأولاد والبنات منحرفو السلوك يعيشون بلا آباء و80٪ من الذين يقومون بالسرقة أو النشل بلا آباء.. و71٪ من الذين يهجرون التعليم فى المرحلة الثانوية ممن لا آباء لهم.. و85٪ من الشباب الذين فى السجون بلا أسرة أبوية.

وعودة إلى ما أثير فى الصحف عن تكوين جهات غير رسمية للتوفيق وحل المشكلات الناشئة عن الاختلاف الدينى، ومع كل التقدير لهذه الأفكار ومن ينادون بها ويتحملون مسئولياتها، أخشى أن مثل هذه الخطوات بمثابة الشهادة المعلنة لغياب الدولة بالمفهوم القانونى، والمسئولية الدستورية والعدالة الاجتماعية.

ثم لماذا يحدد الإعلان العلاقة الإسلامية - المسيحية، فى حيث أن هناك مؤسسات معلنة تحت عنوان بيت العائلة الذى شكل بمبادرة طيبة من رجل طيب اسمه الشيخ الوقور والمحترم الدكتور أحمد الطيب ، فانطبق اسمه فى صفته ومكانته وقيادته وحبه للوطن وكل المواطنين، ومن أهم اختصاصات هذا المجلس ليس فض المنازعات، بل منع البلوى قبل حدوثها، وذلك بتشجيع التعايش المشترك فى ظروف صعبة يمر بها المجتمع عقب ثورة الخامس والعشرين، وبالفعل بدأت ثمار هذا البيت تنضج بدليل انتشارها فى العديد من المناطق شمالاً وجنوباً، ونأمل أن يتواجد هذا البيت فى كل مدينة، بل وفى كل قرية، ويستطيع صاحب الرأى أن يرجع إلى لائحة هذا البيت والتى اعتمدتها الجهات المختصة.

كما أنى أدعو صاحب الرأى - مع كل التقدير - إلى أن يعود إلى لائحة البيت، وله أن يشارك بالفكر والجهد فى إطار رسمى ومن جهة لها تقديرها، وبمشاركة متوازية وليست بمفهوم اليد الأعلى واليد الأدنى، ومع أنى حضرت لبعض الوقت اجتماعاً بمقر القصر الرئاسى يتعلق بمجلس للعدالة الوطنية، كان قد صدر بتشكيله قرار من السيد رئيس الوزراء الأسبق عصام شرف، ويدور اختصاصه فى ذات الاتجاه تقريباً، إلا أنه مجلس استشارى وبلا ميزانية وبلا سلطات فعلية إلا ببعض الأنشطة الاستباقية التى تدعم وحدتنا الوطنية، وتنشر ثقافة التعددية واحترام الاختلاف فى الرأى دون إفساد للود، وكلها اجتهادات لا عيب فيها ولا ضرر منها، وإن كانت لا تؤتى ثمارها إلا إذا طبق القانون بالمفهوم الذى عرفناه وتعلمناه وعلمناه، بأن العدالة معصوبة العينين، وبيمينها ميزان تساوت كفتاه.

إننى أدعو كل المفكرين المخلصين أن يستجمعوا الفكر والجهد والعزيمة بتجرد من الذات ومن الطائفية ويتقوا الله فى مصر التى احتملت كثيراً، وقاسى شعبها لسنين طويلة ظلم الحكام وجهل المتعصبين الذين فقدوا الرؤية فضلوا السبيل، ولعل تعبير التعصب الأعمى يشير إلى عصابة سوداء على عيون رمداء، وأفكار بلهاء، ونوايا لا تنم إلا عن تربص وانتقام من شعب جلهم أبرياء.

وأعود إلى رغبة المواطن السيد طارق الزمر - رئيس المكتب السياسى لحزب البناء والتنمية - الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، والذى سيطرح من خلال مؤتمره حلاً جذرياً لمشكلة الأقباط، والاستماع لجميع شكواهم من الخارج والداخل، فله الشكر إذ فكر فيما لم تفكر فيه الدولة على مدى عقود من الزمن، فقط لنسأل إذا كنت مازلت تطلب الاستماع إلى المشكلات وهى ظاهرة لا تخفى على عين سليمة، فلماذا الاستماع لمن بالداخل ومن الخارج، أما إذا كانت المشكلات تحتاج إلى من يكشف عنها فكيف جاء الوعد بأن الحل سيكون حلاً جذرياً دون دراسة لها.

ليتنا نفعل القانون ونحترمه ونسوى بين المواطنين ونحكم بالعدل كما أوصينا، وكما نادينا، وكما تكلمنا وصلينا، وعند إعمال القانون وسيادة العدالة وإحقاق الحق سيصبح الطريق سهلاً ومعبداً وقابلاً للسير عليه ذهاباً وإياباً دون مخاطر، ففى الضوء تختفى اللصوص وتصفو النفوس.

وبافتراض حسن النية ممن أطلق الدعوة بدافع من الاتجاه الجديد بعد تغيير المسار، ونحن من منطلق إيماننا وعقيدتنا أن الله يقبل التوبة، فهو تواب رحيم، وأن سبحانه غافر الذنوب، وماحى العيوب، فإننى أدعو أن ينضم إلى بيت العائلة وأثق أن فضيلة الإمام يرحب بكل جهد مخلص لا يبغى من ورائه إلا سلام المجتمع وأمنه واستقراره، وبيت العائلة يجمع الكل فى واحد، فلا يوجد منا من يدعى أنه الأعلى، وغيره الأدنى، فكلنا مواطنون مصريون وليس بيننا أعراب وعجم، فالجنسية المصرية تجمعنا ونحافظ عليها من الذوبان، وليتنا نتفق على الخير وننبذ الشر والعدوان والكبر والاستعلاء، فنلحق بقاطرة التقدم التى سبقنا إليها غالبية دول العالم، واكتفينا نحن بالشعر والتاريخ والندم على ما فات، وقاطرة العالم تسير فى اتجاه الأقمار الصناعية، وقريباً سيحتل الإنسان القمر، وأخشى أن نكتفى بمشاهدة كل ذلك بالجلوس أمام التلفاز الذى صنعه لنا الغرب أيضاً.

أما التقارير وكتابتها فما أكثرها، ويشهد عليها تقرير العطيفى فى السبعينيات من القرن الماضى، والجلسات العرفية، وقطع الأذن، وبتر الإصبع، فكلها جهود تمشى على قدم واحد وليس من يسند الوطن الذى يقف على قدم واحد، فالقانون هو القانون وكل ما يلى بعد ذلك فهو خير يحمد عليه من قدمه، ويسأل عن مقدمه قبل وروده، ويبقى الفضل لمن يفكر ويقرر بكل جرأة وحزم وضمير ورغبة فى وطن يسوده العدل والحق والمساواة فى ظل شعار غال دفع فيه كثيرون الحياة، وما زالت دماؤهم تصرخ إلى الخالق العظيم بصوت النغم الحزين عيش، حرية، عدالة اجتماعية، وكرامة إنسانية، إنه حلم جيلنا، وحلم الأجيال القادمة، فإن حققناه حقنا الدماء، وإن أهملناه أدانتنا ضمائرنا معذبة، وتنتظرنا عدالة السماء التى لا مهرب ولا مفر منها