رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إبراهيم مدكور.. مصلح اجتماعى وسياسى


وُلد إبراهيم بيومى مدكور فى عام ١٩٠٢ بأبى النمرس بمركز الجيزة، وأتم مراحل المدرسة الأولية، ثم التحق بالأزهر، فمدرسة القضاء الشرعى، حيث اجتاز قسمها الأول، ثم بدار العلوم حيث حصل على دبلومها وتخرج سنة ١٩٢٧م. اشترك فى الحركة الوطنية إبان شبابه، واُعتقل وسُجن بين من سُجنوا من شباب الطلبة فى ثورة ١٩١٩.

حصل على ليسانس الآداب من جامعة السوربون فى فرنسا عام ١٩٣١م، وليسانس الحقوق من جامعة باريس عام ١٩٣٣م، ثم دكتوراه الدولة فى الفلسفة عام ١٩٣٤م. واشتغل بالتدريس لمدة سنة فى إحدى مدارس القاهرة الابتدائية. اُختير بعدها لبعثة حكومية إلى إنجلترا، ولكن الخلافات السياسية والاضطهادات الحزبية وقفت فى طريقه فسلبته حقه، ونُقل إلى إدفو بدلًا من الذهاب إلى لندن!. فى مارس ١٩٣٥م، عاد إلى القاهرة وانضم إلى هيئة التدريس بكلية الآداب بجامعة القاهرة، واُنتدب للتدريس فى بعض الكليات الأزهرية، وتتلمذ على يديه عدد غير قليل من أضحوا أساتذة ورؤساء أقسام فى المواد الفلسفية والاجتماعية بكليات الجامعات العربية المختلفة.

عاد إلى السياسة وهو فى سن ٣٥ عامًا، واُختير عضوًا بمجلس الشيوخ المصرى حيث قضى ١٥ عامًا نقد فيها نظم الحكم، ونادى بإصلاح الإدارة الحكومية، ودعا إلى تحديد الملكية الزراعية، واجتذبته دعوة الإصلاح والتجديد، لكن لم تصرفه عضوية مجلس الشيوخ عن البحث والدرس حتى بعد أن اضطر للاستقالة من الجامعة نزولًا على مبدأ عدم الجمع بين الوظيفة وعضوية البرلمان، وظل يقوم بالتدريس ويحاضر ويكتب ويؤلف دون توقف. بعد ثورة يوليو ١٩٥٢، ساهم فى حمل رايتها والاضطلاع ببعض أعبائها فى مجلس الإنتاج والخدمات سنين عدة. اشترك فى عدة مؤتمرات علمية وفلسفية فى أوروبا وآسيا، وساهم مساهمة فعالة فى إحياء الذكرى الألفية لـ«ابن سينا» فى بغداد عام ١٩٥١، وطهران وباريس عام ١٩٥٤، ومهرجان «الغزالى» بدمشق عام ١٩٦٢، و«ابن خلدون» عام ١٩٦٢، واشترك كذلك فى إحياء ذكرى د. طه حسين بالقاهرة عام ١٩٧٩م، وحافظ إبراهيم وأحمد شوقى بالقاهرة عام ١٩٨٢م، وطه حسين بمدريد عام ١٩٨٣م، ولويس ماسينيون Louis Massignon (١٨٨٣ – ١٩٦٢م) ــ الذى يُعد من أكبر مستشرقى فرنسا وأشهرهم ــ بالقاهرة عام ١٩٨٣م. وأشرف على إخراج كتاب «الشفاء» لابن سينا، وعلى كتاب «المغنى» للقاضى عبدالجبار، و«الفتوحات المكية» لمحيى الدين بن عربى، و«الموسوعة العربية المُيسرة» التى أخرجتها الجامعة العربية بالتعاون مع مؤسسة فرانكلين.

منحته جامعة «برنستون» الأمريكية الدكتوراه الفخرية عام ١٩٦٤م تقديرًا لخدماته العلمية ونشاطه فى التبادل الثقافى بين أبناء العروبة وأبناء الغرب. وفى عام ١٩٤٦م اُختير لعضوية المجمع اللغوى بين عشرة من أعضائه اكتمل بهم عدد أعضاء المجمع ٤٠ عضوًا، واستقبلهم د. أحمد أمين، وكان د. مدكور هو المتحدث باسمهم. اشترك فى عدد من لجان المجمع لعل أهمها لجنة الفلسفة والعلوم الاجتماعية، ولجنة المعجم الكبير التى اختصها بنصيب وافر من علمه ووقته. وعمل على دفع عجلة النشاط المجمعى، واُختير عضوًا فى مكتب المجمع اللغوى، ثم كاتب سره فى عام ١٩٥٩، ثم أمينًا عامًا له فى عام ١٩٦١م، ورئيسًا له فى عام ١٩٧٤م خلفًا للدكتور طه حسين. أخرج كتابين عن المجمع اللغوى أحدهما «مجمع اللغة العربية فى ٣٠ عامًا.. ماضيه وحاضره». وهو كتاب يؤرخ للمجمع من الناحية العلمية والفنية، وكذلك من ناحية تطوره القانونى منذ نشأته حتى يوم صدور الكتاب. وثانى هذين الكتابين «مع الخالدين» وهو ينقسم قسمين: أولهما خاص بتاريخ نشأة المجمع، وثانيهما رحلة د. مدكور بالمجمع مع الأعضاء. شهد المجمع فى عهده ازدهارًا فى حركة مطبوعاته، وخاصة المُعجمات. كما نشط اتصال المجمع بالحركة العلمية والثقافة الدولية والمحلية. ونظرًا لنشاطه العلمى الجاد سعت إليه الهيئات العلمية والإعلامية باحثة عن إنتاجه.

سافر إلى الهند قبل استقلالها وتقسيمها وظل بها مدة طويلة وأتقن اللغة «الأردية» كأحد أبنائها. عُين أستاذًا بجامعة «عليكره» وأبعده الإنجليز فتوجه إلى فرنسا وعاد بعد الحرب العالمية الثانية.
وعن عمر يناهز ٩٣ عامًا رحل العالم الجليل د. إبراهيم مدكور فى ٥ ديسمبر عام ١٩٩٥، تاركًا تراثًا فريدًا وأعمالًا جليلة.