رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أرض الأشباح «1»: في السودان.. مَنْ يحرك فتنة الأشقاء؟

جريدة الدستور

رغم كل ما يثار، والأحاديث المتداولة، وافتعال الأزمات من هذا أو ذاك، يظل «وادى النيل» يجمع الشمال بالجنوب، والأبيض بالأسمر، وتبقى مصر والسودان دائمًا بلدًا واحدًا، وإن فرقتهما الحدود أو أى خلافات طارئة بين شقيقين.
لا يزال النيل يجرى بين البلدين ليكتب ارتباطهما بـ«حبل سرى»، ويرسم لوحة من الخصب والنماء، ويهب النعم للجنوب السودانى والشمال المصرى.
«الدستور» تركت الشمال هنا فى مصر، وتوجهت إلى الجنوب حيث السودان، تخطت الحدود، لتتفاعل مع الشعب الطيب والماء الجارى، تاركة السياسة وأزماتها - سواء كانت حقيقية أم مفتعلة - إلى الواقع المعاش على الأرض السمراء.
فى السطور التالية، نتحدث ونسمع أهلنا هناك فى السودان، ونرصد ما يدور على الأرض، وكيف يعيش أهلها.



رئيس الجالية بأسوان: لا نواجه أى مشكلات.. الخلافات فى الإعلام فقط.. وأحُذر من الشائعات
قبل أن أتوجه إلى السودان، مررت بمقر الجالية السودانية فى أسوان، والتقيت رئيسها «عادل نور»، للحديث عن أوضاعهم فى مصر.
قال «نور»: «أعمل مع الجالية منذ حوالى ٦ سنوات، ورغم عدم تولى منصب رسمى فى البداية، عملت على تقديم مساعدات لأبنائها، ثم شغلت منصب الأمين العام المساعد، والقائم بأعمال الرئيس فى أحيان كثيرة، إلى أن انتخبت رئيسًا للجالية».
وأضاف لـ«الدستور»: «مصر بلد كبير، وأعداد الجالية السودانية فيها ضخمة، لذلك كانت هناك صعوبة فى أن يتولى شخص واحد رئاسة الجالية فى كل أنحاء الجمهورية، فتقرر أن يكون هناك رئيس لكل منطقة كبيرة، تحت مظلة رئيس ما يسمى (المجلس الأعلى للجاليات)».
وأوضح أن كل منطقة يكون بها رئيس للجالية، فهناك رئيس للجالية السودانية فى الإسكندرية، وآخر فى أسوان، وثالث فى القاهرة، وذلك لإنجاز أعمال رعاية الجالية وهمومها بشكل أسرع»، لافتًا إلى أن ذلك العمل تطوعى دون أى مقابل مالى.
وانتقل للحديث عن الجالية، وقال: «نرتبط مع الأشقاء فى مصر بشكل جيد، ونتداخل معهم فى الأفراح، ولا نكون بمعزل عما يحدث فى مصر، ونمارس تأثيرًا ثقافيًا واجتماعيًا».
وأشار إلى أن أبناء الجالية السودانية فى أسوان - على وجه التحديد - يملكون وضعًا خاصًا، مقارنة بنظرائهم فى القاهرة، موضحًا: «الجالية فى القاهرة ليست الوحيدة، وهناك جاليات كثيرة، لكن فى أسوان نشعر أننا أكثرية ولنا أفضلية، بحكم قربنا الجغرافى من وطننا الأم، وسهولة التنقل إليه من هنا».
وأضاف: «المصريون والسودانيون شعب واحد يقيم فى بلدين.. تكوينهما واحد، وجيناتهما مشتركة، والجالية السودانية هنا فى أسوان تعيش بشكل مميز ومندمجة وتشعر بالراحة».
وبسؤاله عن المشكلات التى تواجههم، أجاب: «لا أشعر بأى مشكلات، ونعمل دون أى عوائق وبصورة طبيعية، رغم ما قد يتردد فى بعض التقارير الإعلامية»،.
وتابع: «لو أدى الإعلام دوره الرئيسى سيكون له دور فاعل وأفضل مما نرى الآن.. نحن فى أسوان - بصراحة ودون تزييف - لا نستشعر أى إشكاليات أو مشاحنات بين الجالية السودانية والمصريين هنا».
وتطرق إلى «التراشق الإعلامى» بين البلدين الآن، ومدى تأثيره على أفراد الجالية: «من الممكن أن يؤثر عند الشخص ضعيف الوعى، لكن أى إنسان عاقل واعٍ، بالتأكيد سيلفظ ويرفض كل ما يقال فى الإعلام، خاصة أن الواقع غير ما يبث عبر الفضائيات، والروابط التى تجمعنا أكبر من كل هذا الهراء». وزاد: «لو نظرنا إلى أى اختلاف، سيكون فى حدود بسيطة، وفى حدود الأسرة الواحدة التى من الممكن أن تحدث بينها اختلافات، لكن فى النهاية يتم التجمع حول هذه الأسرة بشكل طبيعى، وهناك قنوات لحل أى خلاف، مثل السفارة فى القاهرة، أو القنصلية فى أسوان، أما الشعبان فعلاقاتهما مميزة إلى أبعد الحدود».
وعاد للحديث عن دور الإعلام، مطالبًا إياه بالنظر لمصلحة الشعبين، وتاريخنا المشترك وعاداتنا وتقاليدنا، وهو ما تتعاظم أهميته مع الفضاء المفتوح، ومواقع التواصل الاجتماعى، التى أصبحت متاحة مع الجميع.
ونصح وسائل الإعلام فى البلدين، بتناول ما هو أهم من مشاكل حقيقية، مثل البيئة، والاحتباس الحرارى، والتلوث، وغيرها من الأزمات.
وبسؤاله عن ملف سد النهضة، وحالة الاحتقان الموجودة بسببه، وهل له دور فى سوء العلاقات بين البلدين، شدد على أنه «ملف خاص بالمختصين وليس شعبيًا»، لافتًا إلى أن المواطنين لا ينبغى لهم إبداء أى آراء حوله، ويجب تركه للخبراء والسياسيين.
وأضاف: «عندما يتحدث غير مختص فى هذا الملف، يطلق آراء غير مبنية على معلومات، فتنتشر عبر المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعى، فتكثر الأقاويل والشائعات، وهو ما يتم استغلاله فى تشويه العلاقة بين الشعبين».


فى الطريق إلى الخرطوم: تجار شنطة.. خناقات على الأجرة.. ومزارع الوليد بن طلال على الطريق
بدأت رحلتى البرية إلى شمال السودان، بالانطلاق فى الرابعة فجرًا من «موقف» الأقاليم فى مدينة أسوان، بجوار منطقة «أبوالريش قبلى»، وهو المكان الوحيد الذى يسافر منه السودانيون، وتوجد به حافلات تتجه إلى القاهرة والمحافظات، وكذلك يخرج منه كل يوم حوالى ٥ أتوبيسات من شركات مختلفة، متجهة إلى المكان الخاص بالعبّارة لتقلهم إلى السودان.
فى «الموقف»، تشاهد نساء كثيرات يحملن العديد من الحقائب، وعرفت فيما بعد أن بعضهن «تجار شنطة» يأتين إلى مصر لشراء بعض الأغراض، ثم يبعنها فى السودان، ومن بين البضائع غسالات وبوتاجازات لانخفاض أسعارها مقارنة بمثيلاتها فى السودان، وأغلبهم نساء لأنهن يجدن التعامل مع التجار المصريين نظرًا للباقتهن.
أثناء انتظارى لتحرك الأتوبيس، سمعت أصواتًا عالية، وكانت مشادة كلامية بين بعض من السودانيين وبعض الأشخاص التابعين لـ«موقف» الأتوبيس الذى سينقلنا، وكان الخلاف حول سعر الحقيبة التى توضع فى الأتوبيس، وانتهى الخلاف بالصلح، وكان عدد الركاب حوالى ٥٠، ودائمًا ما يحدث تأخير حوالى ساعتين ونصف الساعة بسبب وضع الحقائب.
يتحرك الأتوبيس، ويدخل الكوبرى المعلق فى أسوان، ثم يأخذ الطريق الغربى «أسوان - أبوسمبل» الدولى، وهو طريق صحراوى، وصولًا إلى مطار أسوان، الذى نتركه، ونكمل المسير يمينًا حتى نأخذ العبّارة بعد قطع مسافة ٢٨٥ كيلومترًا تقريبًا.
فى الطريق نمر على العديد من الأماكن، منها جهاز مدينة توشكى الجديدة، ووادى كركر، و«مزارع الوليد بن طلال»، وهى مشهورة بزراعة البلح والخضر والفاكهة، وهى المزارع التى حصل عليها الوليد بن طلال رجل، الأعمال السعودى، أثناء حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وعاد جزء منها إلى الدولة الآن. كما نمر أيضًا على الفرع الثانى من ترعة الشيخ زايد التى تتكون من ٤ فروع، والفرع الرابع الأخير يتم حفره الآن، ليصل إلى مدينة توشكى الجديدة، وبها ١٠٠٠ وحدة سكنية ومحطة كهرباء، وهذه المنطقة لم يسكنها أحد حتى الآن، لكن علمت من البعض أنه سيتم افتتاحها قريبًا.
وتوجد العديد من الشركات، منها شركة الزهرة الإماراتية، ومفارق شرق العوينات، ومررت على طريق «أرجيل» وهو المعبر الثانى، كما يوجد على الطريق العديد من النقاط الأمنية الثابتة، منها كمين صحارى، وكمين توشكى، وكمين الـ١٦، وهو آخر كمين لمدخل مدينة أبوسمبل.
دخلنا قرى أبوسمبل، وتبدأ بالحجر الصحى والرؤوس الحية والجمال التى تأتى من الصومال والسودان، ثم قرية المستقبل، ومررنا على عدة قرى لبعض القبائل، منها قرية عبدالقادر والعبابدة والزهور والسلام والجعافرة، وبنى هلال، وهى تابعة لقرى أبوسمبل السياحية.



هنا ميناء قسطل البرى: شاحنات تنتظر التفتيش لمنع تهريب الممنوعات.. واستجواب أمنى قبل ختم الجواز
وصلنا إلى المعبر الذى يمر من بحيرة ناصر، حيث توجد به عبّارتان، واحدة خاصة بالمجلس الأعلى للآثار، والأخرى تابعة للقوات المسلحة، فضلنا الأولى لكونها الأرخص، وكذلك لأنها جديدة، فلم يمر على إنشائها أكثر من سنتين، وأيضًا لها مواعيد ثابتة، فتبدأ من الساعة ٨ صباحًا حتى ٤ عصرًا.
وقبل إنشاء هذا المعبر، كان الوصول بين مصر والسودان عبر مركب قديم، ينطلق من أبوسمبل إلى وادى حلفا، وسعته محدودة.
تعتبر بحيرة ناصر أكبر بحيرة صناعية فى العالم، وتقع بين جنوب مصر وشمال السودان. واسم بحيرة ناصر يطلق على الجزء الأكبر، الذى يقع داخل حدود مصر، ويمثل تقريبا ٨٣٪ من المساحة الكلية للبحيرة، أما الجزء المتبقى الواقع داخل حدود السودان فيطلق عليه اسم بحيرة النوبة. وتكونت مياه البحيرة نتيجة تجمع مياه النيل خلف السد العالى بعد إنشائه «الذى استمر من عام ١٩٥٨ إلى عام ١٩٧٠، وأطلق عليها بحيرة ناصر، نسبة إلى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وطولها١٥٠ كيلومترا، ومساحتها حوالى ٥٢٥٠ كيلومترا ومتوسط عرضها ١٢ كيلومترا.
وصلنا إلى البر، حيث تحركنا من الغرب إلى الشرق، وأخذنا الطريق الصحراوى الغربى، لنصل إلى منطقة تسمى «قسطل» فى الجانب المصرى، ويقابلها «أشكيت» فى الجانب السودانى، واستغرقنا حوالى ساعة ونصف الساعة، ثم اتجه الأتوبيس إلى ميناء «قسطل» البرى، التابع لهيئة الموانئ البرية، وتمت إجراءات موظفى الميناء، من تفتيش الحقائب وختم جواز السفر وتحصيل رسم الدخول الـ٦٠ جنيها.
شاهدت العديد من الشاحنات خارج الميناء، وبسؤال أحدهم عنها، أخبرنى أنها بضائع تدخل السودان، لكنها تستغرق من يومين إلى ٥ أيام، نظرا لكثرة الإجراءات الأمنية المصرية للتفتيش، فهناك أشياء ممنوعة، لذلك يتم تفتيشها بشكل دقيق، وإذا سمح لها بالدخول كمرحلة أولى، تمر على منطقة أخرى تابعة للسودان، ويتم تفتيشها مرة أخرى، ولابد من وجود تصريح من هيئة الجمارك من هذه المنطقة لكى تستطيع هذه العربات الدخول.
دون باقى الركاب، تم اصطحابى إلى مكتب «الأمن الوطنى» لمقابلة الضابط المسئول، وطرح العديد من الأسئلة حول أسباب ذهابى إلى السودان، بل تحفظ على الـ«آى باد» للاطلاع عليه، وطلب منى الانتظار فى الخارج، ثم ذهبت إلى جهة أمنية أخرى، وفى النهاية تم ختم الجواز.


أهالى حلفا يعتبرون كثرة المساجد من علامات الساعة.. والكنائس ممنوعة
فى طريقى إلى مكان إقامتى المتواضع، نظرًا لحدود إمكانيات ولاية «وادى حلفا» المليئة بالخير دون استثمار كثير، شاهدت علم مصر مرفوعًا على مبنى علمت أنه مقر القنصلية المصرية، ومبانى الولاية بشكل عام مبنية بالأسمنت المسلح والطوب ويوجد منازل بالطين أيضًا، إلى جانب بضعة فنادق بسيطة ومكاتب حكومية، وعلى بعد ٢ كيلو متر يقع الميناء النهرى. شاهدت بضعة أحياء سكنية، كانت بنيتها التحتية ضعيفة، ومن المرافق العامة الموجودة بالمدينة مستشفى «حلفا» ومكتب الجمارك والهجرة، كما توجد عدة مدارس من مختلف المراحل، بالإضافة إلى جامعة «علوم الأرض والتعدين»، التى تستوعب عددًا من طلاب الولاية والولايات المجاورة. ويمارس العديد من السكان مهنة الصيد، وهناك مصنع لتبريد وتصدير الأسماك إلى العاصمة «الخرطوم» وبقية المدن، فالمنطقة قريبة من بحيرة ناصر التى لا تتعدى الأربعة كيلو مترات، ويعتمد الصيد على الطريقة اليدوية، ويوجد بعض المطاعم البسيطة، التى تخدم أهالى المنطقة والوجبة الرئيسية فيها هى الأسماك والفول المصرى.
يقول أحد سكان الولاية عنها: «وادى حلفا بها ٥ أحياء، ويطغى الطراز النوبى على معظم الأماكن المكونة من دورين أو ثلاثة، بما فى ذلك الفنادق، وبدأ السكان مؤخرًا يتوسعون فى البناء الرأسى».
وأكد أن البناء الرأسى ليس رائجًا فى السودان، لأن القبائل معظمها من أصول إفريقية لا تعرف البناء الرأسى، رغم أن السودان تعتبر من أغلى دول العالم فى سعر الأراضى، وحتى الإنجليز لم يستطيعوا التأثير على طريقة السودانيين فى البناء، فمعظم التراث المعمارى للإنجليز تركز فى الخرطوم ولم يمتد لبقية البلاد.
لاحظت قلة المساجد رغم أن أهلها يغلب عليهم الطابع الإسلامى، وحين سألت عن سبب ذلك علمت أن الأهالى على قناعة بأن من علامات يوم القيامة كثرة المساجد وقلة المصلين، لذلك فهم لا يستكثرون فى بناء الجوامع، واكتفوا ببناء ٣ فقط فى الولاية، ورغم وجود مسيحيين فى «وادى حلفا» إلا أنه لا توجد أى كنائس.
وتضم السودان ٣ أكبر موانئ تربطها بدول العالم، أولها: ميناء «بورتسودان»، ثم ميناء «حلفا»، الذى يربط السودان بمصر ومن بعدها أوروبا، وهو منفذ السياح على السودان، وأخيرًا «كوستى» الذى يربط السودان بدولة «جنوب السودان»، وتتميز المدينة بخصوبة تربتها بفعل ترسيبات الطمى الناجمة عن بناء السد العالى.
الحدود كانت مفتوحة للإرهابيين فى عهد «الإخوان» وانضبطت أمنيًا الآن
تحدثت مع أحد العاملين فى الميناء عن الوضع هنا، فقال: «هناك تشديد أمنى خوفا من عمليات التهريب»، موضحا أنه تمت إعادة أتوبيس كامل كان محملا بركاب يتراوح أعمارهم ما بين الـ١٧ والـ٢١ سنة، وبالتحريات الأمنية تم اكتشاف أن هؤلاء يأخذون السودان طريقا للهجرة غير الشرعية.
وأضاف: «هناك أيضًا ٥٠ شابًا من أعمار مختلفة تم القبض عليهم أثناء هروبهم منذ حوالى أسبوعين كانوا فى طريقهم إلى ليبيا، عبر هذا المعبر، لأن الحدود السودانية الليبية تاريخيًا مفتوحة، وساعدت السودان الجيش الحر الليبى بالسلاح والمجندين».
وتابع: «أثناء حكم محمد مرسى وإلى ما بعد زوال الإخوان من السلطة كانت الحدود شبه مفتوحة، وكان هذا المعبر وسيلة لهروب الإخوان خارج البلاد عبر السودان، وكذلك الأفارقة، الذين يريدون دخول إسرائيل، كانوا يتسللون عبر هذا المكان، لذلك ظلت هذه المنطقة بلا رقابة أمنية منذ ٢٠١٣ وحتى قبل ٦ أشهر من الآن».
واستكمل: «بدأ الأمن المصرى تشديد الإجراءات الصارمة على المعبر، وأيضًا تم غلق الحدود مع ليبيا، مسار السوريين الذين كانوا يأتون فى عهد مرسى، وفتح لهم الطريق على مصراعيه، وكان بعضهم يذهب إلى السودان من هذه المنطقة».
وأشار إلى أن حدود السودان كانت معبرًا للخروج من البلاد، وعبارة عن «ترانزيت» للذى يريد أن يخرج دون أى رقابة أو تصاريح، إلى ليبيا وتركيا وقطر وغيرها، لأنها مفتوحة مع هذه الدول، وهناك من حاولوا الهروب عبر الجبل وتم القبض عليهم.
موظف ميناء قسطل البرى، أشار أيضا إلى أن «هذا المعبر تم إنشاؤه فى ٢٠٠٦ أيام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، كمنفذ حدودى، لأن المنفذ الوحيد فى ذلك الوقت كان ميناء السد العالى وميناء الشهيد الزبير بوادى حلفا».
وأضاف: «فكرت الدولة المصرية فى غزو إفريقيا عن طريق السودان، لأن هناك مناطق جبلية فى هذه المنطقة يجرى بها تهريب للبضائع، وكان يريد أن يقضى على عمليات التهريب بهذه المنطقة، وإنشاء طريق تجارى».
ويتابع: «تم افتتاح الميناء تجريبيًا ٢٠١١ ورسميًا ٢٠١٣، وخلال هذين العامين كانت العلاقات بين الجانبين المصرى والسودانى متوترة، بسبب تضارب فى اتفاقيات مشتركة بعد خلع الرئيس مبارك وخلال حكم المجلس العسكرى لمصر، فالخرطوم كانت تريد أن تجعل هذه المنطقة مدنية، بسحب يد الجيش المصرى منها، لكن الجيش رفض، واستمرت المناوشات حتى جاء مرسى إلى الحكم».
ولفت موظف المعبر إلى «اتفاق الحريات الأربع» فى ٢٠٠٤، الذى عقد فى جامعة الدول العربية، لإنشاء منطقة تجارة حرة، بحيث يكون فى «قسطل» أو «أرجيل»، ٢٠ كيلو منطقة تجارة حرة بين إفريقيا ومصر، مستدركًا: «الخطة لم تنفذ وتم استبدالها بإنشاء هذا الميناء، الذى توقف مرتين بسبب الخلاف بين الدولتين».
وأوضح أن السودان لم تكن لديها موارد للمشاركة فى إنشاء الميناء، ودخلت مفاوضات مع مصر لتكملته حتى انتهى فى ٢٠١٤، حين تم الإسراع بإنشاء المعبر لإيقاف انفلات عمليات التهريب، التى تتم فى هذه المنطقة، وكذلك المهاجرون الأفارقة الذين يأتون إلى إسرائيل عبرها، وتم افتتاح المعبر ليربط بين حلفا وأسوان.
وبعد انتهاء الإجراءات مع موظفى ميناء «قسطل» فى مصر، دخلت إلى معبر «أشكيت»، الذى يبعد عن «قسطل» كيلو مترين تقريبا، وأنهيت الإجراءات مع الموظفين السودانيين فى دقائق معدودة، ثم خرجت ومعى مرافقى.
وبعد قطع ٣٤٥ كيلومترًا وصلنا إلى ولاية «حلفا»، أولى ولايات شمال السودان، وتقع على بعد ٩٠٩ كيلومترات من العاصمة الخرطوم شمالًا، وتعتبر بوابة السودان الشمالية وأولى مدنه على الحدود مع مصر.
المرافق أخبرنى أن «حلفا» منطقة حضارات قديمة، تجمع الحضارات النوبية والرومانية والمسيحية والإسلامية، لكنها تأثرت ببناء السد العالى بمنتصف القرن الماضى، حين غمرتها مياه بحيرة ناصر، فهاجر سكانها إلى شرق السودان، قبل أن يعاد إحياؤها من جديد، مشيرًا إلى أنها سميت بهذا الاسم لكثرة نبات الحلف بها.
ونوه بأن السودان بدأت تمتنع عن استيراد بعض المنتجات المصرية، خاصة الفاكهة، كالبرتقال والفراولة والمواد الكيميائية ومستحضرات التجميل، مشيرًا إلى أن السودان تطالب مصر بـ«بضائع بمواصفات جودة عالمية».



4 آلاف مصرى فى الولاية.. وسيدات من المحلة يبعن الملابس على الأرصفة
ذهبت إلى حى من الأحياء خلف نهاية بحيرة ناصر، حيث يبدأ سريان النيل لمصر عن طريق أسوان، وهذه المياه هى امتزاجات من بحيرة ناصر ونهر عطبرة وأخيرًا النيل الأزرق، وشاهدت مجموعة من المراكب القديمة على أطراف البحيرة.
وأكدت بعض التقارير أن الأقمار الصناعية كشفت عن تطورات جذرية تحدث فى البحيرة، منها ظهور شبه جزيرة هائلة من الطمى عند مدخلها قبالة «وادى حلفا» بمساحة حوالى ٥٥ كم مربع (١٣ ألف فدان) عند مستوى ١٧١ مترًا فوق منسوب سطح البحر.
ويختلف سكان «وادى حلفا» على تسمية البحيرة، فمنهم من يطلق عليها اسم «بحيرة النوبة»، ويطلق عليها البعض اسم «بحيرة ناصر».
ولفت نظرى الحضور المصرى الكثيف فى الولاية، ويصل عددهم ٤ آلاف مصرى، ويقول بعضهم إن هذه الولاية هى المفضلة إلى بالنسبة إلى المصريين نظرًا لقربها من أسوان التى تعد منفذًا هامًا للتجارة مع السودان.
وشاهدت الكثير من المقاهى المصرية الموزعة على شوارع «حلفا»، وأثناء مرورى فى الشارع رأيت مجموعة من النساء المصريات يجلسن على الأرصفة لبيع الملابس، واقتربت منهن وعرفت أنهن من المحلة.
تروى «الحاجة سعدية»، ٦١ عامًا، رحلتها إلى السودان قائلة: «نحن مجموعة من السيدات، أغلبنا أرامل، أتيت إلى هنا منذ ٣ سنوات، عن طريق مينا قسطل الذى تم افتتاحه فى ٢٠١٤، للبحث عن (لقمة العيش) فأنا أعمل فى مجال تجارة الملابس منذ فترة طويلة، ورغم كبر سنى وقسوة الرحلة إلا أننى أسعى لتوفير احتياجات أولادى وتعليمهم.
بدورها، قالت «سامية»: «أنا أرملة، ولدىّ بنت وولد، وأتيت إلى هنا منذ ٧ سنوات، عرفت هذا الطريق من بعض السيدات اللاتى ذهبنا سويًا إلى ليبيا عام ٢٠٠٠ لبيع منتجات المحلة من جميع أنواع الملابس، وعندما تم منع المصريين من التجارة فى ليبيا عام ٢٠٠٧، كان البديل الوحيد أمامنا هو السودان، ونظرًا لقرب ولاية حلفا من أسوان وقربها أيضًا من الميناء النهرى فضلنا الإقامة فيها، وتعمير الأرصفة الفارغة بمنتجاتنا».


سودانيون: علاقتنا بالمصريين تاريخ من الأخوة.. ولا تتأثر بخلافات السياسة
التقيت كذلك أحد شيوخ الولاية، تجاوز السبعين، فروى أسرارا عن «التهجير»، قائلًا: «نحن من أوائل الناس الذين رفضوا التهجير، وعوقبنا على ذلك من نظام الرئيس السودانى إبراهيم عبود، بعد أن كان الهدف الرئيسى إخلاء المدينة من السكان وقطع الملاحة بين مصر والسودان وقطع الخط الحديدى إلى الخرطوم».
وأضاف: «كان هناك حظر سفر عام، إلا من أراد الهجرة إلى المنطقة الجديدة، وهى على بعد ٨٠٠ كيلو جنوب شرق السودان، فى بيئة مغايرة لبيئتنا، وهُجّر إليها ٥٠ ألف نسمة قسرًا، بالضغط والإغراء والإجبار».
وتابع: «رفضنا ومكثنا هنا، فقطعوا عنا كافة الخدمات، مثل الأمن والصحة والمدارس وغيرها، لكنا اعتمدنا على أنفسنا وجاء الفرج من الله فقامت ثورة أكتوبر عام ١٩٦٤، وقبلها كنا نهاجر بالمنطقة من جزء إلى جزء، حتى وصل بنا الأمر إلى الإقامة فى خيمة».
وانتقل الشيخ السودانى إلى العلاقات المصرية السودانية فقال: «علاقاتنا مع الشعب المصرى علاقة أزلية وخط أحمر لا نسمح لأى فرد أن يعكر صفوها، هى لا تتوقف على الرؤساء والحكومات، لكنها على مستوى الشعبين الشقيقين، فالسياسة لها توجهها أما علاقاتنا بالشعب المصرى فلا دخل لها بما يحدث فى السياسة».
وأضاف: «عمومًا العلاقة كانت متينة جدا، على المستويين الشعبى والرسمى، بعد عام ١٩٦٤، وخاصة فى فترتى السادات والنميرى، ثم حسنى مبارك والنميرى، حين كان هناك ما يسمى التكامل بين مصر والسودان، وكانت حركة الملاحة والبواخر منتعشة وجيدة، واستمرت لفترة طويلة على هذا الحال».
وشدد على أن «نحن هنا فى وادى حلفا لا نتأثر بالخلافات والمشاكل التى تحدث بين الحكومات، ولا بموضوع سد النهضة، ولا حتى بعلاقة السودان بإثيوبيا، فكل هذه شوائب لا علاقة لنا بها، ونسير على خطين هما تعمير وادى حلفا، والعلاقات الطيبة مع مصر، أما السياسة وتفاصيلها فلا ننظر لها».
وتابع: «الشعوب إرادتها أقوى من كل هذا، والعلاقات الأزلية بين مصر والسودان لا يجب أن يؤثر فيها شىء، لتبقى هى وتزول كل الخلافات مع الوقت».