رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أيام الست تحية في بيت سي عبدالناصر

جريدة الدستور

كتبت السيدة تحية عبدالناصر مذكراتها ثلاث مرات، اثنتان منها فى حياة زوجها.
الأولى كانت أيام الوحدة مع سوريا فى عام ١٩٥٩، وظلت ما يقرب من ثلاث سنوات تكتب باستمرار، عن كل ما مضى وما حضر فى حياتها مع الرئيس، لكنها سألت نفسها وهى تكتب: لماذا أكتب من الأساس؟
كان عبدالناصر يعرف أن تحية تكتب حياتهما معًا، وكان يرحب بذلك، لكن ورغم المعرفة والترحيب، غيرت رأيها، وقالت فى نفسها: لا أريد أن أكتب شيئًا، وتخلصت مما كتبت، وأخبرت الرئيس، فسألها: لماذا فعلتِ ذلك؟ فقالت له: إنى سعيدة كما أنا ولا أريد أن أكتب شيئًا، فربما تكلمت عن حقائق تجرح بعض الناس، وتكون متصلة بحقائق كنت أراها تدور أمامى. فحسم عبدالناصر موقفه: افعلى ما يريحك.
بعد وفاة عبدالناصر بعامين فقط، كانت المحاولة الثانية، قررت أن تكتب لأنها كانت على يقين من أن ناصر أسف جدًا، لأنها لم تستمر فى الكتابة، لكنها وبعد أن كتبت، تخلصت مما كتبته، لأنها كما قالت: «أنا أعيش الآن وكأنه موجود بجانبى لا أتصرف ولا أفعل شيئًا كان لا يحبه، ولو كنت أعلم أنه لا يريدنى أن أكتب ما فعلت».
بدأت تكتب وتعيش مع ذكريات الرئيس، لكنها لم تتحمل، فكانت تنفعل والدموع تنهمر، وصحتها لم تتحمل، فوضعت القلم، وقالت: «سأتوقف عن الكتابة، ولأبقى حتى أرقد بجانبه»، وتخلصت مما كتبته مرة ثانية.
فى ذكرى ناصر الثالثة، وجدت تحية رغبة عارمة تجتاحها لتكتب عن الزوج وشريك الحياة، قررت أن تكتب ولتتحمل كل ما يمكن أن يحصل لها، كانت تعيش وقتها فى منشية البكرى، مع أصغر أبنائها عبدالحكيم - كان وقتها طالبًا فى كلية الهندسة بجامعة القاهرة وعمره ثمانية عشر عامًا وثمانية عشر شهرًا - طلب عبدالحكيم من والدته تحية أن تكتب سيرة أبيه، الذى يريد أن يعرف كل شىء عنه.
كان طلب عبدالحكيم وراءه تجربة مريرة فى الحصول على شرائط خطب والده كى يسمعه - لعله كان يريد أن يستأنس بصوته بعد أن حرمه الموت منه - طلب عبدالحكيم من رئيس الوزراء، وطلب من رئيس الجمهورية وقابله بنفسه، وقابلت تحية وزير الثقافة، وأبدت استعدادها لأن تدفع أى ثمن لتحصل على الشرائط، لكنها لم تحصل عليها.
كتبت تحية عبدالناصر ذكرياتها مع الرئيس فى حالة وجدانية نادرة، فبعد رحيل الرئيس، كانت تلقى تكريمًا معنويًا كبيرًا من كل المواطنين، فجمال عبدالناصر كان لا يزال فى قلوبهم.
تقول تحية: «كان ما يصلنى من البرقيات والرسائل والشعر والنثر والكتب الكثيرة من أبناء مصر الأعزاء، ومن جميع أقطار الدول العربية والغربية، أى من كل دول العالم، وما يصلنى من البرقيات من رؤساء الدول الصديقة لدعوتى للسفر لزيارتهم، وبتكرار الدعوة أو زيارتهم لى عند حضور أحد منهم، أو إرسال مندوبين عنهم من الوزراء ليبلغونى الدعوة، لدليل على التقدير والوفاء، وعندما أخرج أرى عيون الناس حولى، منهم من يلوح لى بيده تحية، ومنهم من ينظر لى بحزن، وأرى الوفاء والتقدير فى نظراتهم، كم أنا شاكرة لهم، وأحيانًا أكون فى العربة والدموع فى عينىّ، فتمر عربة بجانبى يحيينى من فيها، أشعر بامتنان، وغالبًا ما أكون قد مررت على مسجد عبدالناصر بمنشية البكرى، إنى أرى هذه التحية لجمال عبدالناصر، وكل ما ألاقيه من تقدير فهو له».
منى عبدالناصر التى كانت الأقرب إلى أمر مذكرات والدتها، فبعد أن انتهت منها تحية تم إيداعها فى خزانة ببنك مصر، وتم الاتفاق بين أولادها على إخراجها وهم جميعا موجودون، ولا أدرى هل حدث فعلًا، أم أن ظروف مرض خالد عبدالناصر الذى يعانى بشدة الآن فى لندن، منعته من أن يكون موجودًا. «منى» فى تصريحات صحفية كشفت عن حقيقة ما جرى فى المذكرات، تقول: «إن المذكرات ستخرج إلى النور - نشرت فى عام ٢٠١٠ - دون أى إضافات أو حذف، باستثناء ضبط بعض حروف العطف والجر، وقد قامت بهذه المهمة الدكتور هدى عبدالناصر التى تعتبر أمينة على تراث والدها، لتبدو كما حكتها وعايشت كل ما فيها.
المذكرات كانت على جزءين، الأول ما دونته تحية بنفسها وبخطها، ويقع تقريبًا فى ٢٥٧ صفحة وصدر بالفعل، والجزء الثانى عبارة عن نصوص الخطابات التى أرسلها عبدالناصر لزوجته وهو فى حرب فلسطين، وكتبها بخط يده تحت قصف المدافع».