رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الرئيس جمال عبدالناصر.. ومئوية ميلاده


فى ١٥ يناير ١٩١٨ وُلد جمال عبدالناصر بقرية «بنى مُر»، محافظة أسيوط. وحينما بلغ الثالثة من عمره نُقل والده للعمل بأسيوط، وهناك بدأ جمال التردد على المدرسة الابتدائية. وفى الرابعة من عمره تعلم الأبجدية العربية بالصف التحضيرى (الحضانة).
كان فى بعض الأحيان يطرح على الكبار أسئلة محرجة.
فقد سأل والده ذات مرة: (إننا لا نرعى الغنم بينما نأكل لحومها، فلماذا إذًا يأكل الرعاة الفول؟). لم يستطع والده أن يقول شيئًا سوى أن يقول: (هكذا خُلق العالم). غير أن مثل هذه الإجابة لم تكن تُرضى فضول الصبى ذى الأعوام الثمانية. وعندما نُقل والده إلى الإسكندرية، التحق جمال بمدرسة رأس التين الثانوية الكائنة على مقربة من قصر الملك. كانت مادة التاريخ أحب المواد الدراسية إلى نفسه، وكان لمدرس التاريخ دور مهم فى تنمية هذا الولع لديه. أخذ جمال يطالع الكتاب تلو الآخر عن سيرة حياة «نابليون» و«الإسكندر المقدونى» و«يوليوس قيصر» و«غاندى» و«روسو» و«فولتير»، كما كتب مقالة بعنوان «فولتير رجل الحرية» نشرها بمجلة المدرسة التى كان أحد محرريها. كان مُعجبًا بإنتاج «أحمد شوقى» و«حافظ إبراهيم» و«توفيق الحكيم». وقد أثرت كثيرًا فى نفسه رواية «عودة الروح» لتوفيق الحكيم. وفى أثناء مطالعته هذه الرواية قام بالتأشير بالقلم الرصاص على تلك الفقرة، التى تتحدث عن ضرورة ظهور زعيم للمصريين يستطيع توحيد صفوفهم ودفعهم نحو النضال فى سبيل الحرية والبعث الوطنى.

كانت مشاعر معاداة الإنجليز قد أخذت فى التنامى آنذاك. وفى يونيو ١٩٣٤ شهدت القاهرة معركة حقيقية نشبت بين العمال والبوليس، وأضربت البلاد بأسرها، ردًا على إجراءات القمع التى شنها رجال البوليس. وهنا قام حزب الوفد بعقد مؤتمره القومى، الذى طالب فيه بالإصلاحات الديمقراطية، ورفض الإنجليز الموافقة على ذلك مما كان مدعاة للسخط العام الذى ساد جميع أرجاء القطر. تم اختيار «جمال» ضمن وفد الطلبة الذى توجه إلى بيوت الزعماء بهدف إقناعهم بالاتحاد من أجل مصر، وفى نوفمبر ١٩٣٥ عمت البلاد الإضرابات والمظاهرات المعادية للإنجليز. وذات يوم تجمع تلاميذ ومدرسو مدرسة «النهضة» بالقاهرة فى فنائها، حيث قام «جمال» بإلقاء خطاب حماسى يدعو فيه إلى التظاهر، وسرعان ما خرج حشد هائل من التلاميذ والمدرسين إلى شوارع القاهرة فى اتجاه جامعة القاهرة للانضمام إلى طلبتها المعتصمين بها. قام البوليس بفتح كوبرى عباس فعبر التلاميذ نهر النيل بالزوارق الصغيرة.
كان مكان التجمع عند «بيت الأمة»، فقد كان جميع سكان القاهرة يعرفون ذلك البيت. أقيم سرادق كبير بالميدان المواجه للبيت، حيث جلست أرملة سعد زغلول وكبار قيادات حزب الوفد.
وفى اللحظة التى بدأ فيها مصطفى النحاس باشا يلقى خطابه، ظهر الجنود الإنجليز وبدأوا فى إطلاق نيران أسلحتهم على الجمع المحتشد، فتساقط القتلى والجرحى، وأصيب «جمال» فى رأسه وسالت الدماء تغطى عينيه وذهب به زملاؤه إلى المستشفى رغم اعتراضه على ذلك، وأدرج اسمه فى قائمة المتظاهرين.

تخرج «جمال» فى المدرسة الثانوية وتقدم للالتحاق بالمدرسة الحربية. وبعد مجادلات عديدة تم قبوله بها فى ١٧ مارس ١٩٣٧. اجتاز جميع الامتحانات بتفوق فتم منحه رتبة «جاويش». ولحاجة الجيش الماسة إلى ضباط تم اختصار مدة الدراسة من ثلاث سنوات إلى ١٦ شهرًا فقط، أدى «جمال» امتحانات التخرج بتقدير مرتفع. انضم إلى حزب «الضباط الأحرار»، وفى عام ١٩٤٤ تزوج من «تحية كاظم» وأنجب منها هدى، ومنى، وخالد، وعبدالحميد، ثم عبدالحكيم. كان يستقل سيارته «أوستن» ويطوف بها ليلًا على أعضاء التنظيم وأحيانًا عند مطلع الفجر. فى مايو ١٩٤٨ رُقى إلى رتبة «صاغ»، اشترك فى حرب فلسطين وظل يدافع عن الفالوجا حتى يناير ١٩٤٩.

فى السابعة من صباح ٢٣ يوليو ١٩٥٢ أذيع بالراديو البيان التاريخى حول قيام الثورة، وفى ٢٦ يوليو ١٩٥٢ سمح الضباط الأحرار للملك فاروق بالرحيل إلى «نابولى» بإيطاليا على متن يخته المحروسة. كان يرى ضرورة البدء فورًا فى إعداد الدستور، وقد جرى إقراره فى ٢٣ يونيو ١٩٥٦ فى استفتاء شعبى عام، وانتهت الفترة الانتقالية وتم انتخابه رئيسًا للجمهورية. وفى ٢٦ يوليو ١٩٥٦ أعلن تأميم قناة السويس من ميدان المنشية بالإسكندرية.
فى ٥ يونيو ١٩٦٧ شنت القوات الإسرائيلية هجماتها وحققت انتصارًا عسكريًا، وفى ١٠ يونيو ١٩٦٧ أعلن تحمله كل مسئولية الهزيمة العسكرية وتنحيه عن منصبه وعن العمل السياسى، لكن الجماهير انطلقت نحو مسكنه بمنشية البكرى، مطالبة الرئيس بالتراجع عن قراره، وفى ١٩ يونيو ١٩٦٧ تراجع عن قرار التنحى وتم تشكيل حكومة جديدة.
شهد عصره رئاسة البطريرك الناسك البابا كيرلس السادس (١٩٥٩ــ ١٩٧١) للكنيسة القبطية، الذى كان يمثل مع جمال عبدالناصر العصر الذهبى للأقباط فى مصر بالفعل والعمل. ففى ٢٤ يوليو ١٩٦٥ وضع بنفسه حجر أساس الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالعباسية، وفى ٢٥ يونيو ١٩٦٨ افتتح بنفسه الكاتدرائية فى تواجد ضخم لرؤساء ووفود العالم المسيحى. وفى ٢٦ سبتمبر ١٩٧٠ توصل إلى وقف إطلاق النار بين الأردن وفلسطين، وفى اليوم التالى توصل فى اجتماع شمل الملوك والرؤساء العرب الصيغة النهائية للاتفاق، شعر بعدها بإنهاك شديد. وبعد ظهر ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠ استودع روحه فى يد الله وشيّعته الجماهير بصورة منقطعة النظير فى الحب الحقيقى، فكانت جنازته تمثل استفتاءً حقيقيًا على شعبيته الصادقة.