رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اقتصادنا فى قبضة الدولار والسولار


الاقتصاد المصرى دائماً يعانى بين المطرقة والسندان، ويعانى أيضاً هشاشة أصابت هيكله العظمى، فهو يمر بمرحلة شيخوخة دائمة، ولذلك فأى قشة تقصم ظهره وتجعله يبرك كالجمل الهرم، فإذا شح أو ارتفع سعر السولار تتابعت المخالفات والارتفاعات

بجميع الخدمات التى تستعمله والتى لا تستعمله، فتعريفة عربة نقل الركاب تتضاعف، وعربات نقل البضائع والسلع، وتتضاعف أسعار البضائع التى تنقلها، ولا يجد الفلاح الغلبان السولار لحصد محاصيله.

كما يعانى المواطن المطحون هموم تدبير معيشته، أما إذا ارتفع سعر الدولار مقابل الجنيه المصرى رقيق الحال، فهذه هى الطامة الكبرى، والعجيب أن هذا الدولار الملعون له خصوصيته المصرية، فقد يرتفع فى مصر رغم انخفاضه فى بقية أرجاء المعمورة والعكس صحيح، وربما يؤكد هذا أن هناك أيادى خفية وراء هذا الارتفاع الدولارى والذى يرفع معه أثمان كل السلع من الإبرة للصاروخ، وتتابع حلقات غلاء السلع الاستراتيجية تبعاً لارتفاع هذا الملعون، فاستيراد القمح مثلاً يحتاج ملايين الدولارات لاستيراده من الشرق والغرب.

حتى الخضر التى تنبت على أطراف الحقول فى الريف المصرى لا تسلم من هذا الارتفاع، فيرتفع سعر الفجل والجرجير والبقدونس والكرات، وحجة البائع أن كل شىء ارتفع، رغم أنها لا تستورد مثل أطنان الأطعمة الخاصة بغذاء القطط والكلاب والتى تزين أرفف «السوبر ماركت» من أجل راحة القطط السمان، ويتكلف استيراد هذه السلع الاستفزازية ملايين الدولارات، و تبخل الدولة بهذه الدولارات لاستيراد الأدوية الضرورية للمرض العضال، إن الاقتصاد المصرى المتدهور يجعلنا فى حيرة دائمة ووضع التساؤلات عن الأسباب الحقيقية وراء هذا التدهور المستمر، فى الوقت الذى سبقتنا دول فى التقدم الاقتصادى كانت متأخرة عن مصر بكثير.

فهل لأن الرأسمالية المصرية «جبانة ومستغلة» ولا يهمها إلا المكسب السريع والمشاريع التى تستهدف طبقة النصف فى المائة، ولا تفيد السواد الأعظم من المصريين، فمعظم الإنتاج ينصب على السلع الاستهلاكية، وإعلانات معظم المنتجات التى تملأ شاشات القنوات التليفزيونية ليل نهار، سلع استفزازية، أما المنتجات الضرورية التى تحتاجها الغالبية العظمى من المصريين، فليست فى الحسبان «فالكبريت والملح» مثلاً مستورد من باكستان وتركيا وإيران والسعودية وماليزيا ومن دول النمور والأسود، فأين الكبريت والملح المصرى؟

لماذا تقهقرت هذه الصناعات للخلف؟ ولمصلحة من، وملاحظة أخرى وهى هروب معظم رجال الأعمال بودائع الغلابة الى الخارج، عند أى أزمة تلحق بمصر، كما أن كثيراً منهم يتهرب من دفع الضرائب، فعيوب الصناعة المصرية فى بعض الأحيان يجعل مصر تلجأ للاستيراد من الخارح، فالدبابيس المصرية فى معظمها بدون سن ويعتريها الصدأ.

أما الدبابيس المستوردة فهى جيدة الصناعة وخالية من هذه العيوب، والحيرة أمام تفسير أسباب تدهور الاقتصاد المصرى المريض ومحاولة البحث عن مربط الفرس فى أزمة اقتصادنا، فالنظرة الثاقبة ترى أن هناك خللاً مزمناً يتحكم فيه، وكما يقول المناطقة «أن المقدمات تؤدى الى النتائج» إذن يتمثل هذا الفساد فى إدارة السوق والتسويق والتصنيع والاستغلال، والنهب والسلب، بل لن أبالغ إذا قلت إنه يشمل جميع عناصر المنظومة الاقتصادية. هو السبب الأساسى الذى أوصلنا لهذا المنحدر الاقتصادى.

ويحضرنى فى هذا المقام المثل الشعبى «بيت النتاش ما يعلاش»، وعند استعراض المحاولات الدائمة للخروج من أزمات الاقتصاد المزمنة، فعند قيام ثورة يوليو 1952 حاول رجالها فى بداية عهدهم إصلاح الاقتصاد، فاستدعوا أحد الخبراء الألمان ويدعى «شاخت» ليحل لهم المشكلة المزمنة للاقتصاد، وتاه الرجل بين البيانات والأدابير والدهاليز والمتاهات والاجتماعات والإحصاءات المفبركة، ولم يجد ما يستند إليه ليضع تقريراً سليماً للوضع الاقتصادى، ليصف العلاج، وعاد إلى بلده كما جاء وأثبت فشل الحلول المستوردة، وتأكدت الفكرة القائلة بأن وضع حلول مصرية مخلصة ومغرقة فى مصريتها وغير تقليدية يمكن أن تشفى الاقتصاد المصرى من علله.

وهناك سوابق لذلك، فليست حلول الاقتصادى المخلص «طلعت حرب» ببعيدة وأن مكة أدرى بشعابها، نحن فى حاجة إلى وطنية اقتصادية مصرية لكى نلحق بركب الدول المتقدمة، فنكف نهائياً عن استيراد السلع الاستهلاكية، خاصة السيارات الفاخرة والتى يستخدمها كثير من رجال السلطة، ونقتدى بزعماء ارتقوا بشعوبهم، وكانت بلادهم لديها مشاكل اقتصادية تفوق مشاكلنا واستطاعت هذه الدول أن تفلت من مأزقها الاقتصادى، فالزعيم الهندى نهرو وابنته أنديرا وحفيده راجيف كانوا يستخدمون سيارات صغيرة «أوستن» فترة حكمهم، ولذلك استطاعت الهند التقدم فى المجال الاقتصادى رغم عدد سكانها الذى يبلغ حوالى 700 مليون نسمة، وقفزت قفزة هائلة فى صناعة البرمجيات وصدرتها للخارج حتى بلغ عائد هذه الصناعة مليارات الدولارات، ولا ننسى أن العلماء الهنود صنعوا القنبلة الذرية.

وكلمة أخيرة عند هذا المنحدر الاقتصادى المصرى، أليس هناك من يضع مصلحة مصر فوق جميع المصالح تكون من أولى الأولويات، حتى نجد مخرجاً من هذا الضيق، ادعو معى أن يتحقق هذا الحلم.

■ عضو اتحاد المؤرخين العرب