رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أكاذيب هايلى.. وعروض السلام


أصرت نيكى هايلى، سفيرة الولايات المتحدة فى الأمم المتحدة، على أن استخدام الفيتو كان للدفاع عن سيادة الولايات المتحدة ودورها فى عملية السلام فى الشرق الأوسط، وأنه لا يجوز أن يبلغ أحد الولايات المتحدة عن مكان سفارته، وقالت إن الأمر بسيط، ولكن الولايات المتحدة اضطرت إلى الدفاع عن سيادتها، وأن الولايات المتحدة قد اتهمت بالإضرار بالسلام، لأنها اعترفت بالحقيقة الأساسية بأن القدس هى عاصمة إسرائيل، و«سيعكس التاريخ أن الولايات المتحدة ترفض الزعم الفظيع بأن الولايات المتحدة بذلك قد أضرت بالسلام».
وقد تباهت هايلى بأن الولايات المتحدة قد عملت أكثر من أى بلد آخر على مساعدة الفلسطينيين بتزويدهم بمساعدة قدرها خمسة بلايين دولار منذ ١٩٩٤ ومولت ثلاثين بالمئة من ميزانية وكالة غوث اللاجئين «الأونروا»، والحقيقة أن هذا الدعم دعم استمرار الاحتلال العسكرى الإسرائيلى، وأنه لو أن الفلسطينيين قد تركت لهم حرية الاختيار بسلام لاختاروا طريقهم فى العالم، وليس على حساب آخرين.
وانتهزت هايلى الفرصة لكى تصفع قرار مجلس الأمن رقم ٢٣٣٤ المتخذ منذ سنة، حينما اختار حينئذ الرئيس السابق باراك أوباما أن يمتنع عن التصويت بدلًا من أن يعترض على القرار وبذا سمح له بالمرور. وأعاد التأكيد أن إقامة إسرائيل للمستوطنات فى الأراضى الفلسطينية المحتلة بعد ١٩٦٧ بما فيها القدس الشرقية ليست لها أى شرعية ولا حجية، وتشكل انتهاكًا فاضحًا للقانون الدولى، وعائقًا رئيسيًا أمام تحقيق حل الدولتين والحل العادل والدائم والسلمى.
ويعيد القرار طلب أن تقوم إسرائيل بإيقاف أنشطة الاستيطان فورًا وبالكامل فى الأراضى الفلسطينية المحتلة بما فى ذلك القدس الشرقية، وأن تحترم كل التزاماتها فى هذا المجال. كذلك فإن القرار يؤكد أنه لن يعترف بأى تغيير فى خطوط الرابع من يونيو بما فى ذلك ما يتعلق بالقدس إلا بما يتفق عليه الأطراف عبر المفاوضات. كما يؤكد القرار ضرورة إيقاف كل نشاطات إسرائيل الاستيطانية من أجل الوصول إلى حل الدولتين ويدعو إلى اتخاذ خطوات إيجابية من أجل إعادة الميول السلبية على الأرض، التى تضر بحل الدولتين.
وقد أشارت نيكى هايلى إلى أنه إذا جاءت فرصة لإعادة التصويت على القرار ٢٣٣٤ أستطيع أن أقول بثقة كاملة إن الولايات المتحدة ستستخدم حق الاعتراض ضده. وقد كان رد فعل بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل على القرار رقم ٢٣٣٤، متوقعًا تمامًا «فالسلام لن يأتى من خلال قرارات الأمم المتحدة، ولكن من خلال المفاضات المباشرة بين الأطراف»، وأنه سيقول ذلك، وهو يضع الحذاء فوق رقبة الشعب الفلسطينى وأسلوبه فى التفاوض دائمًا هو بتسديد المسدس إلى رأس الطرف الآخر فى حين أن الكل خاصة أمريكا تعرف أن السلام لا يناسب هدف إسرائيل، بينما يناسب تظاهر إسرائيل بالبحث عن السلام.
نصل إلى أخطر ما قالته نيكى هايلى، حينما أصرت على أن القرار ٢٣٣٤ وصف الاستيطان الإسرائيلى بأنه عائق للسلام ووجه اللوم فى فشل جهود السلام على الاستيطان الإسرائيلى، وأنه أبعد اللوم عن القادة الفلسطينيين، الذين رفضوا على مدى سنين عديدة الاقتراحات واحدًا تلو الآخر. هل كان هناك اقتراح سلام مقبول؟ يمكن الآن أن يدرك كل فرد أن النظام الإسرائيلى لم يطلب السلام أبدًا، وأنهم قالوا ذلك بصوت عالٍ وواضح، وأنهم يقومون بسرقة الأراضى والتطهير العرقى فقط حتى يبقى الحذاء الإسرائيلى بثبات على رقبة الفلسطينيين.
هنا يتردد أن إيهود باراك قدم عرضًا سخيًا للفلسطينيين فى صيف عام ٢٠٠٠، وهناك من يلومون الفلسطينيين، ومنهم نيكى هايلى على إسقاط خطة باراك المزعومة. الحقيقة المرة والموثقة جيدًا تقول إن المنظمات المذكورة بدلت الحقائق، وقالت إن إسرائيل قدمت عرضًا لم يكن للفلسطينيين أن يرفضوه. بالبحث عن هذا العرض نلاحظ ما يلى: حينما وقع الفلسطينيون اتفاق أوسلو ١٩٩٣ اعترفوا بإسرائيل داخل الحدود المعروفة بالخط الأخضر، أى خطوط الهدنة عام ١٩٤٩، وبذلك وافقوا على قبول ٢٢٪، وبذلك تنازلوا عن ٧٨٪ من فلسطين التى كانت أرضهم أصلًا.
لكن ذلك لم يكن كافيًا لإسرائيل، وكان عرض باراك «السخى» يطالب بأن تدخل ٦٩ مستوطنة إسرائيلية كجزء من الـ٢٢٪ الباقية للفلسطينيين، وكان من الواضح على الخريطة أن كتل هذه المستوطنات خلقت فعلًا حدودًا مستحيلة، وأنها قد أضرت الحياة الفلسطينية فى الضفة الغربية، بينما طالب باراك بأن توضع الأراضى الفلسطينية تحت السيطرة الإسرائيلية المؤقتة بما يعنى السيطرة الإسرائيلية العسكرية والإدارية نهائيًا، كما اشتمل العرض على سيطرة إسرائيل على كل معابر الحدود فى الدولة الفلسطينية الجديدة. أية دولة فى العالم يمكن أن تقبل مثل هذا العرض؟ كان من الطبيعى أن يرفض العرض، ولكن تفاصيل العرض أخفيت عن العالم لتجنب الدعاية المضادة.