رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الدستور» فى رحلة البحث عن «الإيدز» فى الإسكندرية

جريدة الدستور


أثار إعلان الدكتور «حاتم البنا» على صفحته بموقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»، استقبال المستشفى الذى يعمل به فى منطقة «المعمورة» بمحافظة الإسكندرية، فتاة تظهر عليها آثار اعتداء جنسى، واكتشاف أنها حامل فى الشهر الرابع، وثبوت إصابتها بفيروس نقص المناعة المكتسبة «الإيدز»، حالة من الذعر بين الأهالى.

الذعر الذى أثارته إصابة فتاة الشارع المراهقة بـ«المرض الملعون»، مرده كشف الطبيب عن أن الفتاة أخبرته بتعرضها للاعتداء الجنسى مئات المرات فى الشارع، وسابقة إجهاضها، مشيرة إلى أن «كل من اغتصبها اصطحب معه فى المرات التالية مجموعة من أصدقائه، حتى وصل عدد من عاشروها جنسيًا إلى مئات من سائقى التوك توك وغيرهم فى المنطقة التى عاشت فيها».

وجود عشرات الحالات المصابة بـ«الإيدز» فى الإسكندرية، وفق تلك الرواية، أصبح احتمالية قائمة، فى ظل ما يتداوله الأهالى حول اكتشاف 3 حالات مصابة أخرى خلال الأسبوع الماضى فقط، ومع «تكتم» وزارة الصحة، وعدم إصدارها أى بيانات لتوضيح حقيقة ما يحدث، بدأت «الدستور» فى تتبع خيوط القضية للتعرف على الحقيقة كاملة حول «إيدز الإسكندرية».

روايتان عن الضحية.. «بنت ليل» و«فتاة شوارع»

بحسب روايات أهالى «المعمورة» فإن وقائع التعدى على الفتاة تمت فى منطقة قريبة من الوحدة الصحية بمنطقة «طوسون»، وتقول الدكتورة عبير العجمى، نائب رئيس الوحدة، إن كل أهالى المنطقة لديهم علم بواقعة الفتاة «ناقلة المرض البطّال»، كما يسميه الأهالى.

وأوضحت أن هناك روايتين لواقعة اكتشاف «فتاة الإيدز»، الأولى تقول إن الشرطة أوقعت بـ «فتاة ليل» فى «المعمورة»، وبعد الكشف عليها اتضح إصابتها بـ«الإيدز»، وأنها كانت برفقة شباب متزوجين، والثانية تلك التى رواها الطبيب «حاتم البنا» وتقول إن سيدة ثرية عثرت على فتاة فى حالة مذرية بالشارع، وتبين لها تعرضها لاعتداء جنسى على يد مجموعة من الشباب، فما كان منها إلا أن اصطحبتها إلى أحد المراكز الطبية، حيث اكتشفوا الأمر.

وأشارت إلى أن الممرضات والأطباء بمجرد أن علموا بالقصة بدأوا يتبادلونها عبر مجموعات تطبيق «واتس آب» الخاصة بهم، واتفقوا على توسيع حملات التوعية بمرض «الإيدز»، وفى اليوم التالى تلقوا تعليمات إدارية من مديرية الصحة، استقبلتها من الوزارة، لتوسيع الحملات وعمليات الكشف والتوعية فى محيط المنطقة، ومحاولة البحث عن أى شباب مصابين بالمرض، وذلك فى أعقاب اجتماع الدكتور مجدى حجازى، وكيل وزارة الصحة بالإسكندرية، والدكتور أحد البراوى، أحد المسئولين عن مكافحة الإيدز بالمديرية.

واعتبرت أن الطبيب الذى كشف الواقعة له غرض من وراء نشر القصة، خاصة أنها أصابت الأهالى بحالة ذعر كبيرة.

ريهام سعيد واتهامات «الفبركة» وراء اختفاء الطبيب مفجر الواقعة

إلى جانب الروايتين المتداولتين بين الأهالى عن الفتاة، أثيرت تساؤلات عديدة عن مفجر القضية، الطبيب «حاتم البنا»، خاصة أنه اختفى بشكل تام، وأغلق جميع وسائل التواصل معه، ما جعل الوصول إليه أمرًا صعبًا للغاية.

وتمكنت «الدستور» من التوصل إلى رقم الهاتف الخاص به، وتواصلنا معه بالفعل، لكنه رفض التعليق سوى بالقول: «الموضوع حقيقى.. وكفاية اللى حصل لى بسبب الموضوع ده».

وكشف مصدر قريب الصلة من «البنا» عن تلقيه تهديدات، عبر صفحته على موقع التواصل «فيسبوك»، واتهامات بـ«فبركة» الواقعة وتضخيم القضية لـ«زعزعة الأمن القومى»، مضيفًا: «أصبح مطلوبًا للتحقيق من قبل جهات أمنية، وتعرضت صفحته للاختراق أكثر من مرة، ما دعاه للانسحاب من فيسبوك».

وتابع المصدر أن الطبيب كان على وشك أن يخسر وظيفته، إلا أن «مسئولين ولاد حلال وقفوا معاه وتأكدوا من كل حاجة ووعدوه بعدم تركه العمل»، حسب قوله.

وأشار إلى أن الطبيب فوجئ بالإعلامية «ريهام سعيد» تقتحم منزله للتسجيل معه حول الواقعة ودوره فيها، إلا أنه رفض التحدث إليها نهائيًا وطردها من منزله، خاصة بعد أن علم أهالى المنطقة ما حدث.

أما عن الفتاة فأوضح المصدر أنها تتواجد حاليًا فى مكان آمن يتبع وزارة الصحة، وتتلقى رعاية طبية على أعلى مستوى، بتعليمات مباشرة من مسئولين كبار بالوزارة، مفضلًا عدم الكشف عن مكان تواجدها، أو معلومات شخصية عنها، احتراما لخصوصيتها.

سائقو «توك توك»: المتعرضات للاعتداء الجنسى «كتير جدًا» بـ«فلوس أو غصب»

سائقو «التوك توك» أحد أطراف القضية، فى ظل ما يتردد عن أن غالبية المعتدين جنسيًا على الفتاة من ممتهنى هذه المهنة، وفى منطقة تسمى «تحت الكوبرى العلوى» فى «المعمورة» تقف أعداد كبيرة من «التكاتك» أمام معبر للسكة الحديد، وبينهم «يوسف» الذى تحدث عن الواقعة، قائلًا إنه «لا يعرف الفتاة تحديدا، فهناك عدة فتيات تتشابه قصصهن مع حالتها، سواء فى طريقة العيش بالشارع، أو تعرضها للاعتداء الجنسى».

ويضيف الشاب العشرينى: «المعاشرة الجنسية مع فتيات شوارع المعمورة تتم إما بالتراضى عبر الاتفاق على مبلغ معين مقابل ممارسة الجنس، أو بالتعدى على الفتيات اللاتى لا يستطعن حماية أنفسهن أمام عدد كبير من الشبان، والذين يكونون فى الأغلب تحت تأثير المخدرات»، لافتًا إلى أنهم «بيضربوا مخدرات ودماغهم تعلى ويبقوا عايزين بنت تسليهم، ومبيبقاش معاهم فلوس فبيروحوا يغتصبوا البنت اللى يلاقوها»، حسب قوله.

ويضيف شاب ثان: «كلنا عارفين البنات اللى هنا، بس مش عارفين مين فيهم اللى بيتكلموا عنها على النت، لو نشوف صورتها نعرفها على طول».

سائق ثالث يجلس فى «التوك توك» الخاص به، يشارك بحديث عن الواقعة، ويقول إنه علم بالواقعة من خلال الأحاديث التى انتشرت بين شباب المنطقة، مضيفًا: «هناك عدة فتيات يعشن فى الشارع، ويظهرن فى الليل فقط، ويتقاضين المال مقابل الجنس». ويتابع: «البنات بيبقوا عايزين الفلوس وبياخدوا 100 و150 جنيهًا فى الليلة.. مفيش حاجة ببلاش». أما «محمد سيد»، أحد أهالى المنطقة، فيقول إن أكثر المناطق التى تتواجد بها فتيات الليل أو فتيات الشارع فى «المعمورة» هى شارع «25 بحرية»، لأنها منطقة سكنية جديدة ومعظم ساكنيها جدد ولا يعرفون بعضهم بعضا، ومنهم هاربون من أحكام قضائية، لذلك الفتيات يتنقلن هناك بأريحية، وأوضح أن الأمر ذاته ينطبق على شارعى «16» و«30» فى المنطقة.

سيارة «فحص ومشورة».. التقاط مرضى «الإيدز»

توفد وزارة الصحة، وتحديدًا البرنامج الوطنى لمكافحة الإيدز بالوزارة، سيارة طبية مجهزة، تجول منطقة «المعمورة» حاليًا، للبحث عن أى مصابين بمرض نقص المناعة المكتسبة «الإيدز»، وذلك عبر إجراء مجموعة من الفحوصات العشوائية الاختيارية، وفق توجيهات بتكثيف العمل فى المنطقة عقب انتشار قصة الفتاة.

وتعد تلك السيارة واحدة من 9 سيارات حصلت عليها وزارة الصحة كمنحة دولية للمساعدة فى فحص الفيروسات والأمراض المزمنة و«الإيدز» عام 2004، ودخلت حيز العمل الفعلى عام 2005.

وتضم السيارة فريقًا من 5 أشخاص، ممرضة متخصصة فى سحب عينات الدم، ومقدم المشورة «مراقب صحى»، وطبيب من إدارة الطب الوقائى، وعامل نظافة، وسائق السيارة. وقال أحمد حسن، المراقب الصحى بالسيارة، إن تلك الوحدة المتنقلة وجدت إقبالا من أهالى «المعمورة»، خاصة من شباب طلبوا إجراء التحاليل اللازمة للتأكد من عدم إصابتهم بالمرض، بعد اعترافهم بتعاطى المخدرات عبر الحقن، وإقامتهم علاقات جنسية غير شرعية مع فتيات يحتمل إصابتهن بـ«الإيدز».

ويوضح «حسن» أنهم لا يطلبون معلومات شخصية من الشخص الخاضع للتحاليل، سوى السن والحالة الاجتماعية، ورقم الهاتف إذا وافق، حفاظا على خصوصيته، إضافة إلى إرشادات ما قبل الفحص، والتى تتضمن: «طبيعة الإيدز، كيفية انتقاله، طريقة التعامل مع الأمر»، وطمأنة الشخص بأن «الإيدز» مرض عادى مثل بقية الأمراض، يمكن التعايش معه عشرات السنين، وبعد ذلك يسحبون العينة، ثم يتم نقل العينات إلى مستشفى الحميات بالإسكندرية، لمعرفة النتائج.

ويضيف: «فى حالة ما إذا كانت النتائج إيجابية مرتين، يتم إرسالها إلى المعامل المركزية بوزارة الصحة فى القاهرة، للتأكد من إيجابية أو سلبية العينة، ويتم إدراجها بتقارير الوزارة، وإفادتنا بها لبدء العمل على الحالة، فى مدة أقصاها شهر واحد، وهنا يتم تكويد الحالات، بدلا من استخدام الأسماء، التى من الممكن أن يتم تسريبها، وفضح المريض، وتكون الأكواد عبارة عن رموز أشجار، سيارات وأرقام، ثم يبدأ أطباء مكافحة الإيدز بالإسكندرية فى متابعة الحالة».

وأشار إلى أن المناطق الشعبية تكون أكثر تفاعلا مع عربة الفحص، مقارنة بالمناطق الأكثر رقيا، ويفسر ذلك بقوله إن «من يعيشون فى المناطق الراقية يكونون أكثر قلقا على وضعهم الاجتماعى ممن يعيشون فى المناطق الشعبية والأحياء الفقيرة»، مضيفًا: «السيدات أكثر جرأة فى طلب إجراء التحاليل من الرجال، وكثير من الشباب يأتون للاطمئنان على أنفسهم».

«الصحة» تبدأ مسح «المعمورة».. وتعتبر الواقعة «بروباجندا»

كشف الدكتور أحمد البراوى، مسئول مكافحة الإيدز بمديرية الصحة بالإسكندرية، عن تلقيه تعليمات من وزارة الصحة، بتكثيف الجهود فى التثقيف والمشورة حول «الإيدز» بمنطقة «المعمورة».

وقال «البراوى»: «كل يوم بتجيلنا تعليمات، لكن لا نستطيع إجبار الشباب أو الأهالى، خاصة المراهقين منهم، على إجراء الفحوصات والتحاليل، لتأكد خلوهم من مرض الإيدز، ولا نستطيع طرق أبواب المنازل، لأن ذلك يعرضنا للخطورة».

وأشار إلى أنه فى إحدى المرات تلقوا إشارة عن حالة مريض بـ«الإيدز» فى إحدى المناطق الشعبية، وعندما ذهبت سيارة المشورة إلى المكان المحدد، وبمجرد السؤال عن الحالة، وعلم الأهالى أننا تابعون لوزارة الصحة، ارتفعت الأصوات وكادوا أن ينهالوا على مسئولى الصحة بالضرب، صائحين: «عايزين مننا إيه؟، إنتو جيتوا متأخرين، الحالة ماتت خلاص».

وأضاف: «المجتمع يتعامل مع مريض الإيدز على أنه سيئ السمعة، وهو عكس ما نتعامل معه فى خطتنا الروتينية بجلسات المشورة لما قبل وبعد التحليل».

وعن طريقة التحليل يقول: «يتم سحب عينات 3 سم دماء من الحالات بشكل اختيارى، ثم تحليلها فى معامل مستشفى الحميات، وكذلك بالمعامل المركزية للوزارة، وفقا لبروتوكول منظمة الصحة العالمية، خاصة أنه لا يتم الاعتراف بإيجابية الحالة، إلا عند صدورها من معامل وزارة الصحة الرسمية، ولا يعترف بأى نتائج من المعامل الخاصة».