رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قدر القوات المسلحة المصرية إقليمياً!


هكذا تبدو تحركات رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية مهمة استراتيجياً، ويرتبط هذا بما يمكن أن تحققه، لكنى أعتقد أن هذا كله يظل ناقصاً بدرجة كبيرة دون التوصل إلى نوع من العلاقة مع سوريا الجناح الشرقى للاستراتيجية المصرية.

عادة ما يتردد فى تحليل المواقف والأوضاع القائمة مصرياً وعربياً وإقليمياً أن القوات المسلحة المصرية هى القوة الوحيدة الباقية فى المنطقة بعد ما جرى للقوات العراقية ثم السورية واليمنية والليبية والسودانية، والواقع أن ما حدث لم يحدث لتلك القوات المسلحة فقط، وإنما حدث للبلدان كلها، لكن القوات المسلحة تمثل الدعامة الرئيسية للدول خاصة فى بلاد كبلادنا، ما زالت الأمور فيها لم تستقر، وهنا يأتى الحديث عن القوات المسلحة المصرية باعتبار أنها القوات المسلحة التى احتفظت بكيانها ولم تنخرط فى صراعات داخلية وخارجية، وكان دورها بالانحياز للشعب عاملاً رئيسياً فى تجنيب البلاد مخاطر تعرضت وتتعرض لها دول فى الإقليم، وأصبح هذا داعيا إلى النأى بالقوات المسلحة عن السياسة للاستمرار فى تأدية دورها الوطنى والقومى. لكن هذا يطرح فى نفس الوقت سؤالاً عما يمكن للقوات المسلحة المصرية أن تفعله فى مثل هذه الظروف، أو وفقاً للتعبير باللغة الدارجة «إيش تعمل الماشطة فى الوش العكر؟!».

يبدو أن هذا السؤال يلح على القيادة العامة للقوات المسلحة وأنها تتصور إجابة له، وربما تكون قد أصابت فى الوصول إلى إجابة، واضعة فى الاعتبار أنه إذا لم يكن من الممكن الآن تغيير الأوضاع كثيراً، فإننا يمكن أن نفعل الكثير من أجل المستقبل الذى نأمل أن يأتى بأفضل من الحاضر، وهو أمر نشجعه. إلا أننى أتصور أننا يجب أن نضع فى الاعتبار احتمالات التطور القادمة من جهة، كما يجب أن نضع فى الاعتبار أن الأوضاع الحالية قد أعطت للقوى الأجنبية مزايا يجب أن نعمل على التخلص منها بأسرع ما يمكن. فقد أصبح لقوات حلف شمال الأطلسى مزايا فى ليبيا ومالى وأصبح الوجود العسكرى الأمريكى فى اليمن أمراً واقعاً كما أنه أصبح من الممكن أن تكون هناك قوات إسرائيلية فى جنوب السودان وتضخم دور حلف شمال الأطلسى فى تركيا، بجانب الوجود العسكرى الأجنبى فى الخليج، وأخيراً، وليس آخراً فإن التطورات فى معالجة المشروع النووى الإيرانى توحى بأخطار لا يعلمها إلا الله، وعلينا أن نكون مستعدين لمعالجتها.

لقد قام السيد رئيس أركان حرب القوات المسلحة بنشاط مهم أتصور أنه يمكن أن يمهد لنهضة إقليمية إذا توفرت ظروف مناسبة لها، فلمن لا يتابع هذا النشاط أذكر بأن سيادته سبق أن قام بزيارة لدولة الإمارات العربية المتحدة لحضور ندوة هناك، ثم إنه زار ليبيا والتقى المسئولين العسكريين هناك، وأخيراً قام بزيارة للسودان والتقى رئيس الأركان هناك، بل واتفق الاثنان على تنشيط العلاقات العسكرية بين قواتهما المسلحة. هذه الزيارات لها أهميتها الاستراتيجية خاصة إذا تذكرنا أن دولة الإمارات العربية المتحدة تطل على الخليج وهى دولة بترولية لها علاقاتها المعقدة مع إيران من نزاع على الجزر إلى حجم ضخم من التبادل التجارى ونسبة عالية من الوافدين، وليبيا هى الدولة التى تدفق وربما يتدفق منها إلى مصر سيل من الأسلحة التى فاضت عن حاجة المقاتلين هناك، وربما كان هناك من يسعى إلى تفجير الوضع الداخلى فى مصر عن طريق شحنها بكميات كبيرة من الأسلحة فوق الصغيرة والتى اشتملت على مدافع وأسلحة مضادة للطائرات وصواريخ أرض أرض وغيرها، أما السودان فإن انفصال جنوب السودان أنشأ وضعاً استراتيجياً حساساً للجنوب المصرى، ويزداد تعقيداً بالتطورات حول مياه النيل ذات الأهمية الحياتية لكل من مصر والسودان.

هكذا تبدو تحركات رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية مهمة استراتيجياً، ويرتبط هذا بما يمكن أن تحققه، لكنى أعتقد أن هذا كله يظل ناقصاً بدرجة كبيرة دون التوصل إلى نوع من العلاقة مع سوريا الجناح الشرقى للاستراتيجية المصرية والتى لا يمكنه مواجهة التهديدات الرئيسية بدونها.

لا أريد المبالغة فى التوقعات حيال هذه الزيارات رغم ما بدى أن بعضها حقق نتائج إيجابية فعلا، فقد أعقبت زيارة رئيس الأركان إلى ليبيا زيارة رئيس الأركان الليبى لمصر ولقاؤه وزير الدفاع، وهى بلا شك خطوات مهمة، وإن كان ليس من الواضح ما يمكن أن يكونوا قد اتفقوا عليه، ولكن أياً كانت هذه النتائج فإنه فى الظروف الحالية التى تنكفئ فيها ليبيا على نفسها وتمزقها صراعات داخلية فإن أى اتفاق بين البلدين على المستوى العسكرى لا بد أن تكون له نتائج إيجابية باعتبار أن الشىء أفضل من لا شىء، ولا ننسى أن ليبيا هى الجار الغربى مباشرة لمصر، وأن العدوان على مصر عامى 1956 و1967 استخدم قواعد فى ليبيا، ومن شأن العلاقات مع ليبيا ألا تسمح على الأقل باستخدام أراضيها أو أجوائها أو مياهها الإقليمية ضد مصر.

أما فى السودان فقد كان الموقف أفضل وفقاً لما نشر عن الزيارة، والذى جاء به أن الجانبين قد اتفقا على تنشيط معاهدة الدفاع المشترك، وهو أمر أفهمه باعتبار أن البلدين يشعران بالمخاطر التى تحيط بهما، وبنصيبهما من مياه النيل، بالإضافة إلى احتمالات الوجود العسكرى الإسرائيلى فى جنوب السودان، ولا شك أن السودان قد يحتاج إلى مساعدة عسكرية مصرية، كما أن مصر تحتاج إلى أن تكون لها عين قرب منابع النيل. وهناك دور آخر يمكن أن يلعبه هذا الاتفاق وهو أنه قد يكون قاطرة لتعاون عسكرى عربى جديد فى مستقبل ليس بعيداً، فمعاهدة الدفاع العربى المشترك متوقفة منذ نحو ثلاثين سنة فهل يحيى التعاون العسكرى المصرى السودانى التعاون العسكرى العربى؟ يحيى العظام وهى رميم. كذلك فإنى أتصور أن الأوضاع الحالية فى السودان قد تساهم فى عودة هدف وشعار «وحدة وادى النيل» مرة أخرى.

مرة أخرى لا أريد أن نندفع فى التفاؤل أكثر من اللازم، ويجب أن تكون خطواتنا حذرة فى منطقة أصبحت مليئة بالألغام نتيجة توقف وتخلف لعشرات السنين، ولكنى لا أستطيع إلا أن أذكر مرة أخرى بالجناح الشرقى والإقليم الشمالى للجمهورية العربية المتحدة سوريا، وأرجو أن نصل إليه قريباً، فالعالم يعيد تقديراته للموقف هناك ونحن أولى من أى طرف آخر بمراجعة موقفنا من الأزمة فى سوريا.

أخيراً فإن الموقف فى إيران يستدعى من القيادة الحالية تقديراً حساساً فقد كانت الإشارت الصادرة من واشنطن تشير إلى أن الولايات المتحدة قد سمحت لإسرائيل بأن تتصرف حيال إيران منفردة، كما أن تصريحات جون كيرى وصفقات الأسلحة الأخيرة للخليج وإسرائيل المرتبطة بزيارة هيجل تحمل تهديدات شديدة لإيران مما يستدعى التفكير فى التداعيات المحتملة لمثل هذه التهديدات لو صحت، وها هو قدر القوات المسلحة المصرية أن تتصدى لمواجهتها، ولكن ذلك فى مناخ غير مناسب وفى أوضاع عربية لا يمكن وصفها إلا بأنها شديدة الهشاشة.