رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أيها الإخوان : جزاكم الله خيرت


قال الرجل الإخوانى لصديقه اللدود الليبرالى «نحمل الخير لمصر» فرد عليه الليبرالى «جزاكم الله خيرت» ويقولون إن شقيقة محمد مرسى حين توفيت - ندعو لها بالرحمة - تلقى خيرت الشاطر برقيات العزاء .

تعكس هذه الدعابة المشهد السياسى فى مصر، تترجم حالة الاستقطاب الحادة التى بدأتها جماعة الإخوان بالفرز والتجنيب والإقصاء، حتى داخل الجماعة نفسها، الذى يسمع ويطيع يصبح ابنا بارا للجماعة تحتضنه وتحدب عليه وتغدق عليه بالمناصب فى المكان الذى يريد، أما الذى يفكر على استقلال فهو من أبناء الجحيم حتى ولو كان من المقربين للرجل الحديدى للجماعة، وكلما نظرت إلى أسرة الإخوان الداخلية جرى أمام خاطرى مشهد الفنان حسن الباردوى وهو يقول بعباراته الممطوطة الممدودة للفلاح المغلوب على أمره شكرى سرحان فى فيلم الزوجة الثانية وهو يحضه على تطليق زوجته «هييه يا أبو العلا يا بنى ..أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم، طلق عائشة يا بنى واسمع كلام العمدة» إلا أن أبو العلا قاوم جبروت العمدة ما وسعته المقاومة حتى اضطر للرضوخ وقلبه يقطر دما، عندما يتكرر هذا المشهد بصورة أو بأخرى داخل جماعة الإخوان نادرا ما يقف الأخ المغلوب على أمره موقف المقاومة، فأنى له أن يقاوم قرار القيادة التى ترتدى ثوب الإسلام وهو الذى جُبل على الطاعة وفقا لذلك التلبيس الذى يدخلونه على الفهم الصحيح للآية الكريمة ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم ) .

لم تنتقل جماعة الإخوان من الفكر المدنى إلى طريقة الإدارة العسكرية إلا من خلال السمع والطاعة والثقة فى القيادة، ومن خلال هذه الآفة الإنسانية تسربت كثير من الأفكار التكفيرية إلى نسيج الإخوان وقد استقبلها الشباب الغر على أنها «دين» وعلى أنها «ذروة سنام الإسلام».

أذكر أنه منذ أكثر من عشرين عاما كنا نحضر كتيبة إخوانية موحدة للمنطقة كلها فى بيت حسن مالك بالمنطقة الثامنة بمدينة نصر، كان الحشد لهذه الكتيبة على أشده وكانت التنبيهات على الجميع بأنه لا ينبغى لأحد أن يتخلف عن هذه الكتيبة مهما كانت الظروف، وقتها كان مسئول مدينة نصر هو المهندس «محمود سالم» وهو شخص لين العريكة يحمل قلبا مفعما بالإيمان والإخلاص، يعرف الطريق الصحيح للدعوة، وأظن أنه ينتمى إلى نوعية من الإخوان كادت أن تنقرض، وكان محمود سالم قد نبه على منطقة مدينة نصر كلها بحضور هذه الكتيبة للأهمية، وكان المحاضر فى هذا اليوم هو النجم الإخوانى الصاعد وقتها خيرت الشاطر، وكان قد تقلد مسئولية محافظة القاهرة - إخوانيا - وفى ذات الوقت كان قد تم تصعيده ـ وليس انتخابه فهؤلاء دخلوا بالتعيين وفقا لقرارات فوقية - ليكون عضوا بمكتب الإرشاد، وهنيئا لمن كان مقربا وقتها من الحاج مصطفى مشهور، وفى محاضرته ظهر لى أن خيرت رغم جهامة وجهه وعبوسه، رجلا حاد الذاكرة يجيد الحديث والاسترسال فى الكلام، وحين بدأ فى إلقاء المحاضرة سكت الجميع، فخيرت كان يتحدث عن هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة ثم إذا به يأخذ من دروس هذه الهجرة ليطبقها على الواقع الذى نعيشه فتحدث عن دولة الكفر ودولة الإيمان، وقال إن الإيمان بالإسلام ليس أمرا شكليا أو مجرد نطق للشهادة ولكن يجب أن يؤمن المسلم بتحكيم شرع الله وبغير ذلك لا يكون مسلما واستدل بالآية الكريمة ( إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ) والآية (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكمونك فيما شجر بينهم ) واسترسل فى شرح المعانى المستمدة من هاتين الآيتين وأنزلهما على واقعنا الذى نعيشه.

كانت الأفكار التى طرحها خيرت وقتها مأخوذة من كتاب سيد قطب «معالم فى الطريق»ويبدو أن خيرت كان يحفظ الكتاب عن ظهر قلب إذ كان يقرأ فقرات طويلة منه دون أن ينظر إلى ورقة أو كتاب، أعجبتنى محاضرة الشاطر وقتها فقد كان عرضه رائقا سلسا، إلا أن بعض عباراته التى يصم المجتمع فيها بما قاله ( كفر دون الكفر ) أوقفتنى، فقد قال إن المسلم يخرج من ربقة الإيمان إن قام بتحكيم القوانين الوضعية دون شرع الله، وإن المجتمع كله مجتمع جاهلى لأنه يقبل أن يُشرع له مجلس الشعب قوانين فيكون بهذا قد أشرك بالله، وأن مرحلة الاستضعاف لها فقهها ومن فقه هذه المرحلة قبول ما لا يجب قبوله فى ظل دولة الإسلام وفقا لقاعدة الضرورات تبيح المحظورات وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وأننا نلج أبواب الجاهلية ظاهريا لندخل منها إلى دولة الإسلام!! فعدت إلى كتاب معالم فى الطريق أنهل منه إلا أننى وجدت فيه أمورا لم أستسغها ولم يتقبلها منطقى، وأعدت ماسمعته من خيرت على قلبى وعلى الفكر الوسطى المعتدل، فكر الدعاة لا القضاة فوجدت البون شاسعا.

ومرت السنوات والسنوات وحدث فيها ماحدث من وقائع وتصاريف وقيَّض الله لى أمر الفرار بعقلى من تلك الجماعة المستبدة، وقامت الثورة وقال الإخوان سبحان الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ثم ركبوا الثورة واستغلوها لمصلحتهم من باب «ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب»، ولكن قانون الله وسنته فى كونه لابد أن تقع، فكما تدين تدان، وكما ركْبت الثورة لنفسك لا لدينك ووطنك، فانتظر من سيركبك لنفسه وما أرى هذا اليوم إلا قريبا، وأطاح خيرت بعبد المنعم أبو الفتوح لأنه يقف على أرضية فكرية أخرى تختلف عن أفكاره ورجاله الذين تحكموا فى كل شىء وقاموا بتربية الشباب الغِر على شاكلتهم فكأنهم يقلبون الجورب على الناحية الأخرى ليبدو لنا جديدا وما هو إلا ذاته الجورب القديم، وبالإطاحة بأبى الفتوح وطد خيرت نفسه للوصول لأعلى مواقع البلاد ورتب أمره على ذلك فكانت الاتفاقات والصفقات بدءاً من التعديلات الدستورية المشبوهة وصولا إلى نزول محمد مرسى الانتخابات ممثلا لمكتب الإرشاد وجماعة الإخوان، وأصبح مرسى بالفعل من وقتها مندوب خيرت الشاطر فى مؤسسة الرئاسة، لم يبرم مرسى رأيا من عقله، ولكن وفقا لكل الشهود كان مجرد الناطق الرسمى لقرارات الإخوان، والذين يظنون أن مرسى من الممكن أن يكون رئيسا لمصر كلها فإنهم لا يعرفون الإخوان، مرسى لا يستطيع ذلك، فهو كغيره من الإخوان لديه مسئول، ومسئوله هو الذى يقوده ويوجهه، ومن نكد الدنيا علينا أن مرسى له مسئولان، أولهما هو محمود عزت، والثانى هو خيرت الشاطر، وهما المتصرفان فى كل أموره حتى أموره الشخصية، لذلك أقول للأخ مرسى «جزاك الله خيرت